أسامة علي
في خضم التصريحات الأخيرة التي أدلى بها مسعد بولس، مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حول صياغة خطة أميركية مطورة لحل الأزمة الليبية، وزيارات المسؤولين الأميركيين الكثيفة لطرابلس وبنغازي، طغى على خطابات وأحاديث القادة الليبيين، في مشرق البلاد وغربها، منطق الحديث عن عالم المال والاقتصاد والاستثمارات، في ما يبدو أنه محاولة لاستمالة واشنطن بفلسفة ترامب التي تعتبر السياسة امتداداً للاقتصاد.
في الآونة الأخيرة كثف مسؤولو قيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر والحكومة الخاضعة لسلطته في بنغازي إصدار التقارير والتصريحات حول مشاريع البناء والإعمار الضخمة التي تسعى لتنفيذها في شرق البلاد وجنوبها، وركز رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، بشكل لافت، على ملفات الاستثمار في النفط والغاز في الغرب. ويبدو أن الجانبين يحاولان استيعاب منطق اللعبة الراهنة.
في الواقع لم يكن مشروع حفتر لإعادة البناء والإعمار سوى محاولة لتحويل الصراع العسكري إلى عملية تفاوضية تجذب الشريك الدولي، فالتقارير التي أصدرها جهاز البناء والإعمار ومسؤولو الحكومة الموازية في بنغازي، عن المساحات الكبيرة التي يعتزمون تدشين مشاريع بناء فيها بمليارات الدولارات، لسان حالها يقول إنها تنتظر مستثمراً قوياً، والدبيبة تحدث في اجتماعاته الحكومية الأخيرة عن ملف الاستثمار في النفط والغاز في باطن أرض البلاد وبحرها.
بدا وكأن كلاً من الجانبين منشغل في عرض نفسه شريكاً أمثل لمصالح ترامب الذي لا يرى العالم سوى سوق واسعة، والتحالفات عقود تُقاس بمعايير المكاسب، حتى وإن كان ذلك يناقض استقرار الدول وهويتها.
ما لا يدركه أصحاب الخطاب المتلون من القادة المحليين أن العقل الذي يفكر به ترامب ليس جديداً، فلم يستوعبوا دروس التاريخ عندما ربط المستعمر الأجنبي في سابق الأزمان، أينما حل، توسعه الاستعماري بمكاسبه الاقتصادية.
فما يفعله ترامب اليوم هو إعادة إنتاج ذلك النموذج عبر أدوات العصر. أما المفارقة في تعاطي القادة الليبيين، فهي أن كل طرف يتهم الآخر بالمسؤولية عن الهدر الكبير في الإنفاق المالي من دون رقابة، ويتبارون في الوقت نفسه في عرض أنفسهم على العالم بوصفهم شريكاً أمثل، بطريقة قد ترهن مستقبل البلاد لصالح “صفقة” مع أي دولة قد تجعله الطرف الأقوى في خريطة الصراع المحلي.
صحيح أن الاقتصاد يتماس مع السياسة، وقد يقع في قلبها أحياناً، لكن الخطر هنا هو في اختزال مصير بلد في معادلات مالية تتناسى أنه يعيش أزمة تهاوت به إلى درجات عميقة، لا على مستوى الاقتصاد فحسب، بل على مستوى الهوية ووحدة البلاد التي تتبدد على يد المتصارعين، إلى حد أن نائب رئيس المجلس الرئاسي موسى الكوني طالب أثناء زيارته لواشنطن أخيراً، بإجراء الانتخابات ضمن نمط الحكم الفيدرالي في أقاليم ليبيا الثلاثة (فزان، برقة، طرابلس)، معللاً ذلك بأن جنوب ليبيا لا حكومة له، أسوة بالحكومتين في طرابلس وبنغازي.
وربما تكون تصريحات بولس بشأن تطوير البيت الأبيض خطة للحل في ليبيا من خلال شراكة فعلية بين كل الليبيين، انعكاساً لحالة التشظي العميقة التي وصلت إليها البلاد في وحدتها وهويتها.
في النهاية، يبقى السؤال: هل يُجيد الليبيون لعبة ترامب حقاً؟ أم أنهم، بسبب سعيهم وراء خطب ود واشنطن، يزجون بالبلاد في سوق الصفقات؟ فإذا كان شعار “أميركا أولاً” في البيت الأبيض، يعني تقديم المصالح الاقتصادية على كل المبادئ.
فهل يسمح هؤلاء القادة بأن يتحول مصير البلاد لمجرد شعار يطرح في خطاباتهم ويلتفتون عنه في غرف المفاوضات المغلقة؟
ومتى يفرز الخطاب الوطني شعار “ليبيا أولاً” و“الوطن أولاً“؟
-
______________