داود علي

الصراع المتصاعد والمستمر بين الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، وحليفه السابق قائد اللواء 128 حسن الزادمة، يهدد الاستقرار القبلي في سائر الجنوب الغربي الليبي عموما، ومنطقة فزان خصوصا.

وتثير الخصومة بين الزادمة وحفتر، عداء أوسع بين قبائل التبو وأولاد سليمان، ما قد يودي بتحالفات حفتر حتى مع دول مجاورة مثل النيجر وتشاد، التي تصل امتدادات وأواصل تلك القبائل إليهما.

كما أثّر الوضع المضطرب بين الجنرالين النافذين، على بلدة القطرون، الواقعة في منطقة مرزق جنوب غرب ليبيا، ويعد الزادمة من أبناء قبيلة أولاد سليمان، بينما يحظى حفتر بدعم قبيلة التبو

وعن هذا الصراع، قالت مجلة أفريكا انتيليجنسالفرنسية المختصة بالشأن الإفريقي: إن النفوذ المتزايد للإخوة حسن وسالم وزيدان الزادمة، داخل الأوساط العسكرية والسياسية والقبلية الليبية، تسبب في استياء صدام حفتر (نجل حفتر) 

وأوضحت في 20 مارس/ آذار 2025 أن محاولة حفتر إضعاف الزادمة وتحجيم نفوذهم، لم يستعد قبيلة أولاد سليمان فحسب، بل كامل قبائل التبو أيضا.

استقالة الزادمة 

كان الزادمة يقود اللواء 128 المتمركز في فزان، بينما يشغل شقيقه سالم منصب نائب رئيس وزراء حكومة الشرق أسامة حماد ويتولى زيدان مسؤولية التنسيق داخل قبيلة أولاد سليمان.

وبالإضافة إلى جذورهم المحلية، يتمتع الإخوة الزادمة بعلاقة خاصة مع الإمارات؛ حيث يزورونها بانتظام.

وفي 22 ديسمبر/ كانون الأول 2024، بدأت تتصاعد أخبار الشقاق بين حفتر والزادمة، عندما تداولت صفحات أخبار ليبية محلية، أنباء عن استقالة الأخير.

وأرجعت سبب الاستقالة إلى اعتراضه على محاولة سيطرة عائلة حفتر، تحديدا أبناءه على قطاعات السلاح والذهب في تلك المناطق

ومع ذلك لم تكن الاستقالة رسمية أو مؤكدة، حتى جاء يوم 12 يناير/ كانون الأول 2025. 

حينها دعم صدام حفتر إقالة حسن الزادمة من قيادة اللواء 128، التابع لقواته، ثم أرسل حفتر اللواء 87 إلى الجنوب ليحل محله ويجمع معداته

وتضمن قرار حفتر حل اللواء 128، بقيادة الزادمة، وتفكيكه إلى ثلاث مجموعات مسلحة بقيادات جديدة، وتوزيع تمركزاتها بين ثلاث مناطق في الجفرة وأوباري وسرت.

والزادمة من الضباط المخضرمين في الساحة العسكرية الليبية؛ إذ كان يشغل رتبة رائد ضمن كتائب النظام السابق للعقيد معمر القذافي

وبرز ضمن صفوف كتائب القذافي في مواجهة ثورة 17 فبراير 2011، قبل أن يعاود الظهور ضمن القوى القبلية المسلحة بالجنوب الليبي.

وفي عام 2016 تمكّن من بناء تشكيل مسلح قبلي باسم السرية 240 مشاة، وأخضع به عددا من المناطق والمواقع لسلطة حفتر.

قبل أن يشرعنه حفتر ضمن قيادته ويرقيه إلى رتبة عقيد ويسمي تشكيله باسم اللواء 128 معزز عام 2018، وجعل تمركّزه في قاعدة الجفرة ثم فزان.

أسباب الخلاف

لكن الزادمة الذي شارك حفتر انقلاب عام 2014، وكان في طليعة حملته العسكرية (الفاشلة) على طرابلس عام 2019، رفض الامتثال للقرارات

وكشفت وكالة أنباء نوفاالإيطالية في مطلع يناير/ كانون الثاني 2025، أنه لم يخضع لأوامر الاستدعاء ولا يعرف مكانه.

أكد على هذا آمر قوة الإسناد بعملية بركان الغضبناصر عمار، الذي قال للوكالة: “إن عقد التحالف قد انفرط، بخاصة بعدما داهمت الشرطة العسكرية، منزل قائد كتيبة 128 مشاة حسن الزادمة“. 

وأرجع سبب الخلاف إلى قيام صدام نجل حفتر بسحب الرتب والأسلحة من قبيلة أولاد سليمان الذين سبقت ترقيتهم من طرف الزادمة، فيما منح نفوذا أوسع للتبو، ما رسّخ تململا بين القبيلتين في تلك المنطقة.

وذكرت الوكالة الإيطالية أن اتصالات جرت بين الزادمة وبين بعض القادة الروس القائمين على برامج إعادة هيكلة مجموعات فاغنر المتمركزة في قاعدة الجفرة، كانت سببا في غضب حفتر.

وأشارت إلى أن الجنرال الانقلابي شعر بالخطر في منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2024، عندما تولى الزادمة تأمين وصول ضباط روس إلى مقرات عسكرية إستراتيجية بالجنوب.

خاصة معسكر لويغالقريب من الحدود مع تشاد، ومعطن السارةالقريب من الحدود مع السودان.

وأورد موقع ليبيا أوبزرفرفي 13 فبراير/ شباط 2025، أحد أوجه الخلاف الحاد بين حفتر والزادمة.

عندما كشف أن الزادمة نفذ عملية عسكرية بأوامر من حفتر، وبإشراف من نجله صدام، في أغسطس/ آب 2024، تحت مسمى تأمين الحدود الجنوبية.

كان من العملية السيطرة على مناجم الذهب الواقعة على الحدود مع تشاد، لكن الزادمة ماطل في تسليم مواقع المناجم بعد نجاحه في السيطرة عليها لصدام عدة مرات.

وجعل حجته اتفاقه مع المليشيات القبلية التشادية المسيطرة على جزء من المناجم، وهو ما أغضب حفتر الوالد والابن، وقررا ضرورة إزاحة الزادمة، بحسب الموقع المحلي الليبي.

اشتباكات عنيفة 

وعلى وقع هذه الخلافات، اندلعت اشتباكات عنيفة بين الجنرالين في 12 فبراير 2025، في بلدة القطرون، التي تعد آخر نقطة في الجنوب الليبي.

ففي ذلك اليوم توجهت قوة من اللواء 87، تعود تبعيتها لصدام حفتر، وبإمرة محمد المزوغي، وطلبت من كتيبة حسن الزادمة أو اللواء 128 تسليم السلاح، وهو ما أدى لاشتعال القتال

حينها حظي الزادمة بدعم رجاله بمن فيهم عناصر مسلحة من قبيلته أولاد سليمان، وخاضوا معا القتال لعدة أيام.

ثم أعلنت قناة ليبيا الأحرارأن الاشتباكات تسببت في سقوط ضحايا وجرحى من الطرفين، دون أن تعلن الجهات الرسمية طبيا وعسكريا أعدادهم أو طبيعة إصاباتهم.

لكنّها أكّدت حرق عدد من الآليات والمعدات العسكرية من قبل الكتيبة التابعة لحفتر قبل انسحاب قوات الزادمةعلى وقع تكبّدها خسائر

وكانت السرية التابعة للزادمة قد فرت من مدينة القطرون إلى جبل عصيدةالذي يبعد نحو 50 كيلومترا عن المنطقة.

لكن رغم تقدم صدام حفتر في المعارك، إلا أنه واجه أزمة أعمق، تخص المعارض بجبهة التحرير الوطني النيجرية محمود صلاح الذي كان برفقة الزادمة، ثم اعتقل في القطرون في 23 فبراير خلال هجوم اللواء 87، واحتجز في بنغازي

ووفقًا لتقارير صحفية، كان صلاح يخطط لإعادة تنظيم صفوفه في ليبيا، مستفيدا من حالة الفوضى الأمنية هناك.

وبعد بضعة أيام، أثار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون القضية خلال استقبال خليفة حفتر في قصر الإليزيه؛ حيث إن ماكرون يتابع وضع الرئيس النيجري السابق محمد بازوم عن كثب.

ويضم صلاح ضمن مقاتليه المعارضين أنصار بازوم، الذين يطالبون بتحريره بعد أن أطاح به الجيش النيجري بقيادة عبدالرحمن تشياني في يوليو/ تموز 2023. 

وكلا الرجلين سواء صلاح أو بازوم لهما امتدادات قبلية في ليبيا؛ لأن صلاح من قبائل التبو وبازوم من قبيلة أولاد سليمان (نفس قبيلة الزادمة) وكلاهما في قلب المعركة بين حفتر والزادمة.

ورغم انتشار شائعات عن إطلاق سراح صلاح، تنفيذا لطلب ماكرون، لكن مصادر مقربة منه، نفت ذلك في بيان صحفي نشرته حركة تنسيقية القوى الحرة في النيجر في 11 مارس 2025. 

فيلق إفريقيا 

ومع ذلك أكدت مجلة “أفريكا انتيليجنس” أن خليفة حفتر استطاع الحفاظ على تواصله مع قبيلة التبو، وكسب ودّهم

لكن حربه على الزادمة مع مصير محمود صلاح، والعنف الذي شهدته القطرون أثارا استياء عميقا ضد ميليشياته

ويحاول حفتر بكل قوته أن لا يخسر كامل تحالفه مع التبو تحديدا؛ نظرا لأهميتهم الإستراتيجية بحكم وجودهم ونفوذهم في منطقة جنوب شرق ليبيا.

حيث تقع مناجم الذهب، على الحدود مع السودان وتشاد، وتعد السيطرة على هذه المناجم محور الصراع بين حفتر وقبيلة الزادمة (أبناء سليمان).

ناهيك عن أن منطقة الكفرة الواقعة في المنطقة نفسها (فزان)، تضم قاعدة معطن السارة الجوية العسكرية، التي رممت وأعيد تشغيلها سرا في نوفمبر 2024.

ومنذ ذلك الحين، يستخدم الفيلق الإفريقي الروسي (فاغنر سابقا) المنطقة كمركز لوجستي لنقل رجاله ومعداته العسكرية إلى منطقة الساحل

كما أن موقعها الإستراتيجي يخدم مصالح الإمارات في نقل المساعدات إلى قائد ميليشيات الدعم السريع محمد حمدان دقلو في السودان والذي ساعد حسن الزادمة كثيرا في إمداده وتسهيل وصول الدعم له خلال حربه على الجيش السوداني

_______________

مقالات