حصة عبد الله

ينشأ الشباب في القبيلة على القيم النبيلة والأخلاق الفاضلة والعادات الإسلامية والعربية الأصيلة، بدون تعصب أعمى أو ولاء فوق الولاء للدين والوطن.

تُعدّ القبيلة – كوحدة اجتماعية – على رأس المكونات الداخلية للأمن الاجتماعي، بل تتجاوز أهميتها الأمن الاجتماعي لتؤثر سلبًا أو إيجابًا في الأمن الثقافي والاقتصادي والسياسي للدولة، من خلال الترابط القوي بين أفرادها وما يتمتعون به من تكاتف وتعاضد وموروثات وقيم مشتركة، ذلك التماسك الداخلي يؤثر على العلاقات الدولية وسياساتها الخارجية.

جزيرة العرب كان يحكمها قبل ظهور الإسلام النظام القبلي، وكان الولاء للعرق والقبيلة هو الرابطة الحاكمة للمنتسبين من أبناء القبيلة، وتعارفت العرب على صفات يجب أن تتوفر فيمن يسود القبيلة ويحكمها، منها الحكمة والكرم والشجاعة والحمية، وغيرها من الصفات التي بقيت موروثة مما بقي في العرب من مكارم الأخلاق التي وجدت مع حنيفية إبراهيم، عليه السلام، والتي قال عنها رسول الله، صلى الله عليه وسلم: “إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق” 

وإذا ما مات سيد منهم نظرت القبيلة لمن يصلح للرياسة ويحمل تلك الصفات فيسودها، مع اعتبار الأولوية لأبناء ذلك السيد إن توفرت فيهم الشروط، ولكن إن لم تتوفر اختاروا من القبيلة رجلًا يصلح للحُكم والقيادة، والمطلوب ممن يترأس القبيلة أن يتحلى بخلال حميدة وصفات طيبة، تُعد حيوية في بناء المجتمع البدوي.

وقد عددها الجاحظ فقال: “كان أهل الجاهلية لا يسوّدون إلا من تكاملت فيه ستُّ خصال: السخاء والنجدة والصبر والحلم والتواضع والبيان .

الإسلام أوصد أبواب النعرات الجاهلية والتمايز بين الناس، وفتح أبواب المساواة بين جميع أفراد المجتمع، بغض النظر عن خلفياتهم العرقية أو القبلية

الإسلام تعامل مع القبيلة كلبِنة في بناء المجتمع، وظفها توظيفًا إيجابيًا لتساهم بفاعلية في تقوية جدار البناء الأكبر وهو بناء الأمة، فلم يُلغِ القبيلة التي كانت تمثل كيانًا قائمًا بذاته، وكانت فيها عصبية جاهلية جعلت الإنسان يحارب في سبيل قبيلته ظالمة ومظلومة دون أن يسأل، ودفعته لمساندتها تحت مظلة العصبية للقبيلةوإن خالفت الحق ودعت للباطل، ومناصرتها بعصبية عمياء، كما وصف ذلك الشاعر الفحل دُريْد بن الصِّمَّة:

وما أنا إلا من غَزِيَّة إن غوتْ    غوَيتُ وإن تَرشُد غزية أرشد

فنهى الإسلام عن التعصب لأي رابطة غير رابطة الدين والعقيدة، واعتبر التعصب لغير رابطة الدين دعوة جاهلية مقيتة، كما في قوله، صلى الله عليه وسلم: “قد أذهب الله عنكم عبِّيَّة الجاهلية وفخرها بالآباء.. مؤمن تقي، وفاجر شقي، والناس بنو آدم، وآدم من تراب“.

جاء الإسلام بالعدل والإنسانية والسماحة والمساواة بين الناس كأسنان المشط، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، ليقتل بذلك العصبية المقيتة ويُحيي في النفوس رابطة الإنسانية المبنية على الإخاء، مقررًا ذلك وداعيًا له بـ {إنما المؤمنون إخوة}، وهي رابطة تستند إلى الدين الحق، جاعلًا التفاضل بين الناس بالتقوى، لا بالعرق ولا بالجنس، وقد أعلى مراتب من كانوا عبيدًا، وخفض مقام من كانوا في الجاهلية أسيادًا، كلًا حسب كسبه وجهده، آخى بين قلوب المؤمنين من الأوس والخزرج بعد التفرق والتشتتعلى دينه الحق، فصيرهم به جميعًا بعد أن كانوا أشتاتًا، وإخوانًا بعد أن كانوا أعداء، وهو نموذج يمكن ويجب تطبيقه.

مبدأ المساواة في الإسلام يؤكد أن جميع البشر سواسية أمام الله، فالتفاضل بين الناس لا يكون بناءً على أصلهم أو لونهم، بل على تقواهم وصلاحهم، وقد نبذ الإسلام العنصرية في الحديث الشريف، وها هو ذا النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، ينبذ العنصرية في خطبته الشهيرة في يوم عرفة حيث قال: “يا أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب.

الإسلام أوصد أبواب النعرات الجاهلية والتمايز بين الناس، وفتح أبواب المساواة بين جميع أفراد المجتمع، بغض النظر عن خلفياتهم العرقية أو القبلية.

وقد مارس الصحابة رضي الله عنهمدورًا مهمًا في تهذيب العنصرية، فالصحابة الذين كانوا من خلفيات مختلفة، مثل بلال بن رباح (الذي كان عبدًا حبشيًا) وصهيب الرومي (الذي كان من أصل روماني)، كانوا في مكانة عالية في المجتمع الإسلامي. فالإسلام  جعل المكانة الاجتماعية تقتصر على التقوى والعمل الصالح، وليس على العرق أو الأصل.

الإسلام شجّع على بناء مجتمع موحد من خلال تفعيل المساواة بين الجميع، وهذا ساعد في تعزيز الوحدة القومية في الدولة الإسلاميّة.

المسلمون من مختلف الأعراق والقبائل تجمعهم أواصر الدين، وكانوا يعملون سويًا بلا فوارق من أجل بناء الدولة، تحت مظلّة لا إله إلا الله وقيادة رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

القبيلة أراد لها الإسلام أن تكون وسيلة من وسائل صلة الأرحام، قال ابن عباس: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: “اعرفوا أنسابكم تصلوا أرحامكم، فإنه لا قرب بالرحم إذا قطعت، وإن كانت قريبة، ولا بُعد بها إذا وُصلت وإن كانت بعيدة“.

وفيها ينشأ الشباب على القيم النبيلة والأخلاق الفاضلة والعادات الإسلامية والعربية الأصيلة، بدون تعصب أعمى أو ولاء فوق الولاء للدين والوطن، وهي تزيد من الترابط الاجتماعي والتكافل والتراحم فيما بين منسوبيها، وبينهم وبين الآخرين، ما يسهم في تقوية بناء الدولة والأمة الإسلامية.

من منظور إسلامي، تمثل القبيلة ركنًا ركينًا من أركان الدولة، وعنصرًا مهمًا من عناصر قوتها الشاملة، وعلى رأس ذلك الأمن الاجتماعي؛ فإن تأسست القبيلة وقامت عُراها على هدى من الله وكتاب منير كانت إضافة كبيرة وحقيقية للأمن الوطني

أما الذين يفاخرون بأن قبيلتهم أغنى وأكثر مالًا، أو أعلى مقامًا وجاهًا ممن سواهم، فهؤلاء فيهم شيء من جاهلية، وهو نفسه قول عُيينة والأقرع لرسول الله، صلى الله عليه وسلم: “نحن سادات العرب، وأرباب الأموال، فنحّ عنا سلمانَ وخبَّابًا وصُهيبًا، احتقارًا لهم وتكبرًا عليهم، وقد ذم الله هذا الصنيع الجاهلي والتكبّر البغيض.. يقول تعالى: {فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالًا وأَعَزُّ نَفَرًا} (الكهف -34). قال قتادة: تلك والله أمنية الفاجر (كثرة المال، وعزّة النفر)، وإنما العزة الحقيقية من وجهة نظر الإسلام تكون بهذا الدين ائتمارًا بأوامره وانتهاءً عن نواهيه فيما يتعلق بمفهوم القبيلة أو غيرها.

يقول تعالى في كتابه العزيز: {ولله العزّة ولرسوله وللمؤمنين ولكنَّ المنافقين لا يعلمون} (سورة المنافقون: 8). وفي هذا السياق، فإن العزة بالقبيلة تكون بالسعي لمعرفة الأرحام من أجل صلتهم كأرحام، لا من أجل التناصر بهم بالحق وبالباطل.

ختامًا:

من منظور إسلامي، فإن القبيلة تمثل ركنًا ركينًا من أركان الدولة، وعنصرًا مهمًا من عناصر قوتها الشاملة، وعلى رأس ذلك الأمن الاجتماعي؛ فإن تأسست القبيلة وقامت عُراها على هدى من الله وكتاب منير كانت إضافة كبيرة وحقيقية للأمن الوطني للدولة، وركيزة من ركائز وحدة الأمة، وعاملًا من عوامل نهضتها الحضارية.

وإن استشرت فيها العصبية القاتلة كانت خصمًا على قوى الدولة الشاملة، بل ستكون أحد معاول الهدم التي تسهم بشكل مباشر في تفتيت عضدها وتأخر تطورها، بل ستكون سببًا في تآكلها بالصراعات المبنية على الانسياق الأعمى خلف راية القبيلة وإعلائها على حساب قيمة الوطن وأمن المواطن.

_____________

مقالات