أسامة علي

كثيراً ما تُثار أسئلة تبحث عن الأسباب التي تُعيق مسارات الحل السياسي لتجاوز التعثر المستمر لإنجاز الاستحقاق الانتخابي في ليبيا. ورغم الإجابات النمطية المُكررة حول الخلافات على القوانين الانتخابية كعامل عرقلة لجهود الحل السياسي، وأسباب أخرى بات تكرارها مملاً.

فإن أسبابا تكشفت مع مرور الوقت يبدو أنها أكثر عمقاً وأشد عرقلة لأي مسعى يقترح حلاً سياسياً.

أكثر تلك الأسباب خطراً اقتصاد الظلالذي تحوّل إلى نقطة لقاء بين أطراف الصراع في سراديب الفساد، وبات يختزل نفسه في حالة درامية مضمونها أن بقاء الانقسام يُدر دخلاً من دون رقيب أو حسيب، فلماذا الحلول والحوارات السياسية الرامية إلى إنهاء الانقسام.

في عام 2022، ووسط أزمة مالية حادة كان يمر بها المصرف المركزي في ليبيا، المسؤول عن تمويل الموازنات، ابتكرت حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس نظام مقايضة النفط بالوقود كحل مؤقت.

لكن هذا الحل فتح أعين المتصارعين على آفاق للتقارب والتوافق في الكواليس. وتفتق ذهن الحكومة في طرابلس، التي تتبعها مؤسسة النفط وهي الجهة المسؤولة دولياً عن تصدير النفط، وقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر التي تسيطر على منابع النفط وموانئ تصديره، عن شراكة غير معلنة، عبر إنشاء شركة أركنوفي 2023 تسمح لهما بإدارة عمليات تصدير النفط واستبداله بالوقود.

بعد عام من تأسيسها، كشف تقرير صادر عن لجنة خبراء الأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2024 أن أقل من 30% من الوقود المستبدل بالنفط يصل إلى ليبيا، بينما يُباع بقيته للمهربين في عرض البحر.

وبحسب التقرير الأممي، فقد تعاملت أركنومع أكثر من 38 ناقلة نفط باعت لها الوقود في عرض البحر، وإحدى هذه الناقلات اشترت أكثر من 13 ألف طن من الوقود بين مارس/آذار 2022 وأكتوبر/تشرين الأول 2024. وكل ذلك يتم عبر هذه الشركة المشرعنة من مؤسسة النفط، لكنها بسلطة الطرفين لا تخضع للمحاسبة ولا لمراقبة أين تذهب الأموال.

ربما ما كشف عنه تقرير الأمم المتحدة حول هذه الشركة ليس الوحيد، فصفقات الكواليس كثيراً ما حدثت طيلة مسار صراع الأطراف.

لكن أخطر ما كشف عنه هذا التقرير هو أن مثل هذه الشركات لا تهدد الثروة فحسب، بل تضمن استمرار الصراع، فالأموال التي يجنيها الطرفان من هذه الصفقات تمكنهما من شراء الولاءات السياسية والعسكرية وترسخ هيمنتهما.

ولذا فإن أي خطوة نحو إنهاء الانقسام الحكومي أو إجراء الانتخابات تشكل خطراً يهدد بتقويض هذا النفوذ. فالسيطرة على النفط، الذي لا بد أنه كان من بين أهم أسباب الحروب السابقة، صار اليوم سبباً في الهدوء الظاهر، لكن بضمان استمرار تدفق أمواله في الخفاء.

هذا الواقع المرير قد يكشف عن الأسباب العميقة لفشل كل الجهود السياسية في كسر الحلقة المفرغة لأزمة البلاد، فالجميع يعرقل أي مقاربة سياسية للحل، وإن تم فرضها فالمماطلات التي خبروها سبيل لإطالة أمد أي حوار.

____________

مقالات