يوسف عبد الهادي
في العام 1381 هـ , الموافق سنة 1962 م عزم الملك إدريس رحمه الله على أداء فريضة الحج، وهي المرة الأولى والوحيدة التي أدى فيها الحج أثناء توليه المُلك في ليبيا، ورَغِبَ رحمه الله في أن يكون ذهابه صحبة الحجاج الليبيين، وطلب أن يتم استخراج وثيقة حج له أسوة بباقي الحجاج.
كما أصر على أن يحج على نفقته الخاصة ورفض أن تتكفل الدولة بدفع أي مليم في حجته تلك، كما أمر بأن يتم ترتيب رحلته هذه بحيث يكون الذهاب مع حجاج برقة، وتكون العودة مع حجاج طرابلس.
وبالفعل هذا ما كان، ورافق الملك زوجته وبعض الموظفين، إضافة إلى الناجحين الأوائل في المعهد الديني – (الجامعة الإسلامية) – الذين كرمتهم الجامعة بالحج ذلك العام على نفقتها صحبة الشيخ مصطفى التريكي رئيس الوعظ والإرشاد في الجامعة الإسلامية والذي كان يلقي الدروس والمواعظ الدينية كل مساء في الباخرة المقلة للملك والحجاج، وكان الملك يستمع لتلك الدروس وهو في حجرته عبر مكبر الصوت، ولما صعد الشيخ التريكي لزيارة الملك قبيل الوصول إلى جدة صافحه الملك بحرارة وقال له: “جزاك الله خيراً لقد تابعت كل دروسك باهتمام“.
في تلك السنة أعادت الحكومة نصف قيمة التذكرة – والبالغ احد عشر جنيه – إلى الحجاج كهدية.
توقفت الباخرة سويعات في قناة السويس فصعد إلى متنها أعضاء طاقم السفارة الليبية في القاهرة للسلام على الملك وتوديع الحجاج .
وصلت الباخرة إلى ميناء جدة ليجد الحجاج الليبيون – الذين أضحوا جميعهم وفداً مرافقا لمليكهم– الملك سعود بن عبد العزيز وكامل رجال الدولة السعودية في استقبالهم.
حدثني أحد طلبة المعهد الذين أسعدهم الحظ بالذهاب في تلك الرحلة, قال :
“لا تتصور مدى سعادتي وأنا أطوف حول الكعبة قريبا من الملك رحمه الله وزوجته واللذان كانت تحوطهما مجموعة من الحراس السعوديين“.
كان السيد عبد المجيد بالحولة أمد الله له في عمره شابا نشطا من مدينة درنة، وقد افتتح محل تصوير في طبرق منذ نهاية الخمسينات وقد حدثني شخصيا فقال :
جاءني السيد محمد بوعمر (ناظر الخاصة الملكية) في السنة التي حج فيها الملك –موضوع حديثنا– وطلب مني أن أجهز نفسي بعدة التصوير، وأخبرني بأنه سيمر عليّ الساعة الخامسة مساء ليصطحبني إلى باب الزيتون حيث يقع (بيت) سيدي إدريس ومقر إقامته، وطلب مني أن التقط للملك صورة ابيض واسود (4×6) لغرض إصدار وثيقة حج لأنه –أي الملك– قد رفض أن يستعمل جواز سفره لغرض الحج قائلاً : “كيفي كيف الحجاج اللي أنا معاهم“.
يقول الحاج مجيد: وبالفعل ذهبت في الموعد المحدد، وما أن دخلت الصالون وهممت بفتح الشنطة حتى دخل الملك ووجهه يتلألأ متوجها إليّ ليصافحني فأسرعت أنا بدوري إليه لأُقبل يده العطوفة، فبادرني قائلاً: “كيف حالك يا ابني” ؟.
– فقلت له : “الحمد لله , ربي يدومك ويطوّل في عمرك“.
فرد في تواضع جم لن أنساه ما حييت قائلاً : “وين تبيني نوقف يا ابني” ؟.
يضيف الحاج مجيد: أدركت أن الرجل يعرف معنى احترام التخصص، لقد شعرت في تلك اللحظة بأنني أنا صاحب الأمر وليس هو، ولو طلبت منه أن يقف في أي مكان فسيتبع أمري، أليس التصوير تخصصي أنا ؟.
قال سي مجيد كانت خلف الملك حيث وقف ستارة على الشباك فقلت له : مكانك كويس يا مولاي، والتقطت له احتياطياً ثلاث صور، احترقت واحدة، وما زلت احتفظ (بنجاتيف) الاخريتان حتى الآن.
وكما أسلفنا، فقد قفل الملك بعد أداء الفريضة عائداً مع حجاج المنطقة الغربية، وعند وصول الباخرة إلى طبرق لم تدخل الميناء، فاُحضرت العوامة (اللانش)، ونزل الملك إليها، لتواصل السفينة عائدة بحجاج طرابلس الميامين إلى أهاليهم.
_______________