كمال بن يونس
قوميون عرب تدربوا على السلاح في ليبيا ولبنان والبوليزاريو
س ـ بحسب مؤشرات عديدة، كان هذا الهجوم المسلح، الذي كلفت به تنظيمات تابعة “للجبهة القومية لتحرير تونس” المحسوبة على “التيار الناصري العصمتي” والقريبة من الحزب الحاكم في الجزائر وجبهات تحرير فلسطينية مسلحة بينها “الجبهة الشعبية“، حلقة جديدة من الصراعات الداخلية والإقليمية ضمن ما عرف بـ“معارك خلافة الرئيس بورقيبة المريض“؟
ـ فعلا هذا صحيح .. وقد اندلعت الأحداث في مرحلة كان فيها الرئيس بورقيبة في إجازة مفتوحة في استراحته في واحات النخيل في منطقة نفطة توزر، موطن شاعر تونس الخالد أبو القاسم الشابي، التي تبعد حوالي مائة كيلومتر فقط عن مدينة قفصة .
وتسببت تلك الأحداث وقتها في معارك سياسية وإعلامية إقليمية ودولية غير مسبوقة بين “النظام القومي الوحدوي الحاكم في ليبيا” وأنصاره في الجزائر وتونس من جهة و“التيار الحداثي التونسي الذي يتزعمه الحبيب بورقيبة ورئيس حكومته الهادي نويرة” المدعوم من فرنسا والنظام المغربي وفرنسا .
وكان هذا التيار عارض بقوة منذ أوائل السبعينيات اقتراحا تقدم به الرئيسان الجزائري هواري بومدين والقذافي خلال اجتماعها مع بورقيبة على الحدود الجزائرية التونسية في 1973 لإعلان “قيام وحدة ثلاثية بين ليبيا وتونس والجزائر” .
لكن منذ سنة 1975 بدأ نظام القذافي، بالتنسيق مع جناح في النظام الجزائري، في استقطاب بعض المعارضين التونسيين “اليساريين والقوميين “.
وكان من بين هؤلاء القوميين واليساريين مَن شارك في الحركة الوطنية التونسية ثم انشق عن بورقيبة وأنصاره وانضم إلى “المعارضة اليوسفية” والتجأ إلى الجزائر، مثل الزعيم إبراهيم طوبال ورفاقه، أو إلى ليبيا حيث أقيمت معسكرات تدريب وتم تشكيل ما سُمي “بالجبهة التقدمية لتحرير تونس“.
وتمثل دور هؤلاء في فتح معسكرات وتأليف معارضة سياسية مسلحة لتغيير الوضع السياسي في تونس وإنجاز “الوحدة العربية” السياسية التي كان القذافي وهواري بومدين حريصين على الوصول إليها.
وخلال عقد السبعينيات من القرن الماضي استفحلت مظاهر تدخل نظام القذافي في البلاد التونسية، بدعم من السلطات الجزائرية بزعامة هواري بومدين والقيادات العسكرية التي كانت مسؤولة عن “جبهة البولساريو” الانفصالية التي دربت بدورها مسلحين تونسيين وليبيين وعرب .
وقدد عمد أنصار القذافي والنظام الجزائري إلى تدريب مجموعات من “المرتزقة” من التونسيين من ذوي التوجهات “الوحدوية التقدمية” و“العروبية اليسارية” في معسكرات تشرف عليها المخابرات الليبية .
ومع حلول عام 1980 أرسل ” المسلحون بأسلحة ثقيلة” لاحتلال مدينة قفصة بالجنوب الغربي تمهيدا لما برمجوه من “ثورة شعبية مسلحة” ضد النظام التونسي في كامل البلاد بهدف إسقاطه.
أغلب قادة هذه الميليشيات ينتمون إلى “الجبهة القومية التقدمية” ذات الانتماء “الوحدوي العروبي“. وهو تنظيم له حسابات قديمة مع النظام البورقيبي في تونس ترجع إلى فترة تصفية الحركة الوطنية وجناحه “العروبي” بزعامة الأمين العام للحزب صالح بن يوسف، الذي تحالف في مرحلة خلافه مع بورقيبة ما بين 1955 و1962 مع جمال عبد الناصر وقيادة الحركة الوطنية الجزائرية بزعامة أحمد بن بلا وهواري بومدين .
وفعلا تمكن هؤلاء المسلحون من الدخول إلى غربي جوب تونس عبر الجزائر، بالرغم من كون بعضهم من بين المطاردين أمنيا وسبق أن حوكم في الستينيات في المحاولة الانقلابية التي تزعمها في شهر ديسمبر/ كانون الأول الأزهر الشرايطي القيادي السابق للمقاومة الوطنية التونسية المسلحة الذي عينه الرئيس بورقيبة مديرا لأمن القصرالرئاسي.
وقد نجح الكوماندوس “القومي العربي” الذي هاجم مدينة قفصة في كانون ثاني/ نياير 1980 في استقطاب عدة عناصر أخرى من داخل تونس ـ بدعم من الزعيم السياسي للمجموعة “عز الدين الشريف” أصيل مدينة قفصة، الذي كان حوكم في الستينات مع الزعيم العسكري أحمد الميرغني بالسجن في المحاولة الانقلابية لعام 1962 ثم بالانتماء إلى حركات سرية قومية قريبة.
وتوقع قادة هذه التنظيمات القومية العروبية المسلحة، حسب ما جاء في التحقيق معهم بعد فشل العملية، أن يقع تعزيز فريقهم المهاجم ب 500 مقاتلا مدربا في ليبيا ولبنان والبوليزاريو وهو ما لم يحصل.
كما أنه لم يتحقق “الدعم الشعبي” من قبل المواطنين في الجنوب التونسي وتحديدا من جهة قفصة، بالرغم من كونها كانت موطن عدد من المعارضين الذين سجنوا أو أعدموا بأمر من الرئيس بورقيبة بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في 1962 .
…
يتبع
_______________