يوسف عبد الهادي

كان تواصل وازدياد نشاط العمليَّات الحربيَّة للمقاومة السنوسية في برقة بين العامين 1923 و 1931، وأيضًا كما هو الحال عند خفوتها أو توقُّفها يرتبط كلَّ الارتباط بتحركات السيِّد إدريس في مصر.

وكان الإيطاليون يعرفون تمام المعرفة أنَّ البريد يسير بانتظام بين عمر المختار وأميره، وأنَّ الأول كان على دراية تامَّة بما يدور في القاهرة بين الحين والآخر بين الأمير والجانب الإيطاليِّ.

لذا فقد قابل توقُّف نشاط الوحدات العسكريَّة الإيطاليَّة في الجبل وجنوب بنغازي تخفيفُ الهجوم من قِبل المجاهدين على محلَّات العدوِّ، وفي هذا الصدد ينقل المؤرخ الإيطالي ديل بوكاما جاء في نشرة نوتيتسياريو بيريودكو بتاريخ 1 يوليه 1925 بأنَّ:

«تكتيك السنوسيَّة هو عدم الالتزام بأيِّ شكل، وأن يتجنَّبوا أيَّ صدام مع القوَّات، والذي صار أكثر وضوحًا يومًا بعد يوم تقيُّدًا بالتعليمات الواردة من القاهرة والصادرة عن الأمير السابق إدريس بأن لا يوقعوا بما تبقَّى من منظَّمة العصاة؛ انتظارًا للتوصُّل إلى إبرام اتِّفاق معنا، فمنذ ما يقرب من العام أوقفت السنوسيَّة أيَّة هجمات بل وأقلَّ إزعاج لحامياتنا النظاميَّة». أهـ.

لذا كانت إيطاليا تعي تمامًا بأنَّ الحرب لن تنتهي بسهولة طالما بقي التنظيم السنوسيُّ متماسكًا في الجبل، كما كانت تعي أيضًا أنَّه طالما صمد هذا الإخوانيُّ العجوز الذي يُبقي هذا التنظيم حيًّا في قلوب رجال المقاومة فلا سبيل إلى إيقاف تلك الحرب.

ولهذا حاول الإيطاليُّون في تلك الأثناء الاتِّصال بعُمر المختار بواسطة الوجيه الشارف الغريانيِّمن أجل فتح باب للمفاوضات، ويبدو من ردِّ المختار على الشيخ الغرياني أنَّ هذه المحاولة كانت تهدف إلى أن يتمَّ التواصل بمعزل عن الأمير السيِّد إدريس، إذ ردّ عُمر المختار في 13 ربيع الثاني 1344هـ, الموافق 31 أكتوبر 1925 قائلًا:

«بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله القائل: (إنَّ الجنَّة تحت ظلال السيوف)،

إلى أخينا سيِّدي الشارف بن أحمد الغريانيِّ، حفظه الله وهداه.

سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ومغفرته ومرضاته.

نُعلمكم أنَّ إيطاليا إذا أرادت أن تبحث معنا في أيِّ موضوع تعتقد أنَّه يهمُّها ويهمُّنا فما عليها إلَّا أن تتَّصل (بصاحب الأمر ومولاه: سيِّدي السيِّد محمَّد إدريس بن السيِّد محمَّد المهدى بن السيِّد محمَّد السنوسيِّ، رضى الله عنهم جميعًا)، فهو الذي يستطيع قبول البحث معهم أو رفضه، وأنتم لا تجهلون هذا، بل وتعرفون إذا شئتم أكثر من هذا، ومكان سيِّدي إدريس في مصر معروف عندكم، (وأمَّا أنا وبقيَّة الإخوان المجاهدين فلا نزيد عن كوننا جندًا من جنوده لا نعصي له أمرًا)،

ونرجو من الله سبحانه وتعالىأن لا يُقدِّر علينا مخالفته فنقع فيما لا نريد الوقوع فيه، حفظنا الله وإيَّاكم من الزلل، نحن لا حاجة عندنا إلَّا مقاتلة أعداء الله والوطن وأعدائنا، (وليس لنا من الأمر شيء، إذا ما أمرَنا سيِّدنا ووليُّ نعمتنا، رضى الله عنه ونفعنا به، بوقف القتال نوقفه، وإذا لم يأمرنا بذلك فنحن واقفون عند ما أمرنا به)،

ولا نخاف طيَّارات العدوِّ ومدافعه ودبَّاباته وجنوده من الطليان والحبش والسبايس المكسرين، ولا نخاف حتَّى من السمِّ الذي وضعوه في الآبار وبخُّوا به الزرع النابتة في الأرض،

نحن من جنود الله، وجنوده هم الغالبون، ونحن لا نريد لكم ما يدفعكم إليه النصارى، وظنُّنا بكم خير، والله يوفِّقنا ويهدينا وإيَّاكم إلى سبيل الرشاد، وإلى خدمة المسلمين ورضا سيِّدنا سيِّدي إدريس (رضي الله عنه)، وسلام الإسلام على من تبع الإسلام.

13 ربيع الثاني 1344 هجريّ.

نائب المنطقة الجبليَّة عُمر المختار». أهـ.

***

الصورة: جلسة من مفاوضات عمر المختارمع حاكم برقة دومينكو سيشليانيفي قندولة 1929.

_______________

المصدر: صفحة الكاتب على الفيسبوك

مقالات