فتحي الفاضلي
تقول مجلة “صوت ليبيا” في مقال لها بعنوان “العالم الجليل: فضيلة الشيخ علي معمر في ذمة الله“:
انتقل إلى جوار ربه الشيخ علي يحيى معمر، وهو أحد علماء الجبل البارزين، وواحد من الشخصيات الجليلة الليبية، التي عُرفت بالتقوى والزهد والعمل الصالح.
فبعد خطاب القذافي الهستيري بمدينة زوارة، في الخامس عشر من أبريل من عام 1973م، الذي أسقط فيه القوانين، ودعا إلى حرق الكتب وتهديم المكتبات، وحرض فيه عناصر سلطته ضد المثقفين وضد المستنيرين، وذوي المواقف الوطنية، وأثناء حملة الاعتقالات بالجملة، والتي وضعت فيها سلطات القمع مئات المثقفين داخل السجون، كان الشيخ علي معمر، أحد ضحايا هذه الهجمة، فلقد داهم زبانية النظام منزل هذا الشيخ العالم الجليل، وحُمل هو وأحد أنجاله، بطريقة وحشية إلى السجن، حيث حلق العساكر شعر رأسه ولحيته، وحيث أخذ نصيبه من التعذيب .
وقضى الشيخ فترة طويلة داخل السجن، حتى أُفرج عنه، بينما قدم ابنه محمد إلى المحكمة، التي قضت عليه بالسجن المؤبد. وقد تمكن ابن الشيخ بعد ذلك، من الفرار من السجن والخروج من البلاد، ومنذ ذلك الحين والشيخ علي معمر، يتعرض إلى الملاحقات والمضايقات المتواصلة، كان آخرها الضغط عليه، وإجباره على أن يكتب مقالاً يدافع فيه عن “أفكار القذافي” من وجهة النظر الدينية. لم يحتمل الشيخ هذا الموقف الذي وضعه نظام القذافي فيه، فمرت به ساعات عصيبة، أُصيب على أثرها وأسلم بعدها روحه إلى بارئها.
وتواصل “صوت ليبيا” حديثها عن الشيخ، قائلة:
وقد أُصيب رفاق الشيخ وعارفو قدره، بصدمة كبيرة لرحيله المفاجىء، وطفحت نفوس الجميع بالحزن العميق لوفاة العالم الجليل والمربي الفاضل الذي قدم لبلاده، الكثير وعانى من أجلها الكثير، على أيدي جلادي القذافي وسفاحيه. وكان داخل السجن، ورغم فنون التعذيب والقهر والإذلال، ورغم تقدم سنه، رجلاً ثابت الجنان، رابط الجأش، عظيم الشجاعة، الأمر الذي كان يرفع من معنويات إخوانه المناضلين، ويزيد من صلابتهم في وجه الجلادين، ويقدم أروع الأمثال على الصبـر والثبات، في ساحة النضال ضد نظام القمع والهمجية.
وجاء في مقال نشرته “مجلة الإنقاذ” بعنوان “شخصية العدد: فضيلة الشيخ على يحيى معمر“:
إنه (رحمه الله) كان شعلة من الحركة والحماس، فكان يُدِّرس بالمساجد ويخطب بها، وكان دارساً وباحثاً ومؤلفاً. رُقي في أوائل الستينات، إلى درجة مفتش، ثم مديراً لمعهد “جادو” للمعلمين، ولما عرف بالمثابرة والجد والإخلاص والوفاء، عُين مفتشاً للغة العربية في المحافظات الغربية، ثم نائباً لمدير التعليم. وبعد الانقلاب المشؤوم، نُقل (رحمه الله) إلى قسم التخطيط والمتابعة بوزارة التربية والتعليم في طرابلس. فكان مصلحاً ومجدداً وداعياً إلى العودة إلى روح الإسلام الحقيقية، سواء في نقاشه لمناهج التربية والتعليم، أو من خلال دروسه التي كان يلقيها بمسجد “الفتح” بطرابلس.
ولا غرابة في أن يصطدم شيخنا مع عصابة الانقلاب في أول أيامها، فتعتقله في 1973م، ليمضي قرابة العام في سجون القذافي، متعرضاً خلالها لكل أنواع التعذيب والهوان.. وخرج بعدها ليزيد إصراره علـى مبادئـه التـي دعـا إليها.. والتي غرسها قيمة ومعنى وروحاً في أولاده السبعة.. ودفع حياته ثمناً لها.. وليحمل الراية من بعده خيرة أبنائه وأبناء شعبه الليبي، الذين ارتوت بدمائهم أرض ليبيا الغالية.
وكرد فعل حاقد من القذافي، فقد داهم زبانيته بيت الشيخ في “نالوت” وهدموه، ولم يقتصر حقدهم، وغضبهم على ذلك، بل امتد إلى بيت من بيوت الله، غلاًّ وانتقاماً، حيث تعرض مسجد “الفتح” في طرابلس للهجوم والتدنيس، وهو المسجد الذي دعا الشيخ “علي يحيى معمر” لبنائه وساهم بالتدريس فيه.
ونجد في مقدمة كتاب “دراسات عن الإباضية“، تعريفاً بمؤلف الكتاب (الدكتور عمرو خليفة النامي)، يمكننا من خلاله أن نلمس شيئاً من خصائص وجهود ومميزات ودور شيخنا الوقور، فقد ورد في هذا التعريف:
إن نالوت كانت تتحدث عن حركة إصلاحية ونهضة إسلامية واعية يترأسها، ويدعو إليها أحد أبناء نالوت الشيخ علي يحيى معمر، وسرعان ما ارتسمت صورة الشيخ علي يحيى المهيبة، في ذاكرة الطفل عمرو خليفة النامي.
وكان الفتى اليافع عمرو خليفة النامي، يختلف إلى مجلس الشيخ علي يحيى معمر، ويسمع منه فصولاً من تاريخ الفاتحين الأوائل، والمجاهدين البواسل، الذين رفعوا لواء الإسلام عالياً في هذه الربوع، ويحرك في ضميره ذكريات الرجال العظام من أسلافه الأمجاد، الذين تشهد كل ذرة رمل في الجبل على منافحتهم عن الإسلام، سواء في العهدين الأموي أم العباسي أم في العصر الحديث، ضد الاستعمار الإيطالي والحكم العثماني.
وقضى الشيخ علي يحيى معمر، حوالي عشر سنوات ينهل من معين معهد الشباب (ربما يكون هو نفسه معهد الحياة) على يد شيخ الحركة الإصلاحية الإمام الشيخ إبراهيم بيوض. عاد بعدها متحمساً للنهضة والإصلاح، وبعث ما أذبلته الأيام من نضارة الأمجاد السالفة، وكان لا بدّ أن يتأثر الشاب الذكي عمرو خليفة النامي بكل ما يجري حوله ويدور.
وجاء في موقع آخر من المقدمة نفسها:
إنه برز، في أوائل الستينات، إلى عالم الفكر الإسلامي، كاتبان إباضيان، أحدهما هو الشيخ علي يحيى معمر الليبي النفوسي، والذي يعد، بمؤلفاته القيمة، من أهم الدعاة الإسلاميين الداعين إلى وحدة المسلمين في هذه العقود الأخيرة.
وكان كتابه الرائد في منهجه وفحواه “الإباضية بين الفرق الإسلامية“، يصب في قناة التوحيد بين المسلمين، وجمع كلمتهم، وقد هداه فكره النيّر وذهنه الإسلامي الثاقب، إلى وضع نظرية يعلي عليها المسلمون المعاصرون بناء وحدتهم، وعبد طريقاً يسلكونه إلى جمع كلمتهم، ولم شملهم، وقد لخص هذه النظرية في المبادىء الثلاثة: المعرفة، التعارف، الاعتراف.
…
يتبع
***
د. فتحي الفاضلي ـ عضو هيئة تدريس كلية التربية طرابلس– ومستشار بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي وكاتب وناشط سياسي ومقدم برنامج في فضائية التناصح.