مليكة بوضياف
المحور الثاني، أهم التحديات التي تواجه بناء الدولة في ليبيا:
إن الاهتمام الكبير حاليا على صعيد الفكر والممارسة بإعادة بناء الدولة في ليبيا مابعد الصراع تجعلنا نسلط الضوء على أهم المؤسسات والتي كانت ضعيفة إداريا وسياسيا وأمنيا، لذا فان إرساء الأمن والاستقرار في البلاد يعتبر تحدي كبير خاصة في ظل غياب دستور قوي.
باعتبار أن كل دولة لها خصوصيتها في تشكيل مؤسساتها، والتحدي الأعمق التحول الجذري من حالة اللانظام إلى النظام. في ظل تحدي اكبر أمام إعادة بناء الجيش الليبي ، ومن أبرز التحديات التي تواجهها، الصراع المفتوح بين القوى التقليدية الموروثة من الجيش التابعة للقذافي والمجموعات المسلحة التي ساهمت في الثورة.
وان شبه المؤسسات السياسية المتمثلة في اللجان الشعبية والقبائل وكذا المؤسسة العسكرية التابعة للقذافي مباشرة فإنها غير قوية وغيرمنظمة مما ادخل البلاد في متاهة كبيرة من أجل إرساء الأمن والاستقرار، ونتيجة لهذا اخذ الصراع عدة أبعاد نوجزها في˴ يلي:
أولا، أبعاد الصراع داخليا
لم تستطع الثورة الليبية أن تقضي قضاء كليا على نظام القذافي، بل إن الثورة المضادة بدأت مبكرا منذ اليوم الأول للثورة بإعلان تحرير البلاد نهائيا من حكم معمر القذافي، بينما حاول آخرون خلق فراغ سياسي في البلاد، لذلك يرى أحد المشاركين أن جوهر الصراع السياسي والعسكري في ليبيا هو صراع بين ثوار 17 فبراير، وقوى الثورة المضادة التي تتشكل من الدولة العميقة، وجماعات النظام السابق الذين يوجدون اليوم في عدد من الدول العربية المؤيدة لعملية الكرامة، والقبائل التي كانت تؤيده.
إذا كان القول الفصل للنخبة السياسة والعسكرية في تحديد مصير الثورة في كل من مصر وتونس فان الوضع مختلف في ليبيا، حيث التركيبة القبلية هي التي يمكن أن يكون بيدها تحديد مآل الأحداث هناك مثل تلك الجماعات التي كانت موالية للقذافي في دول الساحل إلى حمل السلاح هي الأخرى لتحقيق مصالحها القبلية أو الإثنية (الطوارق وغيرهم).
وفي هذا الإطار يؤكد برهان غليون أن نظام القذافي هو من خلق حالة الفوضى وأطلق فَّزاعة الانقسام القبلي بهدف مواصلة سيطرته على الشعب الليبي وقال أن غياب الأحزاب في ليبيا ربما يجعل مهمة الشعب الليبي صعبة قياسا لحالتي تونس ومصر.
وهكذا تم الانتقال وفق النموذج الخلدوني من العمران البدوي إلى العمران الحضري في تلاحم مع العصبية والملك، وعموما فان عملية تشخيص مستويات حضور القبيلة بثقافتها ووعيها وفعلها في الواقع السياسي المعاصر باتت تتطلب بذل جهد متضافر، والقيام بدراسات معمقة لا يمكنها أن تحصل عزل عن دراسة البنيات الأخرى المجاورة لها أو الشبيهة بها، في ذلك ظواهر الطائفية والإثنية والجهوية ،فهي ظواهر متداخلة ومتشابكة لا تزال تؤثر هنا وهناك في توجيه الأحداث وفي طبيعة المؤسسات بدءا من العائلة وصولا إلى الدولة.
وتأسيسا على ما سبق تعرضت القبيلة في ليبيا إلى عدة اختلالات أثرت سلباًعلى دورها كفاعل أساسي في أنشطة الدولة للأسباب الآتية:
1- خروج بعض شباب القبائل عن سيطرة شيوخها وقياداتها نتيجة الاندفاع السريع في فترة ما بعد القذافى لتبوء مواقع في فراغ السلطة.
2- تحرك جماعات الإسلام السياسي التي توارت خلال حكم القذافى ونجحت في توسيع قاعدتها نحو ملء الفراغ السياسي، وهى جماعات لا تقيم اعتبارات لأشكال الخصوصية الوطنية، وتتجاوز الولاء القبلي الذي يلعب دوراً كبيراً في النظام السياسي.
3- التراجع ولو نسبياً في دور القبيلة خلال فترة حكم القذافى الذي ساهم في الانقسام القبلى حفاظاً على هيمنته في الواقع السياسي داخليا.ً
4- تعدد الجماعات المسلحة وبالأكثر جماعات الإسلام السياسي الخارجة عن كل سيطرة.
أما حاليا لم يظهر ما يشير إلى نجاح السلطات الانتقالية المؤقتة في إنجاز أية خطوة حاسمة في هذا الشأن، بل هناك مؤشرات على تدهور الوضع الأمني، وتأخر بناء الجيش الوطني والمؤسسات الأمنية، فيما تواصل الفرق المسلحة ممارسة إرادتها على الأرض، في تحد صارخ وواضح للحكومة والمؤتمر الوطني الذي تعرض للاقتحام وتعطيل أعماله بشكل متواصل، وتعرض أعضاؤه للاعتداء، واضطر البعض الآخر من أعضائه إلى تقديم استقالته، خوفًا على حياته بعد تلقيه التهديد .
وفي هذا السياق تلاحظ الخبيرة الليبية «آمال العبيدي أن جهود إعادة تنظيم الجيش وبنائه تصطدم بصعوبات كبيرة وهي «ليست فقط ميدانية تتعلق بالعنف والصراعات المسلحة، بل أيضاً في غياب مفهوم مشترك للمصلحة الوطنية لدى القوى السياسية وعدد من التكتلات داخل المؤتمر الوطني (البرلمان)، ما يجعل قرارات المؤتمر الوطني محاطة بكثير من الارتباك والاضطرابات، وهو ما يقود بالتالي إلى تعثر عملية الانتقال الديمقراطي.
ثانيا، ابعاد الصراع خارجيا:
أبعاد الصراع إقليميا ودوليا لا يمكن تفسير جوهر الصراع السياسي والعسكري في ليبيا خارج سياق متغيرات حركة الثورة في العالم العربي، إذ تلعب الإمارات دوًرا فَّعالاً وعلنيا في محاربتها لدول الحراك الاجتماعي بإيوائها لفلول نظام القذافي، ودعمها لتحالف القوى الوطنية (تدعم عملة الكرامة).
بينما تقوم الحكومة المصرية بدور سلبي في دعم الثورة المضادة، إذ أصبحت ساحة لإدارة الحرب على الثورة الليبية من خلال الحملات الإعلامية الموجهة، والدعم اللوجيستي والعسكري للواء المتقاعد خليفة حفتر في حين تدعم قطر وتركيا والسودان (عملية الفجر) في تعميق هذه الانقسامات.
يتبع
***
مليكة بوضياف ـ دكتوراه في علوم سياسية، من كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجامعة الجزائرية