محمد عبد الحفيظ الشيخ
ثانياً: طبيعة جماعات العنف وتأثيرها في المشهد السياسي والأمني الليبي
ساهمت الظروف الأمنية المتردية بشكل كبير في مرحلة ما بعد سقوط نظام القذافي في ظهور جماعات العنف المسلحة، وإن كانت تلك المرحلة قد وفّرت محفزات عدة لهذه الجماعات،
وتنامي دورها في المشهد السياسي والأمني الليبي، سوى أنه يمكن القول إن السياسات الأمنية التي لجأ إليها نظام القذافي طوال 42 عاماً، لمواجهة التيار الإسلامي، أدّت دوراً كبيراً في تحوله إلى العنف، خاصة في ظل دولة تسهم في بنيتها القبلية، وطبيعة اقتصادها الريعي النفطي في إضعاف جاذبية الإسلاميين كبديل سياسي.
لقد أصبحت ليبيا البيئة الحاضنة لاستقطاب الجماعات المتشددة ينتمي أغلبها إلى تنظيم القاعدة أو للإخوان المسلمين، وتلقت هذه الجماعات دعماً من دول عديدة مثل قطر وتركيا ما مكّنها من تكوين ميليشيات مسلحة وفرض إرادتها على الأرض بقوة السلاح، ساهمت بشكل أو بآخر في تعثر المسار الديمقراطي في ليبيا، مثل ميليشيا فجر ليبيا في طرابلس وأنصار الشريعة في بنغازي التي بايعت تنظيم داعش.
المعلوم أن ميليشيا فجر ليبيا منحازة إلى التنظيمات الجهادية المتشددة، وتسعى إلى فرض سيطرتها على مؤسسات الدولة، وعلى عدد من المنشآت الحيوية، حيث صدّت القوات الحكومية هجوماً مباغتاً شنته ميليشيا فجر ليبيا للاستيلاء على ما يعرف بمنطقة الهلال النفطي أغنى مناطق البلاد بالنفط، بحسب ما أفاد مسؤولون عسكريون. ناهيك بمشاركتها في المعارك العبثية ضد الجيش الوطني الليبي المناهض للإرهاب والتطرف.
تتوزع القوى المتنافسة في ليبيا بين تنظيمات سياسية ومجموعات مسلحة عديدة تتفاوت في توجهاتها الأيديولوجية، ومواقفها الفكرية، وقدراتها العسكرية. وتعد الكتائب والميليشيات المسلحة هي التي تملك القوة العسكرية والسياسية في البلاد، وتضم العديد من التنظيمات أهمها الجماعات الجهادية المسلحة التي ترفض المنظور الوطني للدولة الليبية، وترفع شعارات تطبيق الشريعة، ورغم أن الجماعات الجهادية أدّت دوراً ملموساً في القتال ضد نظام القذافي، فإنها مثلّت في مرحلة ما بعد سقوطه عائقاً أمام عملية بناء الدولة.
تعد «الجماعة الليبية المقاتلة» أحد أبرز الجماعات الجهادية المنخرطة في العمل السياسي، وأحد التنظيمات المسلحة التي تحمل فكر السلفية الجهادية. بالرغم أن عبد الحكيم بلحاج وهو أكثر الشخصيات النافذة من الجماعة قال إنه تم حلها، وليس لها وجود على الأرض، على أساس أن أعضاءها انضووا تحت لواء «الحركة الإسلامية للتغيير»، وأنه يؤيد دولة مدنية ديمقراطية.
أما الجماعات الجهادية المسلحة الرافضة للانخراط في العمل السياسي برغم أنها شاركت في القتال ضد قوات القذافي، وهي جماعات ترفض المنظور الوطني للدولة الليبية، وتكفِّر المجتمع، وتسعى إلى تطبيق الشريعة بقوة السلاح، مستفيدة من بيئة إقليمية تصاعد فيها دور التيارات الجهادية، لا سيَّما مصر وتونس، ناهيك بضعف الدولة الليبية وعدم قدرتها على نزع أسلحة الميليشيات، بسبب التأخر في بناء المؤسستين الأمنية والعسكرية، ورفض بعض الثوار المسلحين الانضمام إليها خوفاً من تهميشهم في معادلة الثورة والسلطة المتنازع عليها.
تحمل تلك الجماعات في مضمونها فكر تنظيم القاعدة، خاصة على صعيد التقارب الأيديولوجي، ومن أبرزها جماعة أنصار الشريعة، وكتيبة شهداء بوسليم، وألوية الشهيد عمر عبد الرحمن، وجماعات التوحيد والجهاد. وقد سعت تلك الجماعات إلى فرض الشريعة بالقوة في بعض المناطق كدرنة خصوصاً.
كما أنها متهمة بالضلوع في اغتيال رموز نظام القذافي والهجوم على المصالح الغربية، خاصة الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي، وتدريب المتطوعين الذاهبين إلى سورية، والتنسيق مع بعض الجماعات الجهادية في الإقليم، ولا سيَّما تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي.
ويعد محمد الزهاوي، وهو أحد أبرز عناصر جماعات العنف الليبية، مسؤولاً عن تنظيم «أنصار الشريعة» في بنغازي، وتنامى دوره في الساحة الليبية، خلال ثورة السابع عشر من شباط/فبراير وبعدها.
وبدا ذلك جلياً عندما هدد الزهاوي، باستدعاء من سماهم «أهل التوحيد» من كل أنحاء الأرض لمواجهة حفتر، خصوصاً بعد أن أطلق ما سماه «عملية الكرامة» في شرق ليبيا في أيار/مايو 2014، لمواجهة التطرف والإرهاب، ويضم أنصار الشريعة في صفوفه بجانب الليبيين، مقاتلين من جنسيات عربية أخرى، خصوصاً تونس والجزائر.
سياسياً، يرفض الزهاوي الديمقراطية، ويقطع بأنها تخالف الشريعة الإسلامية، وينظر إلى المشاركين في الانتخابات على أنهم معادون للإسلام، ناهيك بالهجوم على التيارات السياسية غير الإسلامية، وبخاصة الليبرالية التي يساويها بالعلمانية التي هي مرادفة للكفر لديه. وبالتالي يرى أن المسار السياسي بعد الثورة الليبية مجرد صنيعة غربية لإبعاد البلاد عن الإسلام.
جدير بالذكر أن الزهاوي دعا إلى إقامة دولة إسلامية في شرق ليبيا، حيث يرى أن مسألة تحكيم شرع الله تمثل منطلقاً أساسياً لجماعة المسلمين، وأن تطبيقها يعد حداً فاصلاً بين دارَي الكفر والإيمان، وبالتالي يربط بين تطبيق الدولة الليبية للشريعة الإسلامية، وتخلي تنظيمه عن السلاح.
إن نجاح المسار الديمقراطي في ليبيا يتوقف على نبذ الجماعات المتشددة للعنف والإرهاب وإلقاء السلاح، والانخراط في العمل السياسي والمساهمة في الحفاظ على أمن المدن من منطلق أنهم ليبيون يمكن أن تتحول طاقاتهم إلى عمل نافع يسهم في تعزيز أمن البلاد وتطورها.
…
يتبع
***
محمد عبدالحفيظ الشيخ – عميد كلية القانون، جامعة الجفرة ـــ ليبيا
_____________
مركز دراسات الوحدة العربية