يوسف لطفي
لازالت طرق تمويل التيار مجهولة إلا أن الحديث غير الرسمي في الشارع يشير للمملكة العربية السعودية لارتباط التيار بشيوخ المملكة ولما عرف عن رعاية الدولة السعودية للتيار داخل حدودها وخارجها ، كما أن الميزانيات التي تمنحها الدولة الليبية لهذه التشكيلات لا تتطابق مع حجم التسليح ونوعيته إذ أن قوة الردع تمتلك معدات وتقنيات حديثة لا تملكها كتائب كثيرة في المنطقة الغربية.
كما أن مشاريع مثل الإذاعات المسموعة المتواجدة في كل مدن ليبيا تقريبا والمدارس الخاصة المنتشرة في طرابلس وغيرها من النشاطات التي تحتاج تمويلًا ضخمًا ، كل هذه النشاطات لا تفسرها التبرعات أو دعم رجال الأعمال المرتبطين بالتيار كعبد الحكيم المصري وغيره.
الثامن عشر: اللاعبون الإقليميون والدوليون في ليبيا
منذ عام 2011 والبلاد تقع تحت وطأة التدخل الخارجي الذي كان العامل الأهم في عملية الاستقطاب وإبقاء الصراع حيا بين الأطراف المتنازعة. فلعبت قطر دورا في دعم الثوار والإسلاميين عبر شخصيات إسلامية كعضو جماعة الإخوان علي الصلابي وشقيقه إسماعيل وأمير الجماعة الإسلامية المقاتلة سابقا عبد الحكيم بلحاج، وعلى الطرف الآخر قدمت الإمارات الدعم لتحالف “الثورة المضادة” عبر شخصيات بخلفيات مختلفة كالليبرالي محمود جبريل ،والعسكري خليفة حفتر، ورجل الأعمال عبد المجيد امليقطة، ورجل الأعمال والداعية الصوفي عارف النايض.
مقارنة بالدعم القطري كان الدعم الإماراتي سخيا وغير محدود . ففي حين شهد الدعم القطري تراجعا بعد 2016، شهد الدعم الإماراتي تصعيدا كبيرا تُوِّجَ ببناء قاعدة “الخادم” العسكرية شرق ليبيا واستيراد طائرات أمريكية وجلب مرتزقة طياريين عبر المتعاقد الأمني الشهير “ايرك برنس” كما زودت حفتر بطائرات بدون طيار صينية.
واستمر الدعم الإماراتي لعمليات حفتر العسكرية حتى تاريخ هجومه على طرابلس، ومع انطلاق عملية الحوار التي رعتها الأمم المتحدة شهد التدخل الإماراتي تطورا حيث نجحت الإمارات في التأثير على نتائج الاتفاق السياسي عبر استقطاب السياسيين والمسؤولين بوسائل مختلفة ولم تقتصر عمليات الاستقطاب وشراء الذمم على الأطراف المحلية وإنما طالت مسؤولين وموظفين دوليين أبرزهم كان مبعوث الأمم المتحدة برناردينو ليون كما ذكرنا سابقا.
وقد بلغ عدد المنصات الإعلامية الممولة من الإمارات 6 منصات، وهيك
ـ ليبيا روحها الوطن التي يديرها العارف النايض
ـ فضائية 218 التي تديرها الإعلامية النسوية هدى السراري وزوجها مجاهد البوسيفي
ـ بوابة أفريقيا الإخبارية التي يديرها عبد الباسط بن هامل
ـ ليبيا الحدث التي يديرها محمود حسان
ـ ليبيا 24 الموالية للنظام السابق والتي يديرها عبد السلام المشري
مع تصاعد المعركة في بنغازي برز الدور الفرنسي في دعم حفتر، وقد نشر مركز ستارتفور صورًا بالأقمار الصناعية تشير لوجود غرف عمليات في قاعدة بنينا يديرها عسكريون أجانب يُعتقد أنهم فرنسيون، كما سرب موقع “ميدل إيست آي” محادثات لاسلكية بين عسكريين أجانب في قاعدة بنينا مع طائرة تتجهز للهبوط فيها.
كان لوزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان –وزير الدفاع آنذاك– دورا مهما في تكثيف الدعم لحفتر فقد تحدثت عدة مواقع فرنسية إخبارية وأمنية (موند أفريك وانتيلجنس أونلاين) عن تحمس الوزير لدعم حفتر وأنه هو مهندس استراتيجية الدعم.
ويبدو أن علاقة لودريان الشخصية بكل من محمد بن زايد وعبد الفتاح السيسي قد لعبت دورًا مهما في تعزيز الحضور الفرنسي. فالوزير كان يتردد بشكل شبه شهري على دولة الإمارات منذ 2012 وعُرف عنه قربه من الاثنين.
قطعت الشكوك حول طبيعة الدعم الفرنسي في 20 يوليو 2016 عندما أسقط ثوار بنغازي طائرة مروحية على متنها ثلاثة عسكريين فرنسيين، وقد نعاهم كل من الرئيس الفرنسي هولاند ووزير الدفاع لودريان في اليوم التالي وبرروا ذلك بأن هؤلاء العسكريين كانوا يقومون بمهام لمكافحة الإرهاب.
إلا أن هجوم حفتر على طرابلس كشف أن الدور الفرنسي يتعدى ما يسمى ب”مكافحة الإرهاب”، فقد برزت معلومات حول تواجد عسكريين فرنسيين وأسلحة فرنسية في غريان، وقد تأكدت المعلومات بعد دخول قوات الوفاق لمدينة غريان وأسر قياديين في قوات حفتر والكشف عن هروب 13 عسكريًّا فرنسيا من المدينة ووصلوهم للحدود التونسية.
وقد نفت فرنسا كون هؤلاء العسكريين داعمين لحفتر وأكدت أنهم فريقٌ أمني كان يحمي السفارة الفرنسية.
بالإضافة للدعم الإماراتي\المصري\الفرنسي حظى حفتر بدعم روسيا التي تبحث عن:
1-موطئ قدم لها جنوب المتوسط.
2-تأمين مصالحها الاقتصادية المعلقة منذ سقوط نظام القذافي.
3-مزاحمة وتهميش الدور الأوروبي في المشهد الليبي .
4-الحصول على أوراق ضغط على الخصوم الأوروبيين، بينما يبحث حفتر في تحالفه مع روسيا عن حليف يخفف من ضغوط فرنسا والحلفاء الإقليميين.
ورغم دعمها لحفتر تحافظ روسيا على علاقاتها مع الطرف الآخر من الصراع. ويبدو أنها تسعى لابتزازه بدعمها المتزايد لحفتر حيث يشهد الدعم الروسي تصاعدا منذ 2016 فبعد أن كان مقتصرا على الدعم اللوجستي والفني أصبح اليوم يشمل تزويد حفتر بالمرتزقة والتخطيط للعمليات العسكرية على تخوم طرابلس.
ويقدر عدد المقاتلين التابعين لشركة “فاغنر” ما بين 800-1400 قتيلٍ حسب تقريرٍ لوزارة الدفاع الأمريكية في 9-2019 بينما صرح الرئيس التركي أن عدد المقاتلين الروس بلغ 2500 مقاتلٍ، في حين أن التقديرات الميدانية بناءً على حجم الانتشار وعدد الآليات المستجلبة لصالحهم تشير لوجود ما لا يقل عن 3000 مقاتل.
بالإضافة للدعم اللوجستي والعسكري قدمت روسيا دعمًا من نوع آخر لحفتر بتوفير حلٍّ لأزمة السيولة التي واجهته فطبعت له مؤسسة غوزناك –المؤسسة الرسمية لسك العملة التابعة للكريملين– إجمالي 15.4 مليار دينار ليبي =11 مليار دولار، سلمت للمصرف المركزي الموازي في الشرق، وهو الأمر الذي فاقم من الأزمة الاقتصادية في ليبيا وأضعف قيمة الدينار الليبي أمام الدولار .
كما تحدث تقرير لمؤسسة “دوسير”أن شركة فاغنر مسؤولة عن إصدار صحيفة “صوت الشعب” التي تروج لحفتر بقوة، كما أن الشركة قدمت توصيات لقناة “ليبيا الحدث” المملوكة لابن حفتر “صدام”.
وعلى الرغم من الدعم المكثف لحفتر، لكن لا يبدو أن خيارات روسيا تقتصر عليه، فالتقرير يذكر أن الشركة تعمل على الترويج لسيف القذافي عبر مجموعة من القنوات الليبية التي تملك فيها حصة تقدر ب 50%، كما ذكر تقرير لصحيفة بلومبيرغ أن الشركة أجرت لقاءً مع سيف القذافي حضرها مستشار انتخابات روسي وقد صرح وزير داخلية حكومة الوفاق أن الدور الروسي يسعى لتعزيز نفوذ النظام السابق وإعادة السلطة له.
ويبدو أن علاقة روسيا بحفتر تخضع للتوظيف بالدرجة الأولى حيث يحاول حفتر توظيف الدعم الروسي لموازنة أدوار حلفائه وداعميه وللحصول على دعم عسكري لا يستطيع بقية الداعمين توفيره، بينما تحاول روسيا الاستفادة من احتياج حفتر لمقاتلين محترفين لفرض نفسها في المشهد الليبي على حساب غيرها من الداعمين وقد أكد تقرير للنيويورك تايمز بعنوان “البيت الأبيض بارك حربا في ليبيا فازت بها روسيا ” صحة هذا بالكشف عن وثائق روسية تحصلت عليها الوفاق بعد القبض على اثنين من العملاء الروس في طرابلس جاء فيها أن روسيا تسعى لاكتساب هيمنة على حفتر عبر تعزيز دور مرتزقة فاغنر وعبر إيجاد عميل وفي وقوي داخل معسكره يمكن أن ينافسه.
وهذا يوضح أن أهداف الطرفين متباينة مما يفتح المجال لفرضية إمكانية تخلي روسيا عن حفتر إذا ما نجحت في الوصول لتفاهم مع تركيا والوفاق.
وعلى عكس الدور الإماراتي\الفرنسي\المصري الذي لم يشكل مصدرَ قلقٍ لأي من الأطراف الدولية التي تعلن دعمها للوفاق.
برز الدور الروسي المتنامي كمصدر قلق لكل من بريطانيا وأمريكا، فحذرت منه بريطانيا على لسان كل من جهاز المخابرات ووزير الدفاع مالكون فالون منذ عام2017.
وقدمت بريطانيا مشروعًا في مجلس الأمن في فبراير 2019 يطالب بسحب المرتزقة الروس من ليبيا، واتهمت قيادة الأفريكوم روسيا بالسعي للوصول للنفط الليبي وتنشيط مبيعات الأسلحة، كما أرسلت واشنطن وفدًا دبلوماسيا التقى بحفتر في نوفمبر 2019 وحثه على إيقاف الهجوم على العاصمة وحذره من استغلال روسيا للفوضى في ليبيا لتعزيز نفوذها. وهو ما قد يعني أن الولايات المتحدة لن تتغاضى عن الدور الروسي المتمدد كما فعلت مع بقية داعمي حفتر.
…
يتبع
________________