يوسف لطفي
السابع عشر : مكونات المشهد الليبي
مر المشهدان السياسي والعسكري بتغيرات كثيرة منذ 2011، فبرزت أطرافٌ جديدة كقوى فاعلة على حسابِ أخرى.
فكتائب ثوار بنغازي التي كانت من أبرز مكونات الساحة وأكثرها تأثيرا لم يعد لها حضور بارز أو تأثير لحساب قوات حفتر، وقوات إبراهيم الجضران التي كانت تهيمن على منطقة الهلال النفطي ومنعت تصدير النفط لأعوام أصبحت من الماضي بعد هيمنة حفتر على التيار الفدرالي،
وبعد أن كان لكتائب الزنتان الحضور الأقوي في طرابلس –بعد مصراتة– أصبحت اليوم على الهامش في المشهد العسكري لحساب مصراتة وكتائب طرابلس،
كما خضعت قوى الجنوب لتغيرات كبيرة بعد استقطاب حفتر لقبائل دون أخرى فتقلص نفوذ التبو لحساب الزوية في الكفرة ولصالح أولاد سليمان والمقارحة في فزان.
أما على الصعيد السياسي فقد تلاشى دور كل التيارات السياسية الموالية لعملية الكرامة لصالح رؤية حفتر السياسية، وفي الجهة المقابلة تضاءل دور تيار تحالف فجر ليبيا لصالح تيار الوفاق. وقد يشهد هذا تغيرا في الفترة القادمة نتيجة لظروف الحرب.
في ظل هذه التغيرات حافظت بعض التيارات الفكرية والسياسية على حضورها في المشهدين السياسي والأمني حتى اليوم عبر وسائل عدة كالمال والعلاقات السياسية، أو القوة العسكرية أو الدعم الدولي – الاقليمي أو عبر عقد التحالفات المحلية، أبرزها :
-
التيار الثوري في مصراتة وبعض مدن الغرب رغم تعرض جزءٍ كبيرٍ منه للإبعاد بعد اتفاق الصخيرات السياسي إلا أنه لازال المكون الأقوى،
-
التيار المدخلي (مع طرفي النزاع) والذي قد يتعرض تواجده في معسكر الوفاق لتقليص بعد حملة حفتر الأخيرة،
-
الإخوان المسلمون رغم انخفاض شعبيتهم إلا أن حضورهم السياسي في معسكر الوفاق قوي،
-
وخليفة حفتر الذي يحظى بدعم دولي–إقليمي لا تحظى به أي من الأطراف الأخرى.
ويمكن القول إن هذه الأطراف هي الأبرز والأكثر حضورا في المشهد الحالي، لكنها لا تحتكر المشهد بشكل كامل فهناك مجموعة من مؤيدي ومسؤولي النظام السابق عادت للمشهد السياسي بعد اتفاق الصخيرات وتتولى مناصب هامة في الطرفين.
فمع الوفاق هناك:
-
وزير الخارجية محمد سيالة –مسؤول الخارجية سابقا–
-
وحافظ قدور مندوب الاتحاد الأوروبي –سفير ليبيا في روما سابقا–
-
وجمعة إبراهيم مندوب الاتحاد الأفريقي –وزير الشؤون الأفريقية سابقا–
-
وأحمد حمزة عضو المجلس الرئاسي –عضو لجان ثورية سابقا–،
-
وعبد القادر التهامي مدير المخابرات العامة –مدير مكتب الأمن الخارجي في سبها (توفي مؤخرا في مايو 2020)،
-
وحامد الحضيري مبعوث السراج الشخصي لفرنسا –سفير سابق في فرنسا وبلجيكا وعدة دول بغرب أفريقيا– والقائمة تطول،
أما على الطرف الآخر فيبدو أن حفتر لا يثق إلا في مسؤولي وضباط النظام السابق فجميع القادة العسكريين تقريبا من ضباط النظام، كـ :
-
عبد السلام الحاسي آمر غرفة عمليات تحرير طرابلس،
-
المبروك سحبان آمر القوات البرية،
-
حسن معتوق الزدامة آمر كتيبة 128،
-
توفيق القماطي آمر كتيبة طارق بن زياد،
-
محمد بن نايل آمر اللواء 12،
-
مسعود جدي آمر كتيبة 166،
-
بلقاسم الأبعج آمر المنطقة العسكرية الجنوبية.
وعلى صعيد المناصب الحكومية:
يتولى إبراهيم بوشناف منصب وزير الداخلية –رئيس محكمة الشعب ومحكمة أمن الدولة سابقا–
ويتولى عبد الهادي الحويج –أحد المقربين من سيف القذافي– منصب وزير الخارجية ،
ويتولى منصب المدعي العسكري العام اللواء فرج الصوصاع .
ورغم أن هذه الشخصيات المتواجدة على ضفتي النزاع محسوبة على النظام السابق إلا أنها لا تشكل تيارا متسقا وموحدا.
ويطغى عليها البحث عن المصلحة الفردية والحرص على العودة للسلطة. ويمكن القول إن هذا التيار يتم “توظيفه”من قبل الأطراف المتنازعة للاستفادة من “خبراتهم” وعلاقاتهم الخارجية والداخلية.
مثلما يتقلد عناصر النظام السابق مناصبا أساسية ومهمة على الطرفين، يقوم التيار المدخلي بدور مشابه لكن بعيدا عن السياسية، فتواجده يقتصر على الجانبين الأمني والعسكري بالإضافة لهيمنته على المؤسسات والهيئات الدينية والمساجد وامتلاكه لعشرات – 28 إذاعة– الإذاعات المسموعة عبر البلاد.
وبالتالي يمكن القول إن التيار ركز نشاطه وحركته الدعوية على المحيط الاجتماعي والتشكيلات المسلحة.
لعب التيار دورا مهما في التقريب بين معسكري الكرامة والوفاق، فالتشكيلات المسلحة والشخصيات الدعوية البارزة فيه توالي بعضها عبر البلاد رغم تبعيتها لسلطتين متصارعتين.
وعلى الرغم من تواجده على الطرفين إلا أن تمثيل التيار في معسكر الكرامة أقوى وأبرز من نظيره في الوفاق. فحفتر يعتمد على ولاء السلفية المدخلية له بشكل كبير حيث أوكل لهم وزارة أوقاف حكومة الثني والمؤسسات الدينية والمساجد في الشرق والجنوب الليبي، ويعتمد عليهم في إدارة معتقلات التعذيب وأبرز الأمثلة على هذا:
معتقل قرنادة الموكل إدارته للتيار السلفي المدخلي بقيادة منير الحاسي قبل أن يتم اعتقاله في يوليو 2019 على يد مدير مكتب حفتر وابن عمه عون الفرجاني – أقرب الشخصيات له– كما أن قواته العسكرية مليئة بعناصر التيار وبعد أن كانت لهم كتيبة واحدة في بداية القتال في 2014 صار لهم تواجد في معظم الكتائب (210،302 ،106، العاديات، القوات البحرية، وغيرها من الكتائب والتشكيلات) فيما يبدو أنها سياسةٌ أمنية تهدف لترسيخ هيمنته على خليط التشكيلات المسلحة المختلفة التوجهات والأهداف.
وقد لعب عناصر التيار دورا كبيرا في تمهيد الطريق لحفتر وبسط هيمنته على المدن الغربية كالزنتان وصرمان وصبراته وغيرها إذ أن معدلات قبول حفتر في هذه المناطق منخفضة مقارنة بمدن الشرق والمدن الموالية للنظام السابق.
ولم يقتصر تكليف التيار على الترويج لحفتر والقتال معه وإدارة المعتقلات، بل وصل لحد تنفيذ اغتيالات وعمليات تصفية كما صرَّح بذلك فرج قعيم وكيل وزارة داخلية حكومة الوفاق وقائد سابق في قوات الكرامة، وقد اعتقل قعيم آمر قوة سلوق “قجة الفاخري” بعد أن أثبت تورطه في تصفية 38 مدنيًّا فيما عُرف بمجزرة الأبيار.
إلا أن حفتر أمر باقتحام السجن وإخراجه واعتقال فرج قعيم فاقتحمت كتيبة 106 التابعة لابن حفتر قرية برسس وتمكنت من القبض على قعيم وإيداعه السجن، وقد برزت أسماء متهمة بتنفيذ عمليات اغتيال أخرى لصالح حفتر كأحمد الحاسي.
يقابل هذا الحضور القوي للتيار المدخلي في صفوف حفتر، حضور أكثر تواضعًا في صفوف الوفاق بطبيعة تعدد وتنوع مكونات الوفاق وهيمنة فئات أخرى على القرار السياسي والعسكري.
لكن هذا لا يعني أبدا أن دور التيار هامشي فهو يسيطر على غالبية مساجد طرابلس والمنطقة الغربية ويسيطر على 80% تقريبا من مكاتب الأوقاف ويمتلك في طرابلس وحدها 4 إذاعات من أصل 9 في المنطقة الغربية وله مدارس خاصة في طرابلس في منطقة الهضبة والهاني وأبوسليم.
كما أن له تشكيلات عسكرية خاصة به ك (سرية باب تاجوراء و604 وقوة الردع الخاصة) ويتمتع بحضور قوي في التشكيلات الأخرى ككتيبة اليرموك والنواصي وغيرها.
وقد شهد نفوذ التيار تصاعدا كبيرا بعد دخول حكومة الوفاق وترسيخها لسلطتها في العاصمة إذ اعتمدت السلطة على قوة الردع في محاربة الجريمة وأوكلت لها ملف “مكافحة الإرهاب” مما أعطاها صلاحيات واسعة وسمح بتمدد نفوذها.
وفي مايو 2018 أصدر السراج قرارا بتحويل قوة الردع إلى جهاز الردع لمكافحة الجريمة والإرهاب، مما حررها من قيود وزارة الداخلية عليها، وأعطاها صلاحيات أوسع مثل:
1-مراقبة الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي.
2- منح أعضاء الجهاز صفة “مأموري الضبط القضائي”.
3- تخصيصها للأموال والأملاك المصادرة كمصدر لتمويل الجهاز.
4- التعاون الأمني مع الجهات الدولية والإقليمية.
5- تقديم الملاحظات حول القوانين والأنظمة والاتفاقات الأمنية ومراقبة وسائل الإعلام وجمع المعلومات.
مع تمدد نفوذ التيار تصاعدت عدائيته ضد التوجهات الإسلامية الأخرى وعلى رأسها تيار دار الإفتاء والمفتي الشيخ الصادق الغرياني وثوار الشرق المهجرين.
وبدأت حملة اعتقالات في طرابلس وفي بعض الأحيان مصراتة طالت المئات في ظل صمت حكومة الوفاق ومسؤوليها ويقدر عدد المعتقلين في سجون قوة الردع ب2600 سجينا منهم 400 تقريبا من منتسبي تنظيم الدولة.
لم تقتصر انتهاكات التيار على الاعتقال والاختطاف والتعذيب بل بلغت حد التصفية الجسدية كما في حادثة اختطاف الشيخ نادر العمراني الأمين العام لهيئة علماء ليبيا وعضو رابطة علماء العالم الإسلامي، فالشيخ تم اختطافه على يد مجموعة من المداخلة منهم آمر التسليح لقوة الردع الضاوي انزام وابن أخته خالد البوتي و عبد الحكيم مقيدش آمر قوة مكافحة الجريمة بمنطقة السبيعة، والأزهري فانان آمر سرية باب تاجوراء، وأحمد الصافي تلميذ المصري محمد سعيد رسلان، والذي أقر باستجلاب فتوى من الخارج لاغتيال عدد من الدعاة والعلماء والإسلاميين –كما جاء في اعترافات هيثم الزنتاني وهو أحد المشاركين في الجريمة.
رغم تبعية جزء من التيار المدخلي بالمنطقة الغربية لحكومة الوفاق إلا أن الميول السياسية له ظلت غامضة ولم تعلن تشكيلاته والشخصيات البارزة فيه عن موقف واضح من حفتر بل كان لبعض الشخصيات البارزة في التيار تواصل مع ممثلي حفتر.
وبعد هجوم قوات حفتر على العاصمة في 4 إبريل أظهرت بعض التشكيلات ككتيبة 604 ولاءها له وانضمت لاحقا لصفوف قواته وسهلت له دخول سرت التي كانت تحت سيطرتها بينما التزمت الشخصيات البارزة في التيار الصمت لفترة طويلة ودعا البعض الآخر لحقن الدماء.
وظلت المساجد والمنابر على “حياد” في حين كانت منابر التيار على الطرف الآخر تصدح بوجوب “الجهاد” مع حفتر ضد “الإخوان والخوارج”، أما جهاز الردع فأعلن عن مشاركته، في القتال بعد أكثر من شهرين من الهجوم على العاصمة إلا أن أفرادا منه شاركوا قبل هذا بحكم تعدد مكوناته فالجهاز ليس مكونًا من التيار “المدخلي” فقط بل يضم ثوار سابقين وشباب من سوق الجمعة –منطقة عبد الرؤوف كارة قائد الجهاز– وهي منطقة تتعرض للقصف باستمرار من قبل قوات حفتر منذ بداية القتال، كما أنه يضم عناصر من الأمن الداخلي والخارجي التابع للنظام السابق.
…
يتبع
________________