يوسف لطفي
الثالث عشر : تشكيل حكومة الوفاق والتنكيل بالمعارضين لها
تبع دخول المجلس الرئاسي وتشكيل حكومة الوفاق تغيرات في خارطة النفوذ على الصعيد السياسي والأمني فانحسر نفوذ كتائب مصراتة في العاصمة بينما تمددت كتائب طرابلس الموالية للوفاق على الأرض وفي أروقة السلطة مثل:
-
كتيبة ثوار طرابلس بقيادة هيثم التاجوري،
-
وقوة الردع بقيادة عبد الرؤوف كاره،
-
والنواصي بقيادة عبد اللطيف ومصطفى قدور،
-
والأمن المركزي أبو سليم بقيادة غنيوة الككلي،.
وشهدت طرابلس خلال عامي 2016-2017 إعادة هيكلة للمؤسسات السياسية والاقتصادية ومعارك عسكرية متفرقة بغرض اجتثاث القوى المعارضة لاتفاق الصخيرات والمجلس الرئاسي،كان من أبرزها :
-
مهاجمة واقتحام سجن الهضبة الذي كان تحت سيطرة جهاز الحرس الوطني بإمرة خالد الشريف –عضو الجماعة الإسلامية المقاتلة سابقا– والذي كان يقبع فيه ابن القذافي الساعدي وعبدالله السنوسي ذراع القذافي اليمنى ورئيس جهاز الأمن الخارجي.
-
مهاجمة كتيبة الإحسان بقيادة طارق درمان –عضو الجماعة الإسلامية المقاتلة سابقا– في غابة النصر بالقرب من مقر المؤتمر الوطني.
-
مهاجمة مقر كتيبة صلاح البركي في منطقة أبوسليم.
-
مهاجمة مقر المؤتمر الوطني لإحلال المجلس الأعلى للدولة محله.
كما شهدت العاصمة أعمال عنف وانتهاكات على يد القوى الموالية للوفاق من أبرزها:
-
الاعتداء على منزل خالد الشريف وهدمه،
-
حرق منزل القيادي صلاح البركي،
-
اختطاف وكيل وزارة الأوقاف بحكومة الإنقاذ طارق الداقل،
-
والاعتداء على منزل عبد الوهاب القايد عضو المؤتمر الوطني –عضو الجماعة الإسلامية المقاتلة سابقا–،
-
والرماية على دار الإفتاء،
-
مهاجمة كتيبة هيثم التاجوري لمقر قناة النبأ الموالية للتيار الثوري والمملوكة لعبد الحكيم بلحاج –أمير الجماعة الإسلامية المقاتلة سابقا،
-
واختطاف وتصفية الأمين العام لهيئة علماء ليبيا ونائب رئيس لجنة مراجعة التشريعات وتعديلها بما يوافق أحكام الشريعة الإسلامية الشيخ نادر العمراني
. كما شهدت تلك الفترة حملة اعتقالات لثوار من بنغازي ودرنة.
وأصبح مجرد الانتماء للتيار الإسلامي الرافض لاتفاق الصخيرات يمثل خطرا على صاحبه مما دفع الكثير من الشخصيات البارزة والمسؤولين لترك البلاد خوفا من التصفية أو الاعتقال.
وباختصار شهدت تلك المرحلة تحولا في بوصلة الولاء والعداء فتحول حفتر من عدو لشريك سياسي وتحول التيار الإسلامي الثوري من شريك سياسي لعدو، وبدأت عمليات تصفية سياسية وعسكرية استهدفت التيار.
الرابع عشر: خصوصية الجبهة الشرقية
اختلف المناخ العام في الجبهة الشرقية تماما فلم يكن هناك حديث عن هدن أو حوار ولم يكن هناك أي اختلافات حول طريقة حسم الصراع مع معسكر الثورة المضادة، فالجميع كان يؤمن بأن الحل يكمن في الحسم العسكري.
ولم يمنع هذا كل من مجلس شورى ثوار بنغازي ودرنة من إجراء محادثات مع بعض القوى القبلية بهدف تحييدهم عن الصراع الدائر لكن لم تتوج أي من تلك المحاولات بالنجاح.
لقد كان للجبهة الشرقية خصوصيتها بسبب التواجد الجهادي في كل من بنغازي ودرنة وأجدابيا وظهور تنظيم الدولة كحليف لمجلس شورى ثوار بنغازي في معركته ضد قوات عملية الكرامة. وشكلت هذه العوامل حاجزا بين القوى الثورية في غرب البلاد وشرقها.
فالتواجد الجهادي القوي جعل من وضع المعركة تحت بند محاربة الإرهاب أمرًا متفقًا عليه بين الأطراف الدولية والإقليمية مما جعل الارتباط بدعم الجبهة الشرقية مثلبة سياسية، لكن هذا لم يمنع أعضاءً من المؤتمر والحكومة وتيار دار الإفتاء والمفتي في الاستمرار في توجيه الدعم للثوار.
لقد كان دعم الجبهة الشرقية إحدى النقاط المفصلية في تحديد الموقف الغربي من الأطراف السياسية. وقد تلقف معظم الساسة هذه الفكرة من السفارات الغربية وبعثة الأمم المتحدة في مرحلة مبكرة فآثروا النأي بأنفسهم عن هذه المثلبة في سيرتهم.
رغم استمرار تدفق الدعم اللوجستي من مصراتة والمنطقة الغربية إلا أن انحسار نفوذ التيار الثوري في الغرب وإبعاده عن العملية السياسية انعكس سلبا على الجبهة الشرقية التي لم تكن جزءا من عملية الحوار الجاري فالعمليات العسكرية فيها لم تتوقف أثناء الهدن والمفاوضات أو حتى بعد توقيع الاتفاق السياسي.
كما أن الجرائم والانتهاكات التي تبعت أحداث 15 أكتوبر 2014 لم يلقَ عليها الضوء، ولم تدخل في الحسابات السياسية وفي ظل هذه الظروف انعزلت الجبهة الشرقية عن الأحداث في غرب البلاد تدريجيا، وبدخول المجلس الرئاسي لطرابلس وتوليه السلطة أصبح مجرد إبداء الولاء لثوار بنغازي ودرنة في طرابلس مستهجَنًا بل قد يصل بك لسجون قوة الردع، وبدا الاتفاق السياسي الذي قيل أنه أفشل انقلاب حفتر وأخرجه من المشهد بجرة قلم كأنه عاد بنتائجَ عكسيةٍ فعزَّز من شرعية الانقلاب ورسخ دور حفتر في العملية السياسية.
الخامس عشر: تمدد التدخل الأجنبي بالبلاد
صاحب تمدد نفوذ المجلس الرئاسي في طرابلس وتغلغل كتائبها في مفاصل الدولة، تمدد التدخل الأجنبي شرق البلاد دعمًا لحفتر في ظل صمت دولي ومحلي، فكُشف في أكتوبر 2016 عن إنشاء الإمارات قاعدة “الخادم” الجوية التي انطلقت منها طائرات الوينج لوونج الصينية والإيرتراكتور الأمريكية –التي قادها مرتزقة وفّرهم ايرك برنس حسب تقرير مجلة انتيلجنس أونلاين– لتوفير غطاء جوي لقوات الكرامة في معركتي بنغازي ودرنة.
وكشف مركز ستارتفور عن وجود غرفة عمليات فرنسية في قاعدة بنينا الجوية وتواجد 180 عسكريا فرنسيا في بنغازي لدعم قوات حفتر، ومع اشتداد المعركة واستعصاء قوات مجلس شورى ثوار بنغازي، استعان حفتر بخبراء وفنيين روس من شركة (أر إس بي) لإزالة الألغام. وبدأ تدفق قوات مرتزقة من السودان وتشاد.
مع توسع نطاق التدخل الأجنبي وتزايد الأطراف الإقليمية والدولية الداعمة لحفتر تعقد المشهد السياسي والأمني . لكن هذ التعقيد لم يؤثر على النبرة التوافقية لحكومة الوفاق فتغاضت عن قضية التدخل الأجنبي ولم تبدِ ردة فعل ترتقي لخطورة هذا التطور.
ومع تصاعد القتال في الشرق وخموده في الغرب برز تنظيم الدولة كقوة نامية في كل من بنغازي ودرنة وسرت وصبراته، وبدأ بشن عمليات ضد جميع الأطراف فشنت مجموعة سرت هجمات على كتيبة 166 التابعة لمصراتة في 11 مايو 2015.
ثم هاجمت قوات حرس المنشآت في ميناء السدرة في 28 سبتمبر 2015 وتصاعدت عمليات التنظيم التي ركزت غالبا على قوات مصراتة حتى بلغت ذروتها بمهاجمة قوات المجلس العسكري لمصراتة في بوابة السدادة بتاريخ 5 مايو 2015، مما دفع قوات مصراتة مصحوبة بقوات من المنطقة الغربية لإطلاق عملية البنيان المرصوص في إبريل 2016 للقضاء على التنظيم في سرت والتي شهدت تدخلًا أمريكيًّا جويا في نصفها الثاني في أغسطس 2016 وانتهت في ديسمبر 2016.
صاحب انطلاق عملية البنيان المرصوص إعلان ائتلاف من ثوار بنغازي ودرنة وأجدابيا عن تشكيل سرايا الدفاع عن بنغازي في مايو 2016 بهدف دعم مجلس شورى ثوار بنغازي في حربه ضد قوات حفتر.
واتخذ الائتلاف من قاعدة الجفرة قاعدة له. وعلى عكس مجلس شورى ثوار بنغازي لم تخفِ السرايا موقفها المعادي لتنظيم الدولة، وقدمت الدعم لقوات البنيان المرصوص في معركتها في سرت في محاولة منها للتصدي للشائعات حول ثوار بنغازي ولتسجيل موقف سياسي يُحسب لهم.
شهدت تلك الفترة احتدام الخصومة بين الحليفين السابقين إبراهيم الجضران وخليفة حفتر بعد إعلان الأول اعترافه بحكومة الوفاق وانضمامه لها بعد حصوله على 42 مليون دولار منها، وهو الأمر الذي دفعه للتحالف مع سرايا الدفاع والسماح لهم بالمرور من مناطِقِه دون مواجهات، وتمكنت قوات السرايا من دحر قوات الكرامة حتى بلغت منطقة المقرون التي تبعد أقل من 70 كم عن بنغازي، كما تمكنت من إسقاط طائرة مروحية أجنبية قُتل على إثرها 3 جنود فرنسيون في 20 يوليو 2016 ، وبدا أن قوات خليفة حفتر غير قادرة على مواجهة ثوار بنغازي على جبهتين.
ورغم نجاحات السرايا العسكرية إلا أن التدخل الأجنبي حال دون بلوغها لبنغازي فقد تعرضت قواتها لقصف جوي عنيف –يُعتقد أنه مصري – راح ضحيته أكثر من 40 قتيلا وهو ما شكل ضربة قوية لقوة لم يتجاوز عدد أفرادها 200\300 تقريبا.
وتصاعدت الضربات الجوية وأجبرت سرايا الدفاع على التراجع لقواعدها التي تلقت ضربات هي الأخرى .
تراجع السرايا وسيطرة حفتر على الموانئ النفطية
تبع تراجع السرايا سيطرة قوات حفتر على الموانئ النفطية وطرد جهاز حرس المنشآت وإبراهيم الجضران من منطقة الهلال النفطي، لتعود سرايا الدفاع للسيطرة على الموانئ مرة أخرى في مارس 2017.
وقد عرضت حينها على المجلس الرئاسي استلامها إلا أن عرضها قوبل بالرفض لعدم رغبة معسكر الوفاق في الدخول في صدام مع حفتر. وقد استطاع حفتر بالاستعانة بمرتزقة من حركة العدل والمساواة استعادة السيطرة على الموانئ ثم اتجه لقاعدة الجفرة –الاستراتيجية– واستطاع السيطرة عليها ليحكم بذلك قبضته على المنطقة الوسطى والجنوبية.
والجدير بالذكر هنا هو أن تلك المعارك شهدت استعانة الطرفين بمرتزقة من السودان وتشاد فقد أثبتت التقارير نجاح سرايا الدفاع في شراء ولاءات مرتزقة جندهم حفتر واستعان بهم.
مع فشل السرايا في فك الحصار عن بنغازي ،وازدياد كثافة ضربات الطيران الأجنبي على قوات مجلس شورى ثوار بنغازي وخطوط إمداده البحرية استطاع حفتر تضييق الخناق على ثوار بنغازي وتنظيم الدولة ومحاصرتهم بمنطقة قنفودة.
وفي أوائل يناير2017 انسحب تنظيم الدولة من بنغازي نحو الجنوب بتنسيق مع القيادي بقوات حفتر “محمود الورفلي” الذي ظهر لاحقا في عدة مقاطع فيديو وهو يعدم أسرى من مجلس شورى ثوار بنغازي ويمثل بجثثهم.
وكانت هذه المرة الثانية التي يقوم فيها حفتر بتوفير “ممر آمن” لتنظيم الدولة للمنطقة الغربية والجنوبية.
في 19 مارس2017 نجح مجلس شورى ثوار بنغازي في فك الحصار جزئيا والالتحام بقواته المحاصرة شمال المدينة واستطاع الصمود لسنة أخرى عملت خلالها قواته على التسلل وإخراج المقاتلين من المنطقة بشكل فردي.
ونجحوا في إخراج معظم المقاتلين تدريجيا والتصدي لهجمات قوات حفتر حتى مارس 2018 حين أعلنت قوات حفتر سيطرتها على المدينة بشكل كامل بعد حرب استمرت لقرابة 4 سنوات.
ومع قرب انتهاء معركة بنغازي بدأ حفتر في التجهيز لشن هجوم على مدينة درنة، فبدأت المعارك بين قوات الكرامة ومجلس شورى ثوار درنة في أواخر 2017 وانتهت في يونيو 2018 بانتصار قوات الكرامة.
السادس عشر: الحرب من طرف واحد
شهد عامي 2017 و 2018 لقاءات بين السراج وحفتر في كل من أبو ظبي وباريس وباليرمو لمناقشة شروط الأخير ليقبل الانضمام للاتفاق السياسي.
وأظهر حفتر في كل من هذه اللقاءات تعنتًا حول المادة الثامنة في الاتفاق السياسي والتي تمنح الرئيس صلاحيات القائد الأعلى للجيش.
وعلى الرغم من هذا التعنت أبدى حفتر موافقته على إجراء انتخابات وبقاء السراج كرئيس للحكومة إلى حين إجرائها.
واستمرت لقاءات توحيد المؤسسة العسكرية بين اللجان العسكرية من الطرفين بإشراف مصري. وتم التفاهم على مسودة اتفاق نهائية يكون فيها حفتر قائدا عاما للجيش إلا أن المفاوضات شهدت جمودا لتخوف معسكر الوفاق من بند في المسودة نص على أن “الجيش سيخضع لإرادة الشعب” أي أنه لن يخضع لسلطة مدنية قبل الانتخابات.
لم تمنع مفاوضات اللجان العسكرية ولقاءات حفتر بالسراج من استمرار الأول في شن عمليات عسكرية تمكن من خلالها من السيطرة على الهلال النفطي وقواعد عسكرية مهمة كالجفرة وتمنهنت بدعم من حلفائه الإقليميين والدوليين الذين أيدوا الاتفاق السياسي (مصر، الإمارات، الأردن، فرنسا، روسيا).
وبينما استمرت حالة الجمود السياسي في ظل رفض برلمان طبرق لكل التشكيلات الحكومية وتمسك حفتر بشرط تولي منصب القائد الأعلى للجيش حيث استمرت قواته في التمدد على الأرض بمباركة من السراج ومسؤولين آخرين في حكومة الوفاق كفتحي باشاغا وزير الداخلية الذي بارك انتصار “الجيش” في مرزق في 20 فبراير 2019.
التقى السراج وحفتر مجددا في (أبوظبي) في 27 فبراير 2019 ليؤكدا على ضرورة إنهاء المرحلة الانتقالية وضرورة الذهاب للانتخابات. وأعلن المبعوث الأممي غسان سلامة في شهر مارس عن عقد مؤتمر جامع بين 14 و 16 إبريل 2019. وحظي المؤتمر بدعم دولي ومحلي كبير، وأعرب حفتر عن تفاؤله في ملتقى شباب مدينة بنغازي حيث صرح أن الأسابيع المقبلة ستشهد تشكيل حكومة توافقية جديدة، في حين أكد السراج في كلمته بالقمة العربية أن “عسكرة الدولة خط أحمر”.
وبدا أن الصراع الجاري يتجه لنهايته حتى جاء هجوم حفتر على طرابلس بتاريخ 4 إبريل 2019 قبل أيام من انعقاد مؤتمر غدامس المرتقب، وهو ما شكل صدمة لمسؤولي حكومة الوفاق.
…
يتبع
________________