د. زكية القعود
ـ المدارس
عرفت المدرسة بمعنى المكان المخصص للتعليم في البلاد من عهد بعيد، وكانت أول مدرسة إباضية في الجبل الغربي هي مدرسة بن يمكتن بقرية أفاطمان بالرحيبات وذلك قبل سنة 135 هـ (725م)، وكان يتعلم الطلاب فيها القراءة والكتابة ويحفظون القرآن والأحاديث النبوية.
أول مدرسة مالكية تأسست في المغرب على نمط مدارس الشرق كانت بمدينة طرابلس ما بين (655\658 هـ). وكثرت المدارس لاسيما في مدينة طرابلس، وقرى الجبل الغربي إذ ذكر التيجاني عندما زار طرابلس بأن داخل البلد مدارس كثيرة، وما زال كثير من مدارس الجبل الغربي قائمة إلى الآن.
بعض هذه المدارس أُلحق بها إقسام داخلية يأوي إليها طلبة البلدان البعيدة، وكما أُسست مدارس لتعليم البنات، وكانت أقدم مدرسة أُنشئت في القرن الثاني الهجري ـ بجهود الأهالي في أفاطمان وما حولها من قرى منطقة الرحيبات في قرية أمسن، وكان بها قسم داخلي تشرف عليه مربية تدعى أم يحي زوجة إبي ميمون، وكان أحد أغنياء المنطقة من آل الباروني ينفق على الأقسام الداخلية ف فيها. ومن مدارس الإباضية التي نشأت في القرن الثاني الهجري وظلت تشيع العلم إلى القرن الحادي عشر:
ـ مدرسة أبي المنيب محمد بن يانس، وكان لهذه المدرسة مجموعة من الفروع في مختلف القرى والمدن.
ـ ومدرسة الرخام بطرابلس، ذكر البرموني أنه درس بها مبادئ الحساب والفرائض والفلك، كما ذكرها الخروبي عرضا في كتابه “ذكر بعض الأولياء”
ـ ومن مدارس طرابلس أيضا مدرسة المنتصرية التي بناها الفقيه ابو محمد عبد الحميد بن أبي البركات بن أبي الدنيا بين عامي (555-558 هـ) في عهد الموحدين. وقد وصفهما التيجاني بقوله: “وهذه المدرسة من أحسن المدارس وضع وأظرفها صنعا“.
ـ ومدرسة إبن ثابت وذكرها الرحالة إبي الحسن على القلصادي في رحلته، وقد ذكر أنه وصل طرابلس في الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة 851 وكان قد أقام بها.
وغيرهم من المدارس التي أشار إليها الاستاذ أحمد مختار في كتابه النشاط الثقافي في ليبيا .
ـ الرحلات
أتاحت الرحلات من المغرب إلى المشرق وبالعكس فرصة فريدة لتأسيس علاقات فكرية وثقافية بين ليبيا وجيرانها، نظرا لموقعها، فهي همزة وصل بين الشرق والغرب.
ومن العلماء المغاربة الكبار الذين مروا بليبيا وبقي بعضهم فيها لفترة من الزمن والتقى بعلمائها وسجل ملاحظاتها على معالمها وأحوالها:
ـ العالم والرحالة المغربي “إبن رشيق” الذي مر بطرابلس سنة 685 هـ
ـ والعالم الرحالة المغربي “عبد الله التجاني” الذي قام برحلته إلى طرابلس فيما بين سنة 706 هـ
ـ والرحالة “محمد بن عمر بن رشيد الفهري الذي زار طرابلس سنة 684 هـ
ـ والرحالة “أبو عبد الله محمد بن العبدري” الذي زارها في سنة 688 هـ
ـ ومن الرحالة الذين زاروا طرابلس في القرن الحادي عشر الهجري وكتبوا عنها الرحالة أبو سالم العياشي.
ومن العلماء المغاربة الذين مروا بطرابلس وهم في طريقهم إلى المشرق:
ـ الفقيه والعالم الأندلسي الموسوعي “أبو بكر بن العربي” (ت 543 هـ) الذي كان من بين تأليفه كتب “العواصم من القواسم” وكتاب “الأحكام” الذي يعتب كتابا تربويا يحتوي على كثير من التوجيهات التربوية القيمة.
ـ والفقيه “أبو محمد عبد الله بن عبد الكريم الغماري” الذي مر بطرابلس سنة 654 هـ وقد طالت إقامته بطرابلس بحيث استطاع بعض الطلاب الليبيين أن يدرسوا عليه بعض الكتب العلمية وذلك مثل كتاب “الكافي في الفرائض” لابن المنمر وغيره من الكتب.
ـ ومنهم أيضا العالم الفقيه والمؤرخ ابن خلدون الذي زار مدينة طرابلس وبقى فيها لفترة من الزمن يدرس ويحاضر فيها ويجالس علماءها والمتصوفين فيها.
ومما يدل على أن تلك الرحلات كانت تعطي فرصا لطلاب العلم في طرابس، وغيرها من الأقاليم، اللقاء بالعلماء من الأندلس والمغرب وتونس، والأخذ عنهم الكثير من العلوم وهم في بلدهم، نذكر منهم:
ـ أبا إسحاق ابراهيم الأجدابي الذي عُرف بإبن الأجدابي وهو من علماء القرن الخامس الهجري. ولم يكن له رحلة خارج طرابلس وعندما سئل من أين له هذا العلم ولم يترحل؟ أجاب: “اكتسبته من بابي هوارة وزناتة” وهما بابان من أبواب طرابلس. وإجابته هذه إشارة إلى أنه استفاد علمه من لقائه للعلماء الذين يمرون بطرابلس، عن طريق هذين البابين.
ـ ومعنى هذا أن طرابلس كانت ملتقى كبار العلماء ومنهم الشيخ “أبو فارس بن عبد العزيز بن عبد العظيم عبيد. ومن خلال الأطلاع على مصادر ثقافة الشيخ المتمثلة في مشيخته، تتضح لنا منابعها الأصلية . وكان من العلماء المشارقة والمغاربة الذين عبروا طرابلس.
ومن شيوخه الفقيه “أبو الحسن إبراهيم محمد بن إبراهيم الأندلسي البسطي، الذي اجتاز طرابلس قافلا من الحج، فقرأ عليه بعض تأليفه في اللغة العربية، وسمّع له شيئا من نظمه. وقد روي عنه “المذهبة” لابن المناصف .
ومنهم الفقيه أبو العباس الأعجمي، ورد من المشرق على مدينة طرابلس، قاصدا المغرب فقرأ عليه بعض العلوم الدينية لابن الخطيب، ومنهم الفقيه القاضي ابو محمد عبد الله بن ابراهيم بن أبي مسلم القابسي، وصل طرابلس قاضيا وغيرهم كثير.
وممن زار طرابلس والتقى بعلمائها ودارت بينه وبينهم مناظرات، العالم المغربي الحسين بن مسعود بن محمد اليوسي ويكنى بأب علي (ت 1102 هـ) في رحلته التي قاما بها سنة (1101 هـ)، حيث كانت له مناظرة مع العالم محمد بن أحمد بن عبد الله المكني التنوخي (1128 هـ) الذي قال عنه العياشي: “ كان أعلم أهل ذلك الساحل، تولى الفتوى ببلده مرارا واشتغل بالتدريس وله مشاركة حسنة في قنون كثيرة“.
ـ المناظرات
كانت المناظرات تجري بين العلماء والفقهاء من أجل مسألة أو قضية عقائدية، حيث يجلس العلماء فيتناظرون ويتناقشون على ملء من الناس، كل يدلي برأيه، ويلقي بحجته، ويتطلب هذا الفن من العلوم خبرة وأسلوبا ومنهاجا خاصا، كما يتطلب سعة الحيلة إلى جانب الإفاضة في المادة والفصاحة في النطق والبلاغة في التعبير وحسن الألقاء.
وهذا ما كان متوفرا عند علماء المناظرات في طرابلس منهم أبوفارس عبدالعزيز بن عبيد، ومن علماء الإباضية الذي ناظروا المعتزلة أبو المنيب محمد بن يانس الدركلي.
وممن برع في المناظرات أيضا إبن الاجدابي فلقد كان إلى جانب تمكنه في الفقه بارعا في الجدل ومعرفة الأداب والأصول التي تتبع في المناظرة بين أهل المذاهب الفقهية.
كما كان محمد بن سالم المعروف بالعقعق على علم بالجدل والنظر، ومن العلماء الذين ناظروا القدرية وألف في هذا كتاب أحمد بن نصر الدودي (ت 402 هـ) بعنوان “الرد على القدرية“.
…
يتبع
____________
المصدر: دراسة في العلوم العقلية في الفترة ما بين القرون (2-10 هـ \ 8 ـ 16 م)