يوسف لطفي

أشكال الصراع بين معسكري الثورة

اتخذ الصراع بين معسكري الثورة والثورة المضادة أشكالا متعددة، فكان هناك الصراع المناطقي بين مصراتة والزنتان، والزاوية وورشفانة في الغرب، والصراع بين التيار الفيدرالي وخصومه في الشرق، والصراع مع بقايا النظام، والصراع بين الإسلاميين ومناوئيهم، فاصطفت هذه الأطراف مع الأقرب لها قيميا ومصلحيا ضد خصومها لكن تحالف الثورة المضادة كان أكفأ في إدارة الصراع لأسباب عدة أهمها:

  • كثافة الدعم الخارجي الذي بدأ في مراحل مبكرة.
  • تركز القرار السياسي والنفوذ العسكري في يد جهة واحدة (خليفة حفتر بدعم إماراتي).
  • قوة الدعاية الإعلامية.
  • اجتماع معظم مكونات الحلف على ضرورة الحكم العسكري.
  • توحيد الجهود العسكرية والإجماع على ضرورة الحل العسكري مع الخصوم .

فضلا عن غيرها من الأسباب والعوامل التي كان الكثير منها يتعلق بسوء إدارة تيار الثورة للصراع، وإساءة استخدام النفوذ، وتنظيم قوى الثورة نفسها في أطر مناطقية متفرقة، وغياب قيادة موحدة، وتشتت الصف الداخلي والذي بلغ ذروته مع إعلان توقيع اتفاق الصخيرات في النصف الثاني من 2015 برعاية وإشراف بعثة الأمم المتحدة.

ذروة الصراع

فشلت قوى الثورة المضادة في إسقاط المؤتمر الوطني وتفكيك كتائب الثوار إلا أنها هيَّأَت الرأي العام لعمل عسكري ضد تلك المكونات. وقد هيأت خطوةُ إخلاء بعض معسكرات القوى الثورية في كل من بنغازي وطرابلس الظروفَ لزيادة نفوذها على الأرض.

فاكتسبت كتائب الزنتان نفوذًا أكبرَ بخروج كتائب مصراتة من طرابلس، واكتسبت القوات الموالية لحفتر مواقع مهمة في بنغازي. وجاء إعلان حفتر انقلابه على المؤتمر وتجميده الإعلان الدستوري يوم 14 فبراير 2014 لينقل الصراع لمستوى حرب شاملة مفتوحة، فتبع تحركه هذا إمهال كتائب الزنتان المؤتمر الوطني ساعات لتسليم السلطة ثم هجومها على مقر رئاسة الأركان ثم الاستيلاء على شحنة أسلحة في مطار طرابلس الدولي كانت موجهة لثوار مصراتة.

لم يتبع إعلان الانقلاب تحركًا عسكريًّا جديًّا لفشل حفتر في حشد حلفائه غرب البلاد تحت إمرته فاتجه للشرق حيث استطاع حشد قوات تأتمر بأمره وظهر على الشاشة مجددا ليعلن انطلاق عملية الكرامة في 16 مايو 2014 ونجح هذه المرة في تكوين قوة قوامها الأساسي من قبائل الشرق وكتائب الجيش المنشقة عن النظام كما برز التيار السلفي المدخلي كمُكوِّن أساسي اعتمد عليه حفتر في العمل العسكري والأمني.

وتزامنَ مع هذا الحراك هجوم كتائب الزنتان (القعقاع والصواعق والمدني) على المؤتمر الوطني في 18 مايو 2014 حيث اقتحموا المكان واختطفوا عدة أعضاء منه، وأعلنوا عن حل المؤتمر، وقد بارك هذه العمليات حزب تحالف القوى الوطنية ورئيسه محمود جبريل وعدد من القيادات القبلية والعسكريين المنشقين عن النظام والشخصيات الليبرالية التي كانت جزءا من المجلس الانتقاليكمحمود شمام مدير صحيفة الوسط.

رد الفعل الثوري

جاء رد الفعل الثوري الأسرع من بنغازي حيث توحدت كتائب الثوار الإسلاميين مع بعضها واتحدت مع جماعة أنصار الشريعة لتكوين تحالف تحت اسم “مجلس شورى ثوار بنغازي” وتم الإعلان عنه في 20 يونيو 2014 أي بعد شهر من بدء عملية الكرامة، ثم جاءت عملية قسورة أو فجر ليبيا بتاريخ 13 يوليو 2014 والتي أطلقها ثوار المنطقة الغربية للدفاع عن المؤتمر الوطني وطرد كتائب الزنتان من طرابلس.

ورغم أن المكون الأكبر في هذا التحالف هي كتائب مصراتة إلا أن تيارا كبيرا داخل المدينة عارض خيار الحرب وحاول عرقلة العمليات العسكرية. وقد كان أبرز ممثلي هذا التيار:

  • المجلس البلدي للمدينة برئاسة محمد اشتيوي –تعرض لاحقا للاغتيال

  • والتيار السلفي “المدخلي” الذي يقوده عبد الرحمن الكوت آمر في كتيبة المرداس

  • وأنور سويسيآمر في كتيبة اليرموك،

  • وبعض الشخصيات العسكرية كسالم جحا ومحمد الحداد ومهند المحجوب آمر في لواء الحلبوص

كما أعلنت قوات درع ليبيا الوسطى التابعة لمصراته على لسان المتحدث الرسمي أحمد هدية عن وقوفها على حياد، وبهذا ظلت أكبر التشكيلات العسكرية التابعة لمصراتة (الحلبوص، والمحجوب، الدرع الوسطى) خارج الصراع تماما في أول أسبوعين من القتال، وقد سعت بعد وصولها لطرابلس للتفاوض مع كتائب الزنتان لاقتسام السيطرة على المطار، ثم عرضت عليها لاحقا تسليمه لقوة وسيطة لكن فشلت كل هذه المساعي.

كما أحجمت معظم كتائب طرابلس عن المشاركة في العملية وكان من أبرزها :

  • قوة الردع بقيادة السلفي “المدخلي” عبد الرؤوف كارة

  • وكتيبة ثوار طرابلس بقيادة هيثم التاجوري،

لكن هذا الإحجام والتردد لم يؤثر بشكل كبير على مسار العمليات العسكرية فقد نجحت القوى الثورية والإسلامية في كل من مصراتة وطرابلس والزاوية وصبراتة، في تحقيق تقدم عسكري ملحوظ وتمكنت بفضل زخم التقدمات من جر بعض القوى المترددة للمعركة، ومن أبرز الشخصيات التي قادت هذه الجهود:

  • صلاح بادي وسالم الزوفري وحمودة النعيرية ومصطفى المازق وفتحي باشاغا من مصراتة،

  • وصلاح البركي وصلاح الرقيعي وعبد الغني الككلي من طرابلس

  • ومحمد الكيلاني وصهيب الرماح وشعبان هدية ومحمود بن رجب من الزاوية

  • وعمر المختار المدهوني من صبراتة

وغيرهم من الشخصيات التي لا يسع المقام لذكرها والتي كان لها الدور الأهم في إطلاق وقيادة عملية فجر ليبيا.

مع اشتعال القتال قامت كتائب الزنتان بإطلاق سراح سجناء النظام السابق، وعلى رأسهم عمر تنتوش بتاريخ 15 يونيو 2014، وهو ضابط بارز في نظام القذافي أشرف على إعدام ضباط محاولة انقلاب 1993 ، وبدأ أنصار النظام السابق في العودة والتجمع في مناطقهم، حتى أُعلن عن تأسيس “جيش القبائل” في مؤتمر قبلي كبير في أوائل أغسطس عُقِد بمدينة العزيزية جنوب طرابلس، وأعن مناصرته لقوات “الجيش” (كتائب الزنتان وتحالف الكرامة)، وقد شكلت قبيلة ورشفانة العمود الفقري لهذه القوة باعتبارها من أكبر القبائل المناصرة للنظام السابق واشتهر “جيش القبائل” لاحقا بأعماله الإجرامية كالحرابة والخطف والقتل على الهوية.

انتخاب البرلمان الليبي

قبل اندلاع تلك الأحداث وفي ظل الأوضاع الأمنية المتردية أُجريَت انتخابات البرلمان الليبي في 25 مايو 2014 في ظل شبهات قانونية، فجاءت المشاركة فيها منخفضة جدا بعدد 630 ألف ناخب مقارنة ب 2,865,000 في انتخابات المؤتمر الوطني مثال على ذلك عقيلة صالح انتخب ب913 صوتًا ثم جاء الإعلان عن نتائج هذه الانتخابات في 22 يوليو 2014 في ظل حرب مفتوحة شرق البلاد وغربها.

ولم تأتِ النتائج في صالح القوى الثورية والإسلامية وتم نقل البرلمان إلى شرق ليبيا – في مناطق نفوذ قوات حفترمما دفع كثير من الأعضاء لمقاطعة البرلمان فعُقِدت جلسةُ البرلمان الأولى بعدد 158عضوا من أصل 188 , واستمر عدد الحاضرين في التناقص حتى بلغ النصف تقريبا.

بمجرد انتقال البرلمان للشرق ظهر تحيزه لمعسكر الكرامة ففي 15 أغسطس 2014 وجَّهَ البرلمانُ طلبًا للمجتمع الدولي بالتدخل لضرب “ميليشيات فجر ليبيا” بعد أن صنفها كمجموعات إرهابية، الأمر الذي تبعه ضربات طائرات إماراتية على قوات فجر ليبيا انطلقت من قواعد مصرية، مما أسفر عن مقتل عدد كبير من المقاتلين، ثم ألغى البرلمان قانون العزل السياسي في 2 فبراير 2015، مما أعرب بوضوح عن مزاج البرلمان وميوله>

هذه الأحداث كانت الأولى من نوعها فرغم احتدام الصراع في مراحل سابقة إلا أن مؤسسات الدولة ظلت واحدة ولم تشهد البلاد تدخلا لأطراف خارجية بهذا الشكل، كما منح إلغاء قانون “العزل السياسي” تحالف الثورة المضادة الغطاء القانوني لإعادة أزلام النظام للمشهد السياسي.

في 6 نوفمبر 2014 قضت المحكمة العليا بحل البرلمان بعد تقديم النائب المقاطِع ورجل القانون عبد الرؤوف المناعي طعنًا فيه واتهامه له بتجاوز مهامه بطلبه التدخل الأجنبي لكن البرلمان رفض الانصياع لحكم القضاء وقد عزز موقفه هذا اعتراف “المجتمع الدولي” به ونزعه الشرعية عن المؤتمر الوطني العام وهو ما عُد تدخلًا سافرًا وتحيزًا لأحد أطراف الصراع.

شكلت هذه السوابق (تجاوز حكم القضاء، طلب التدخل الخارجي، انقسام مؤسسات الدولة، انحياز المجتمع الدولي لطرف دون آخر) مشهدا جديدا غير محكوم بالضوابط القانونية والسياسية التي حكمت المشهد في السنوات الماضية.

يتبع

________________

مقالات