د. زكية القعود
عوامل إثراء الحياة الثقافية:
ـ المساجد
لم يكن المسجد حينذاك مجرد مكان للعبادة والصلاة، وإنما كان كذلك مدرسة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني، فهو مكان لإلقاء المحاضرات، والاستماع إلى الدروس، وهو مجمع للطلاب والأساتذة، وهو إلى جانب ذلك يحوي في العادة ـ أماكن خاصة لسكنى الأساتذة والطلاب المغتربين.
وفي هذه الفترة ـ موضوع الدراسة ـ لم تكن مدينة أو قرية ليبية تخلو من مسجد أو أكثر، ومنها ما أسس في وقت مبكر مع الفتح، ولقد زار التجاني طرابلس في أوائل القرن الثامن الهجري، ولفت نظره فيها كثرة مساجدها، حتى عنها: “مساجد البلد لا تحصى كثرة وهي تكاد تناهز الدور عددا” وقال في مكان آخر: “بخارج البلد مساجد كثيرة مشهورة بالفضل” ومن أشهر مساجد ليبيا:
ـ المسجد الجامع الذي بناه عمرو بن العاص بجنزور
ـ المسجد الآخر الذي بناه عمرو بن العاص في طرابلس أمام باب هوارة
ـ مسجد الشعاب وقد تم بناؤه في القرن الثالث الهجري (تم تدميره)
ـ مسجد خطاب بخارج مدينة طرابلس وينسب للشيخ إبي نزار خطاب البرقي
ـ مسجد الجدة وسمي بذلك لإن إحدى جدات بني الأغلب بنته وعرف بإسم البارزي
ـ مسجد إبي عثمان سعيد بن خلفون
ـ مسجد المجاز
ـ جامع طرابلس الأعظم بني في القرن الثالث الهجري على يد عبدالله بن أبي مسلم بن اسحاق
ـ مسجد العشرة بني في النصف الأول من القرن السادس الهجري
ـ مسجد الزروق
ـ جامع الناقة، ونظرا لما قام به هذه المسجد من دور، أثر في انتعاش الحياة الثقافية في طرابلس.
ـ الرباطات
وهي من الأنظمة الدفاعية التي بنيت منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب، لتقوم بدوريها الديني والدنيوي، أي الجهاد والدفاع والتعليم.
وقد ذكر الدكتور محمد عبد الهادي شعيرة في بحثه “الرباطات الساحلة الليبية” أن القصور بين قابس وطرابلس عددها 25 قصرا، ومن طرابلس إلى سلوق عددها 38 قصرا. وأن سواحل برقة كانت ذات قصور عديدة متقاربة كالسواحل الطرابلسية. ويعتبر رباط طرابلس من أقدم الربط في إفريقية وقد شيده الولي العباسي هرثمة بن أعين سنة 179 هجرية.
ولم تكن الربط الليبية إلا جزءا من الربط المنتشرة على طول سواحل الشمال الإفريقي، وهي من الكثرة بحيث جعلت الخطيب بن مرزوق التلمساني (ت 781 هـ) يصفها بقوله: “ إذا وقعت النيران في أعلاها تتصل في الليلة الواحدة أو في بعض ليلة، وذلك مسافة تسير فيها القوافل نحو من شهرين، في كل محرس منها رجال مرتبون نظار وإطلاع يكشفون البحر فلا تظهر في البحر قطعة تقصد ساحل بلاد المسلمين، إلا والتغير يبدو في المحارس.
وكان من بين المرابطون في هذه الأربطة علماء وطلاب علم يقومون ـ بجانب عملهم الجهادي والدفاعي ـ بالتعليم والتعلم وبنسخ الكتب وببعض الأعمال الصناعية والزراعية التي يتعيشون منها.
كان هؤلاء المرابطين يشجعون طلاب العلم، ولنا في ترجمة أحد علماء تونس المرابطين مثلا لما كان عليه رجال العلم والدين داخل أدوار الربط.
كان من عادة المرابط إبي يونس نصير، إذا زاره بعض أهل سوسه في رباطه المعروف برباط الطوب، وكان معهم أطفال صغار، كان يسأل أولياء أمورهم هل يتعلمون بالكتاتيب؟ فإذا كان الجواب إيجابا، أهدى إلى أولئك الصغار أقلاما من القصب، كان يبريها بنفسه ليهديها للصغار، تشجيعا لهم للإقبال على العلم، وممن اشتهر بتعليم الأطفال في القرن التاسع الهجري الشيخ علي العوسجي وعُرف باسم “مؤدب الصبيان“.
ـ الزوايا (الكتاتيب)
الزاوية هي في الأصل مكان مُعَد للعبادة مثل المسجد، يفضل فيها تعليم الأطفال على المسجد بسبب سلوكهم واحتراما لبيوت الله، ويلجأ إليها طلاب العلم ولا سيما الفقراء منهم، وقد تكون في نفس الوقت مسكنا للطلبة والغرباء، ومكان لاجتماع المريدين، وتكون في الغالب مسماة باسم أحد الأولياء المرابطين.
وانتشرت الزوايا في البلاد في القرن التاسع الهجري ولا سيما في النصف الثاني منه، وذلك لانتشار التصوف بحيث كانت في كل مدينة وقرية، وفي الغالب يدفن الولي في زاويته، وقد يلحق بالزاوية مسجد، وتحضى الزاوية بتبرعات وأوقاف أكثر من المسجد والمدرسة، لاعتقاد الناس في ولي الزاوية وفي بركاته، والزاوية أكثر التصاقا بالناس، وأقل تأثيرا في نفوذ الحكام.
وعملت الزوايا على نشر التعليم في الدواخل. وجعلته في متناول الجميع، واهتمت بتدريس الدين والتصوف، ومن هذه الزوايا زاوية أولاد سهيل التي أسسها أولاده بعد وفاته سنة 674 هـ بمدينة الزاوية الغربية، وقد زارها التيجاني ورأي فيها كتبا كثيرة محبسة.
وما زالت هذه الزاوية مقصدا للطلاب لحفظ القرآن، وبها حجر كثيرة يسكنها الطلبة, ولها أوقاف كثير تصرف على ما تحتاج إليه الزاوية من إصلاح، وفي مساعدة الطلبة الغرباء.
ومن زوايا مدينة الزاوية الغربية أيضا:
ـ زاوية أولاد سنان، وهم إخوة الوشاحين والنوائل، وهم بنو سنان بن عامر بن جابر ، وعام هو أبوشاح,
ـ وزاوية يوسف الجعراني، وهي من زوايا مدينة مسلاتة وقد أسسها الشيخ يوسف الجعراني في حياته وكان يعيش فيها في سنة 820 هـ.
ـ وزاوية الدوكالي وكان يتردد عليها في عهد كبار المتصوفة أشهرهم عبد السلام الأسمر.
ـ وزاوية الشيخ محمد الفاسي .
ومن زوايا مدينة مصراتة:
ـ زاوية الشيخ أحمد الزروق، التي كانت موجودة قبل عام 902 هـ حسب ما ذكر ذلك البرموني ، وكانت تدرس بها العلوم الشرعية واللغوية إضافة إلى تحفيظ تحفيظ القرآن وتلقين التصوف.
ـ زاوية إبراهيم المحجوب.
ومن زوايا مدينة زليطن:
ـ زاوية الشيخ عبد السلام الأسمر، التي أنشئت في القرن التاسع الهجري، وقد أوقفت عليها أوقاف كثير يصرف منها على احتياجاتها وعلى الطلبة الغرباء، لذلك فقد كثر عدد الدارسين بها وهي كغيرها من الزوايا التي كانت يدرس بها العلوم الشرعية واللغوية والتصوف، أضافة إلى تحفيظ القرآن الكريم، ومن أشهر الذين درسوا بها في القرن العاشر كريم الدين البرموني، وعمر بن حجا، وأحمد بحر السماح.
ـ زاوية الحطاب نسبة إلى الشيخ محمد عبد الرحمن الحطاب الكبير(ت 945 هـ)
ـ المكتبات ودكاكين الوراقين
كانت البلاد تزخر بالعديد من خزائن الكتب في المساجد والمدارس والزوايا، بالاضافة إلى الخزائن التي يحتفظ بها العلماء والفقهاء في دورهم. إلا أن عدم استقرار الأوضاع السياسية في البلد، أدى إلى سلب ونهب وحرق هذه المكتبات مثل خزائن جبل نفوسة التي كانت مملوءة بالكتب النفيسة، التي حُرق معضمها في الفتن المتصلة التي لحقت بالجبل بعد القرن العاشر. إلا أن هناك الكثير منها لم تصله يد العابثين وأن أوصلتها لم تقضي عليها. ومن هذه المكتبات:
ـ مكتبة زاوية أولاد سهيل التي زارها التيجاني.
ـ ومكتبة زاوية عبد السلام الأسمر، التي تحتوي على نحو 500 مجلد من الكتب الثمينة.
ـ والمكتبة التي تعرف بإسم “خزانة نفوسة” وقد كان بها في عهد أفلح الألاف المؤلفة من الكتب، وكان مقرها بمدينة شوس في جبل نفوسة.
ومن المكتبات الخاصة:
ـ مكتبة محمد المكني التي وصفها إبن ناصر الدرعي بقوله: إن خزانته لا توجد لأحد لأن المكني كا فقيها وبيته بيت علم، وهو مفتي ومدرس وكان يتمتع بالذكاء والريادة. وذكرها العياشي بقوله: “إن محمد بن المكني يمتلك مكتبة كبيرة ليس مثلها لأحد من أهل البلدة“.
ـ ومكتبة العالم والفقيه عبدالله الخروبي في قرقرش قبل سفره إلى المغرب.
ـ ومكتب العالم والفقيه أبو محمد عبد الحميد بن أبي الدنيا
ـ ومكتبة أحمد النائب التي تعد من أكبر المكتبات تضاهي مكتبة الأحمدين، أحمد تيمور وأحمد زكي كما يقول ذلك المصراتي.
ومن المكتبات القديمة الخاصة التي أشار إليها الدكتور عبد الحميد الهرامة في مقالة عن أهم مراكز المخطوطات:
ـ مكتبة آل منيع
ـ مكتبة ضوي بغدامس
ـ مكتبة زاوية أبي ماضي
ـ مكتبة محمد النعاس قرزة بنسمة
ـ مكتبة آل عمار أنشأها الشيخ محم بن عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن محمد عمار سنة 1180 هـ وغير كثير
كما أن دكاكين الوراقين كان لها دور في الحياة الثقافية، فلم تقتصر مهمتها على بيع الورق وأدوات الكتابة وبيع الكتب بل كانت تقوم بدور كبير في نسخ الكتب وتصحيحها وتجليدها وعرضها والتعريف بها ونشرها وتوزيعها، كما كانت ملتقى للعلماء والأدباء والمثقفين وليست لمجرد بيع الورق والكتب.
…
يتبع
____________
المصدر: دراسة في العلوم العقلية في الفترة ما بين القرون (2-10 هـ \ 8 ـ 16 م)