يوسف عبد الهادي
إنشاء البنك الوطني الليبي
قبل أن نسترسل في قصة تأسيس البنك الوطني الليبي وجب التذكير بأن نهاية استعمال العملات الأجنبية المتفرقة التي كانت متداولة قبل الاستقلال انتهى بصورة رسمية في يوم 24 يونيو 1952م؛ بعد أن استغرقت عملية الاستبدال ثلاثة أشهر، إذ في هذا اليوم حلّت العملة الليبية الوطنية الموحدة لأول مرة في التاريخ محل العملات الاجنبية القديمة في جميع انحاء البلاد.
وعلى ذلك يرى الباحث والمصرفي الأستاذ “سالم النعّاس” أن هذا التاريخ جدير بان يُحتفى به عيدًا للعملة الوطنيّة نظرًا لرمزيته في استكمال السيادة والهوية الليبية.
إذًا وبعد أن قامت لجنة النقد بمهامها بشكل مُعجز، وبعدما بدأ الاقتصاد الليبي يتجاوب مع حوافز التنمية الاقتصادية والسياسات المختلفة للدولة المستقلة، ونظرا للتوسع النقدي الملحوظ فقد آن الأوان لإنشاء بنك مركزي للبلاد.
وعليه شُكلت لجنة فنية من خبراء في الشؤون المصرفية من مصر وتركيا وفرنسا وأمريكا وبريطانيا بقصد اتخاذ خطوات سريعة لتأسيس البنك المركزي, وأعدت هذه اللجنة مشروع قانون لإنشاء البنك الوطني الليبي والبنك الزراعي ومشروع قانون للبنوك وآخر لمراقبة النقد.
وعليه تمت الموافقة على مشروع قانون (البنك الوطني الليبي) في 26 أبريل 1955م, وعُيّن الدكتور “على العنيزي” –الذي كان ممثلًا لليبيا صحبة السيد “سالم شرميط” في أول تشكيلة للجنة النقد– محافظًا للبنك بموجب مرسوم ملكي صدر بنفس التاريخ.
فجاء تعيين مواطن ليبي كأول محافظ للبنك المركزي في ليبيا المستقلة حدثا سعيدا قوبل بالسرور, وكان للعنيزي أثره في وضع بداية موفقة لعمليات البنك.
ولم يتجاوز رأسمال البنك المدفوع 700,000 جنيه خُصِّصَت من قبل لجنة الانشاء الليبية الامريكية من أصل مليون جنيه وهو رأسمال البنك المصرح به.
وفى أول يوم من أبريل عام 1956، باشر البنك الوطني الليبي ” المركزي ” أعماله بصفة رسمية في طرابلس رغم الصعوبات التنظيمية وعدم وجود عناصر ليبية مؤهلة ولا مقرات مناسبة في بقية المدن الليبية, الأمر الذي أدى الى تأجيل فتح فروع للمصرف لتغطية المناطق الرئيسية في ليبيا.
في ذلك الوقت كانت جميع البنوك التي تمارس الأعمال المصرفية في ليبيا هي عبارة عن فروع لبنوك اجنبية؛ الأمر الذي حدا بالمشرّع لاتخاذ إجراء ناجع بسماحِه للبنك ممارسة الاعمال (التجارية), وهو ما يُعد خروجًا عن النمط التقليدي للبنوك المركزية، ويدل على تصميم الجهات الرسمية بالدولة على سد الفراغ الموجود في النظام المصرفي المحلى المتمثل في عدم وجود مصارف تجاريه ليبية.
بعد ذلك قام بنك ليبيا ” المركزي ” بافتتاح عدة فروع له لمواجهة المتطلبات المصرفية للمناطق والعملاء المهملين من البنوك الأجنبية التي تسعى للحصول على خلاصة الأعمال المصرفية المتمثلة في تمويل التجارة الخارجية، وطمأن البنك المركزي البنوك الاجنبية بتأكيده على انه سوف لن تكون هناك منافسة غير عادلة من طرفه، كما أن استقلالية البنك ساعدت على تبديد مخاوف البنوك الأجنبية مما ساعده هو أيضا على بناء مكانته ونفوذه بينها.
ومن أجل تحقيق أهدافه العامة أنشأ البنك المركزي قسمًا للإصدار مستقلا عن قسم العمليات المصرفية، وصار لكل قسم منهما أصوله وخصومه المنفصلة عن القسم الآخر، وأصبح قسم الاصدار هو الخلَف الشرعي للجنة النقد الليبية, وهو ما احتاجته دولة ذات عملة جديدة؛ من أجل أن يظهر بصورة منفصلة مقدار الاصول التي تدعم إصدار هذه العملة الجديدة.
وعليه وفى الذكرى السابعة للاستقلال الموافقة 24 ديسمبر 1958م؛ بدأت فئات الاوراق النقدية التي تحمل اسم (البنك الوطني الليبي) بصفته سلطة الإصدار في الصدور, لتتوالى عملية إصدار بقية الفئات, وكانت جميعها تحمل توقيع محافظ البنك الوطني الليبي الدكتور على العنيزي.
_______________
المصدر: صفحة الكاتب على الفيسبوك