ولفرام لاتشر (ترجمة يوسف لطفي)

اعتراف متأخر: دور البنك المركزي في مشاريع حفتر

لا يزال من غير الواضح من أين جاء المال لهذه الطفرة المفاجئة، لكن بلقاسم حفتر يقول للصحفيين إنَّ التمويل للمشاريع التي يشرف عليها يأتي من البنك المركزي. كما يعتقد الدبلوماسيون الغربيون أيضاً أنَّ البنك المركزي في طرابلس قد مول حكومة الشرق، رغم أنَّهم يفتقرون إلى التفاصيل. كما ادعى العديد من كبار المسؤولين الماليين في طرابلس أنَّ البنك المركزي قد قام بتحويلات مباشرة، بما في ذلك إلى صندوق بلقاسم. لكن البنك المركزي نفسه، الذي ينشر بيانات مفصلة عن المصروفات التي يوافق عليها، لم يعلن عن أي مدفوعات من هذا القبيل.

في أغسطس، اعترف البنك المركزي في طرابلس لأول مرة بأنَّ البنك المركزي في بنغازي قد استخدم 950 مليون دولار لمشاريع البناء في الشرق، لكنه لم يوضح من أين جاء الدينار المكافئ لهذا المبلغ. ونفى مستشار مقرب من الكبير مرارًا أن يكون البنك المركزي قد أجرى تحويلات إلى صندوق بلقاسم أو أي من أذرع حكومة الشرق الأخرى، لكن هذا قد يتغير بعد أن اعتمد برلمان الشرق في يوليو 2024 ميزانية موحدة بين الحكومتين الموازيتين، كما اقترح الكبير.

قدّم ثلاثة من كبار المسؤولين الماليين تفسيرًا بديلًا للانتعاش المالي لعائلة حفتر، حيث أشاروا إلى إشراف الكبير على تدفق الأموال من البنك المركزي بطرق غير مباشرة، تضمنت نقل الأصول المحتفظ بها من قبل البنوك التجارية في حسابات البنك المركزي الموازية في بنغازي إلى حسابات البنك المركزي في طرابلس، مما يسمح للبنوك باستخدامها. كانت هذه الأصول، التي تقدر بحوالي 51 مليار دينار (حوالي 10 مليارات دولار بالسعر الرسمي)، تمثل الجزء الأكبر من الديون المتراكمة التي تتحملها سلطات الشرق.

منذ عام 2015، كانت البنوك الواقعة في الشرق، تحت ضغط من قوات حفتر، تصرف الأموال بِناءً على طلب سلطات الشرق، مقابل سندات الخزانة، وكان البنك المركزي في بنغازي يشتري هذه السندات نظريًّا، وبدلًا من ذلك يودع الأصول في حسابات البنوك، كانت هذه الأصول افتراضية تمامًا، لأنَّ البنك المركزي في الشرق لم يكن لديه وصول إلى الإيرادات. ومع وصول قوات حفتر إلى طرابلس في عام 2019، أوشكت البنوك الشرقية على الإفلاس، وانتهت عملية التلاعب المالي. وبقيت الأصول، التي لم تستطع البنوك سحبها، مشكلة غير محلولة.

بدأ الكبير في تمويل البنوك الواقعة في الشرق عبر هذه الأصول في أوائل عام 2023، وكان حينها لا يزال على علاقة جيدة بالدبيبة حيث أفاد مسؤولو البنك المركزي بأنًّه جرى نقل حوالي 3.7مليارات دولار في يونيو من نفس العام، لكن بعد أن اختلف الكبير مع الدبيبة وبدأ يتواصل مع الشرق، تسارعت العملية، وبحلول نهاية العام، اكتملت

بالإضافة إلى ذلك، قام البنك المركزي بتمديد قروض طويلة الأجل دون فوائد للبنوك. وأعادت التعديلات في مجالس الإدارة للبنوك الواقعة في الشرق السيطرة الفعلية لعائلة حفتر على البنوك التي أصبح لديها الآن عشرات المليارات من الدينار في حسابات البنك المركزي في طرابلس. وهذا يعني أنَّ حكومة الشرق وصندوق بلقاسم حفتر يمكنهما مرة أخرى الاستدانة من البنوك التجارية القادرة على الدفع، بمساعدة البنك المركزي. كما أنَّ السيطرة على البنوك سمحت للمقربين من أبناء حفتر بالوصول للعملة الصعبة في البنوك، ثُمَّ بيعها في السوق السوداء، ما حقق مكاسب.

تبنى الكبير موقفًا متساهلًا تجاه العملة المزيفة، التي يبدو أنَّها طُبعت تحت إشراف حفتر في شرق ليبيا. حيث طبع البنك المركزي في بنغازي أوراقًا نقدية من فئة الدينار في روسيا منذ عام 2016 إلى 2021، وأتاح البنك المركزي في طرابلس تداولها، ولكن في أوائل عام 2024، بدأت كميات كبيرة من الأوراق النقدية من فئة 50 دينارًا تنتشر، ووصفها البنك المركزي بالمزيفة

وتقدر قيمة الأوراق النقدية المزيفة من 400 مليون دولار إلى 1.4 مليار دولار. وقد أخطر البنك المركزي النائب العام عن الأوراق في فبراير ولكن انتظر حتى أبريل للإعلان عن سحب الأوراق من فئة 50 دينارًا من التداول، ومنح البنوك مهلة حتى نهاية أغسطس لاستخدامها. لكن الأوراق المزيفة ما زالت متداولة، ومستمرة في الانتشار في شرق ليبيا.

إيهامات الثروة: الهدف هو طرابلس

رغم امتلاك عائلة حفتر لحكومة موازية، فإنَّها تزال تتلقى مئات الملايين من الدينارات من طرابلس كل شهر، وفي حين تهرب الوقود على نطاق واسع، يمتد نفوذها إلى أعلى مستويات المؤسسة الوطنية للنفط. لقد مكّنهم التحكم في كل من البنوك التجارية والبنك المركزي في بنغازي من مسح الديون القديمة وبدء الإنفاق بالاستدانة من جديد. ويتم تحويل الدينارات التي تنشأ من العدم إلى عملة صعبة. وقد انتقل مركز الثقل في حالة النهب في ليبيا بشكل حاسم إلى الشرق، بينما تحاول عائلة حفتر الآن أن تقدم نفسها بصورة أفضل كمعمرين للمدينة.

بالإضافة إلى صندوق بلقاسم، بدأت جهة أخرى مؤخرًا في تنفيذ مشاريع كبيرة في سرت ومدن أخرى: الوكالة الوطنية للتنمية. هذه هي التسمية الجديدة لهيئة أنشأها صدام حفتر، وكالة طارق بن زياد للخدمات والإنتاج، التي يشرف عليها “جبريل البدري”، والذي يُزعم أنَّه يدير عمليات تهريب الوقود من بنغازي. وقد كانت وكالة طارق بن زياد تعمل على توجيه الأرباح من السرقات إلى وحدات صدام العسكرية، لكن الآن، الوكالة الوطنية تطور العقارات القيمة التي استولى عليها صدام حفتر في بنغازي.

توافد رجال الأعمال وقادة الميليشيات من غرب ليبيا إلى الشرق وجعلوا حفتر وأبناءه موضوعًا للقاءات دبلوماسية. قبل الانتعاش الكبير في الإعمار، لم تكن هناك اجتماعات علنية بين الممثلين من الغرب وأبناء حفتر. لكن من أبريل فصاعدًا، أصبحت الاجتماعات مع بلقاسم وصدام وخالد حفتر جزءًا من الجدول الروتيني للمسؤولين الغربيين. أصبح الدبلوماسيون الآن مستعدين لتطبيع العلاقات مع “دولة المافيا” كما وصفها أحد الدبلوماسيين في طرابلس.

هل يمكن للنظامين التعايش؟ الخلاف بين الكبير والدبيبة أدى إلى توترات بين تحالفات الميليشيات المتنافسة في غرب ليبيا، كما يبدو أنَّ الترتيبات التي تربط بين الشرق والغرب تقترب من نقطة الانهيار.

منحت المؤسسة الوطنية للنفط مؤخرًا حصة من الإنتاج في عدة حقول نفطية لشركة ليبية جديدة مجهولة الملكية يُشاع أنَّها تعمل كواجهة لصدام، التي بدأت بالفعل في بيع نفطها الخاص. علاوة على ذلك، يدعي كبار المسؤولين الماليين أنَّ فجوة تقدر بمليارات الدولارات قد تراكمت خلال العامين الماضيين بين قيمة النفط الخام الذي يُستخرج من المواني الليبية والتحويلات المالية إلى حساب المؤسسة الوطنية للنفط في البنك الخارجي الليبي، وهو فرع من البنك المركزي.

يهدد الوصول المتنامي لعائلة حفتر إلى أموال النفط لزعزعة توازن القوى. فقد أخبر صدام مقربين منه أنَّه يسعى إلى تحويل الفصائل الغربية الليبية ضد بعضها البعض وشراء دعم قادة الميليشيات المختارين، وهي مهمة أصبحت أسهل بفضل الأموال التي أصبحت تحت تصرفه الآن. في حين أخبر والده الدبلوماسيين الغربيين أنَّه ينوي تنفيذ محاولة أخرى للاستيلاء على طرابلس. وتستمر عائلة حفتر في شراء الأسلحة العسكرية، مما لا يترك مجالًا للشك في نواياهم. مؤخرًا، اعترضت السلطات الإيطالية شحنة من الطائرات المسيرة الصينية في طريقها إلى بنغازي ضمن جزء من صفقة يُزعم أنَّها تتعلق ببيع النفط الخام.

في الوقت الحالي، يشكل الوجود العسكري التركي في غرب ليبيا عقبة هائلة أمام هذه الطموحات. كما أنَّ المصلحة الشخصية لقادة الميليشيات، بصرف النظر عن نجاحهم أو تدهورهم تحت حكم الدبيبة، تجعلهم يعلمون أنَّ الاستيلاء على الحكم من قبل حفتر سيقوض نفوذهم وينهي وجودهم. ولكن مع التزايد المفاجئ في الثروات والسلطة، بالإضافة إلى التقرب من المبعوثين الأجانب، قد تنشأ أوهام بالقوة المطلقة التي تحمل خطر حدوث أخطاء كارثية.

***

ولفرام لاتشر – زميل أول في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية ومؤلف كتاب “تفتت ليبيا”

______________

مقالات