ابراهيم عبدالعزيز صهد

الدورة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة

بتاريخ 30 سبتمبر 1949 افتتحت اللجنة السياسية جلساتها وخصصت أربع عشرة جلسة للمناقشة العامة للمسالة الليبية. وقد كان واضحا – منذ البدايةأن مشاريع الوصاية لم تعد تجد لها قبولا.

كذلك فقد ساهم تنافس المعسكرين إلى توفير ظروف ملائمة أجبرت الدول المعنية على الاتفاق على منح ليبيا الاستقلال. لم يكن هناك أي خلاف يذكر إلا في التفاصيل (الموعد، الفترة الانتقالية، القضايا الإجرائية، وغيرها….).

استمعت اللجنة السياسية إلى كلمات وفود الدول وكانت كلها تؤيد منح ليبيا الاستقلال، كذلك أدلى مندوبون عن بعض المنظمات بيانات أمام اللجنة .

مثل السيد عمر فائق شنيب المؤتمر الوطني (البرقاوي)، فطالب في بيانه بالاستقلال، وأعلن أن برقة بقيادة الأمير إدريس السنوسي تنتظر بفارغ الصبر تحقق الاستقلال الكامل، وأعلن عن رفضه لأية فترة انتقالية طويلة، ونادى بضرورة توحيد البلاد تحت الإمارة السنوسية، وقال إن الخطوة التي أعلنت في برقة لا تشكل أي عائق أمام وحدة البلاد، ثم أعطى الكلمة لأحد أعضاء الوفد الذي تلا برقية من الأمير إدريس يعلن فيها رفضه لأية فترة انتقالية، ويطالب بمنح البلاد استقلالها فورا.

ثم تحدث السيد بشير السعداوي ممثلا للمؤتمر الوطني (الطرابلسي)، فطالب بالاستقلال وبتوحيد ليبيا، وقال بأن ليبيا الموحدة سوف تكون عاملا لتحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، وكرر مطالبة المؤتمر بمنح ليبيا الاستقلال فورا دون إبطاء.

ثم أدلى السيد عبد الله الشريف ببيان نيابة عن حزب الاستقلال (طرابلس)، فطالب بالاستقلال الكامل، وقال بأنه إلى أن يتم تشكيل حكومة دستورية فإن لجنة تابعة للأمم المتحدة ينبغي أن تشرف على تنفيذ قرار الجمعية العامة.

وطالب مندوب الأقلية اليهودية بحماية اليهود، وقال بأن مكانتهم الاجتماعية والاقتصادية قد أخذت تتدهور، وأنهم قد تعرضوا للخطر نتيجة لأعمال إرهابية موحى بها من الخارج. وطالب باسم يهود طرابلس أن تشكل مفوضية الأمم المتحدة التي ستكلف بالأشراف على المرحلة الانتقالية من دول محايدة وأن تمثل فيها الأقليات، وطالب بأن تعطى ضمانات خاصة لحماية واحترام المركز الثقافي والديني لليهود وحماية مركزهم الاقتصادي.

وقد تلقت اللجنة السياسية جملة من مشاريع القرارات قدمتها العراق والهند والولايات المتحدة والباكستان. وأحيلت مشاريع القرارات إلى لجنة فرعية مكونة من (21) عضوا .

وفي بداية عملها وافقت اللجنة الفرعية على اقترح من مندوب فرنسا فيها يقضي بعدم مناقشة مشاريع القرارات واحدا بعد آخر، وبدلا من ذلك تناقش اللجنة المسألة الليبية حسب المواضيع التي تحتويها. وهكذا كان مطروحا أمام اللجنة المواضيع التالية:

الاستقلال. المدة التي يجب ان ينجز خلالها. التطور الدستوري وتشكيل الحكومة. الإشراف خلال المرحلة الانتفالية (مجلس الأمم المتحدة : اختصاصاته وتشكيله وكيفية تعيين مندوب الأمم المتحدة واختصاصاته).

وقد جرى الاتفاق على هذه البنود وتقريرها في اللجنة الفرعية بعد مداولات واقتراحات متعددة، وضمنت في مشروع قرار موحد.

لقد كانت الأمور تسير نحو ما يبتغيه الليبيون، غيرأن مشكلة بقيت عالقة وتهدد بعرقلة التطورات الإيجابية، وهي استمرار مطالبة مصر بتعديل حدودها مع ليبيا سواء أمام مؤتمر الصلح أو خلال دورات الجمعية العامة.

وقد قدم مندوب الباكستان – بإيحاء من مصراقتراحا بأن يفوض مندوب الأمم المتحدة يعاونه مجلس الأمم المتحدة للقيام لبحث المطالب المصرية. وقد عارض مندوب الاتحاد السوفيتي هذا الاقتراح، وقال إن ذلك يعني اقتطاع أجزاء من ليبيا قبل أن تستقل، وأوضح بأن هذه المهمة هي من اختصاص الحكومة الوطنية المقبلة في ليبيا وليست من اختصاص أي طرف آخر.

ورفض الاقتراح الباكستاني بعد أن عارضته أمريكا وبريطانيا وفرنسا. غير أن ذلك لم يمنع المندوبين المصريين من إثارة هذه المسألة كلما عرضت القضية الليبية، كما حاول المندوب المصري في مجلس الأمم المتحدة الخاص بليبيا أن يوجه المجلس في اتجاه تعديل الحدود الليبية، مما دفع الأمير إدريس في سبتمبر 1950 إلى توجيه برقية إلى السيد أدريان بلت (مندوب الأمم المتحدة في ليبيا) يخطره فيها بالآثار السلبية التي تشكلها المطالب المصرية على العلاقات الطيبة بين البلدين.

وحذر الأمير من أي إجراء يتخذ في هذا الخصوص قبل استقلال ليبيا، وقال بان أي قرارات تتخذ قبل الاستقلال ذات مساس بالأراضي الليبية لن تكون قرارات عادلة وحتما فهي منافية للقرار رقم 289، وأوضح بأن ليبيا لن تقبل أبدا ولن تعترف بأي قرارات تتخذ قبل أن تتحقق السيادة الليبية أو قبل أن يكون في مقدورها أن تدافع عن مصالحها أمام الجمعية العامة من خلال ممثليها المعتمدين.

غير أن إثارة المندوب المصري لمسألة الحدود لم تؤثر على مسار الأمور لا في اللجنة السياسية ولا في الجمعية العامة، فقد أقرت اللجنة السياسية مشروع القرار بأغلبية (50) ضد لا أحد وامتناع (8) دول عن التصويت.

قرار الجمعية العامة باستقلال ليبيا

وفي جلسة الجمعية العامة المائتين والخمسين المنعقدة بتاريخ 21 نوفمبر 1949، عُرض مشروع القرار الموصى به من اللجنة السياسية وأُقر بأغلبية (49) صوتا ضد لا أحد وامتناع (9) دول عن التصويت. وحمل القرار الرقم (289 – الدورة الرابعة).

ويقضي القرار بأن تصبح ليبيا دولة مستقلة ذات سيادة، وتنفيذا لهذا القرار، عينت الجمعية العامة السيد أدريان بلت (مساعد الأمين العام للأمم المتحدة ) مندوبا للأمم المتحدة في ليبيا، وتم تشكيل مجلس الأمم المتحدة الخاص بليبيا م مندوبين عن كل من الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، مصر، الباكستان، إيطاليا، وممثلين عن برقة وطرابلس وفزان، ومندوب يمثل الأقليات.

يتبع

***

إبراهيم عبدالعزيز صهد – مفوض العلاقات الخارجية بحزب الجبهة الوطنية

____________

المصدر: مجلة الإنقاذ 1990

مقالات