يوسف عبد الهادي

هل سمعت عن (بيان) عمر المُختار (الشهير) ؟, وماذا تعرف عنه بعيدًا عن التدليس والتزوير والاذي لحق به ؟..

إقرأ معي هذا المُلخص:

في 23 مارس من العام 1929 وفي فندق كلاريج بالإسكندريَّة انطلقت مفاوضات بين الأمير إدريس والإيطاليين, وبالاتِّفاق مع (أميره) فقد تعهَّد عُمر المختار بإيقاف العمليات الحربية والمحافظة على الهدوء طوال سير هذه المحادثات.

وتزامن ما يجري في الإسكندريَّة مع اتِّصالات بدأت فيها حكومة برقة الإيطاليَّة بواسطة بعض الأعيان المحلِّيِّينمع عُمر المختار من أجل تنفيذ الشقِّ الميدانيِّ لحوار فندق كلاريج المذكور.

وبالفعل, فقد تم تحديد موعد أول اجتماع والذي تقرر أن ينعقد بين المختار والعقيد جوزيبي داودياشي في 20 مارس 1929 في القيقب ولكنَّ المختار أصرَّ أن تبدي الحكومة الدليل على حسن نيَّتها قبل الاجتماع بإطلاق سراح السيِّد محمَّد الرضا وإعادته من منفاه بإيطاليا إلى برقة.

وفي 6 أبريل 1929 كان اجتماع الشليوني بالمرج, ثم اجتماع القصور الذي حدث في 20 أبريل 1929, ثم لقاء أوَّل مايو 1929 في قندولة, الى الاجتماع الساخن المنعقد بنجع علي باشا العبيدي بالقيقب بتاريخ 19 مايو 1929, ويليه اجتماع 26 مايو بنفس المكان, ثم اجتماع عقبة المرج (الشليوني) الثاني المنعقد في 13 يونيو. وخلال كل هذه الاجتماعات كانت مطالب المختار تصب في اتجاه واحد وهو إصراره على تبعيته للسيد (ادريس), وتمسكه بالمطالب التي تؤدي إلى المحافظة على بقاء (الكيان السنوسي).

وفي التاسع عشر من يونيو 1929, انعقد لقاء القمة في حصن سيدي ارحومة الواقع على مسافة ستَّة كيلومترات من مدينة المرج, كان بادوليو يأمل في أن لا يتعدَّى هذا اللقاء مجرَّد استسلام بسيط من عُمر المختار أمام أكبر ممثِّل للسلطة الإيطاليَّة في ليبيا, ولكن المختار كان له رأي ثان, وسيتضح من خلال بيانه الذي أصدره عقب انهيار هذه الهدنة.

ولمَّا كان عُمر المختار يرى نفسه ممثِّلًا لرئيس دولة ذات سيادة، فقد أصدر إعلانه هذا الذي تحدَّث فيه باسم الأمَّة الطرابلسيَّة البرقاويَّة الممثِّلة في أميرها (السيِّد إدريس السنوسيِّ)، ولخَّص المختار في هذا الإعلان الذي نشره باسمه في الصحف المصريَّة والشاميَّة وأحدث صدًى واسعًا في العالم العربيِّ والإسلاميِّ جملة ما دار بينه وبين الإيطاليِّين خلال هدنة استمرَّت قرابة سبعة أشهر.

(نصُّ البيان):

«في ابتداء 1348 وأواسط 1929 خاطبتني الحكومة الإيطاليَّة بلسان ممثِّلها سعادة الوالي الماريشال (بادوليو) بتوقيف رحى الحرب، وتقديم مطالبنا، وتعيين محلٍّ لمقابلة دولته، فحصل ذلك وتقابلنا بـ(سيدي ارحومة)، واتَّفقنا على عقد هدنة مدَّتها شهران يراسل كلٌّ منَّا (مرجعه)، وفي أثناء المقابلة طلب منِّي تقديم مطالبنا، وقال لي: إنَّه مستعدٌّ لإرجاع (أميرنا) السيِّد محمَّد إدريس السنوسيِّ إلى برقة إذا كنَّا نرغب ذلك، ومن جملة شروط الهدنة التي قدَّمناها ما يلي:

1. العفو العامُّ عن جميع المجرمين السياسيِّين، سواء أكانوا داخل القطر أو خارجه، وإطلاق سراح المسجونين لأسباب سياسيَّة.

2. سحب كلِّ النقط المستجدَّة أثناء حرب 1340، ونقطتي جغبوب وجالو.

3. مدَّة الهدنة شهران وقابلة للتجديد.

فقَبِل (سعادة الماريشال) هذه المطالب، ووعد بتنفيذها.

وقبل انتهاء الشهرين أخبرت (سعادة الوالي) بواسطة وكيله الكوالير (سيشلياني) بأنَّ كلَّ الزعماء الوطنيِّين قد اتَّفقوا على انتخاب (أميرنا) السيِّد محمَّد إدريس السنوسيِّ، وهو ينتخب معه الرجال الأكْفَاء من أبناء طرابلس وبرقة؛ لتولِّي المفاوضة مع الحكومة على مطالب الأمَّة الطرابلسيَّة البرقاويَّة المنحصرة في ميثاقها القوميِّ، وهو:

1. تأليف حكومة وطنيَّة ذات سيادة قوميَّة لطرابلس وبرقة، يرأسها زعيم مسلم تختاره الأمَّة.

2. دعوة جمعيَّة تأسيسيَّة لسنِّ دستور للبلاد.

3. انتخاب الأمَّة مجلسًا نيابيًّا حائزًا على الصلاحيَّة التي يخوِّله إيَّاها الدستور.

4. اعتبار اللغة العربيَّة اللغة الرسميَّة في دواوين الحكومة والتعليم.

5. المحافظة على شعائر الدين الإسلاميِّ وتقاليد القُطر في جميع أرجائه.

6. العناية بالأوقاف وإدارتها من قِبل لجنة إسلاميَّة منتخبة.

7. العفو العامُّ عن جميع المشتغلين بالسياسة داخل القُطر وخارجه.

8. تحسين العلاقات بين الأمَّة الطرابلسيَّة البرقاويَّة والدولة الإيطاليَّة بمعاهدة خاصَّة يقرُّها الطرفان ويصدِّقها المجلس النيابيُّ.

وطلبتُ من الحكومة أن تراسل سيادة السيِّد (محمَّد إدريس السنوسيِّ) حالًا لاتِّخاذ الطرق المؤدِّية لإنهاء الحالة الحاضرة بأحسن منها فوعدني سعادته خيرًا.

وقبل انتهاء الشهرين طلبوا تجديد الهدنة بدعوى أنَّ الوالي سافر إلى (روما) لعرض الأمر على الحكومة، وإلى الآن لم يحضر، وهكذا مُدِّدت الهدنة عشرة أيَّام، ثمَّ عشرين يومًا حتَّى (20 جماد الأولى 1348), ولم تعد قابلة للتجديد.

والآن الهدنة على وشك الانتهاء ولم أتلقَّ ردًّا من الحكومة عن عزمها بمراسلة (أميرنا) المشار إليه بأمر الصلح، وفعلًا رأيت أن أخوض غمار الحرب وأن لا أركن إلى أيِّ محادثة أو واسطة، ولو من العائلة السنوسيَّة، إلَّا (من اتَّفقت عليه الأمَّة وأودعته ثقتها).

ولكن لا أدري لمَ تتجنَّب الحكومة الإيطاليَّة مراسلة (الزعيم المشار إليه) مع علمها تمامًا أنَّ الحلَّ والعقد (بيده) فلو كانت تركن إلى الصلح حقيقة لما تردَّدت لحظة واحدة في (مراسلته).

فليعلم كلُّ مجاهد إذًا أنَّ غرض الحكومة الإيطاليَّة هو بثُّ الفتن والدسائس بيننا لتمزيق شملنا وتفكيك أواصر اتِّحادنا لتتسنَّى لها الغلبة علينا واغتصاب كلِّ حقٍّ مشروع لنا، كما حدث كثير من هذا خلال الهدنة، وليشهد العالم أجمع أنَّ نيَّاتنا نحو الحكومة الإيطاليَّة شريفة، وما مقاصدنا إلَّا المطالبة بالحرِّيَّة، وأنَّ مقاصد إيطاليا وأغراضها ترمي إلى القضاء على كلِّ حركة قوميَّة تدعو إلى نهوض الشعب الطرابلسيِّ البرقاويِّ وتقدُّمه.

ومع ذلك لا يمكننا أن نقول إن جميع الشعب الإيطاليِّ يحبِّذ فكرة الحرب، وخصوصًا في الوقت الذي تتساهل فيه الأمم الأخرى مع الشعوب الشرقيَّة، بل لا تخلو إيطاليا من رجال سياسيِّين يميلون إلى السلم، ويقدِّرون مصلحة بلادهم، ويعرفون ما تجرُّه الحرب من ويلات ودمار.

كما أنَّ فيها جماعات يريدون القضاء على الشعب الطرابلسيِّ البرقاويِّ بأيِّ وجه كان، وهيهات أن يصل الأخيرون إلى غرضهم هذا ما دامت لنا قلوب تعرف أنَّه في سبيل الوصول إلى الحرِّيَّة يجب بذل كلِّ مرتخص وغالٍ.

وها نحن الآن ندافع عن كياننا، ونبذل دماءنا الزكيَّة فداء للوطن وفي سبيل الوصول إلى غايتنا المنشودة، لهذا نحن غير مسؤولين من بقاء الحالة الحاضرة على ما هي عليه حتَّى يثوب أولئك النزَّاعون إلى القضاء علينا إلى رشدهم، ويسلكوا السبيل القويم، ويستعملوا معنا الصراحة بدل المهادنة والخداع.

16 جماد الأولى 1348.

(قائد القوَّات الوطنيَّة في ساحة الحرب الطرابلسيَّة البرقاويَّة)

(عُمر المختار).

***

إذًا، لقد أدرك الإيطاليُّون من خلال هذا الإعلان شيئًا في غاية الأهمِّيَّة وهو أنَّ السيِّد إدريس ما زال في نظر رجاله أمير القُطر غير المنازع حتَّى وان ألغت إيطاليا اعترافها بذلك.

هذا ويعلِّق غراتسياني على المنشور السابق قائلًا:

«وإنَّ مثل هذه الوثيقة التي تحمل تاريخ العشرين من أكتوبر عام 1929، الموافق السادس عشر من جمادى الأولى عام 1348 والتي قام عُمر المختار بتسليمها إلى إدارة جريدتي الأخبار والمقطَّم القاهريتيَّن حتَّى تصبح حقًّا مباحًا للجميع، وغنيٌّ عن البيان أنَّ الوثيقة كانت قادمة حسبما يبدو فحسب من الجبل الأخضر حيث زعيم الثوَّار الذي لم يكن شيئًا آخر سوى اليد الطولى لمحمَّد إدريس السنوسيِّ، إلَّا أنَّها في الواقع كانت قد أُعدِّت من قبل بمنزل هذا الأخير (إدريس) بالقاهرة الذي كان دائمًا الوكر الأكبر لدسائس السنوسيَّة ضدَّنا».

والخلاصة

وتعليقًا على قول غراتسياني هذاأنَّه لا فرق في الحالتين، فسواء كان الذي أعدَّ هذا الإعلان هو (الأمير إدريس) نفسه كما ذهب إليه غراتسياني ومعظم الكتَّاب الإيطاليِّين وكما يبدو فعلًا، أو كان الذي أعدَّه ونشره حقيقة هو (عُمر المختار)، فالبيان واضح بذاته ويُظهر القدر العالي من التنسيق الذي كان بين عُمر وأميره إدريس.

***

مما لا تعرفه عن مرجعيّة عمر المختار ورؤيته

كان عُمر المختار يرى نفسه ممثِّلًا لرئيس دولة ذات سيادة, وكان يصدر جميع أوامره العسكرية وترقيات جنوده وبياناته باسمها، ومنذ بيعة قيادات الجهاد الطرابلسي للسيد إدريس في 28 يوليو 1922 صار شيخ الشهداء يرى وبدون مواربة أن دولته السنوسيّة تشمل طرابلس وبرقة, وهو ما أوجزه بوضوح في بيانه الذي أعلنه في 20 أكتوبر 1929؛ منذرًا بانهيار هدنته مع الايطاليين التي امتدت سبعة أشهر؛ وتحدَّث فيه باسم الأمَّة الطرابلسيَّة البرقاويَّة الممثِّلة في أميرها السيِّد إدريس السنوسيِّ“, وقال فيه:

أن كل الزعماء الوطنيين قد اتفقوا على انتخاب أميرناالسيد محمد إدريس السنوسي, وهو ينتخب معه الرجال الأكفاء من أبناء طرابلس وبرقة, لتولي المفاوضة مع الحكومة على مطالب الأمة الطرابلسية البرقاوية المنحصرة في ميثاقها القومي“.

والذي جاء في مادته الأولى:

تأليف حكومة وطنيَّة ذات سيادة قوميَّة لطرابلس برقة، يرأسها زعيم مسلم تختاره الأمَّة“.

كما جاء في المادة الثامنة منه:

تحسين العلاقات بين الأمَّة الطرابلسيَّة البرقاويَّة والدولة الإيطاليَّة بمعاهدة خاصَّة يقرُّها الطرفان ويصدِّقها المجلس النيابيُّ“.

والذي وقعه في الختام بصفته:

(قائد القوَّات الوطنيَّة في ساحة الحرب الطرابلسيَّة البرقاويَّة)

(عمر المختار)

انتهى.

***

الصورة: بعد انفضاض اجتماع سيدي ارحومة بين عمر المختار والمارشال بادوليو. يُرى: المترجم عبدالله بالعون متحدِثًا إلى عمر المختار, ثم والي برقة دومينكو شيشلياني, ثم الحاكم بيترو بادوليو, وإلى اليسار الحسن الرضا السنوسي.

___________

المصدر: صفحة الكاتب على الفيسبوك

مقالات