الشيخ أحمد البان
يرى مؤلف كتاب (المؤمن الصادق) أن: “الحركة الشعبية يخطط لها رجال الكلمة، ويظهرها إلى حيز الوجود القادة الثوريون، ويحافظ على بقائها الرجال العمليون“، القادة الثوريين، هم الذين يستطيعون إحداث بداية جديدة في الحركات الشعبية، إنهم هم الذين يظهرونها للوجود الفعلي، ويصنعون بينها وبين الماضي قطيعة كاملة، الثوري بطبيعته يرى أنه “من المستحيل أن تكون هناك بداية جديدة والنظام القديم يزاحم على الأرض“.
استطاعت الحركة الإسلامية خلال قرن كامل أن تحقق أهدافها الكبرى؛ تصحيح المفاهيم عن الدين والتدين، إعادة الأمّة إلى الاعتزاز بهويتها الإسلامية، تحصينها من الاختراق الفكري الغربي، إقناعها عقليًا وتأجيج مشاعرها عاطفيًا تجاه القضايا الكبرى للأمة، فضح الأنظمة العميلة التي تركها الاستعمار، وتعريتها داخليًا وخارجيًا، والأهم من ذلك أن الأمة أستلمت زمامها كاملًا، وقد كان لرجال الكلمة من الدعاة والمثقفين والمفكرين الدور الأبرز في هذه المرحلة، كما كان للرجال العمليين دور بارز في حماية هذه المكتسبات والمحافظة عليها،
لكن ماذا بعد؟
تحتاج الحركات الإسلامية لمواجهة هذه التحولات إلى قادة قادرين على مواكبة هذه اللحظة الحاسمة من تاريخ الأمة، وإن أي تأخر في الاستجابة لنبض هذه الجماهير الهادرة سيؤدي إلى كارثة
أصبحت الأمة –أعني بالأمة الشعوب لا الأنظمة– الآن جاهزة لخوض غمار مرحلة جديدة، أصبحت الجماهير متقدمة على قادتها، وقد ظهرت ملامح ذلك التقدم الجماهيري منذ انطلاقة الربيع العربي، وأصبحت أكثر وضوحًا بعد طوفان الأقصى.
فالمتابع الحصيف لتفاعل جماهير الأمة منذ الطوفان يدرك أنها مستعدة لخوض معركة التحرير الكبرى في كل شبر من جغرافيتها الفسيحة، ولكنها ما تزال مكبلة بقادة الحركات “العمليين“، أي ذلك النمط من القادة الذين يستطيعون الحفاظ على الوضع القائم، ولكنهم غير قادرين على إحداث التغيير الذي نضجت ظروفه.
تنظر جماهير الأمة اليوم إلى معركة غزة نظرة المحترق للمشاركة الفعلية، وما من مسلم اليوم إلا لديه استعداد ظاهر أو كامن للمساندة بالمال والاعتصام والتظاهر في كل مكان.
ولكن هذه الجماهير المحترقة لحال إخوتها في غزة، والمستعدة لفعل كل شيء في سبيلها؛ ترى ارتباكًا في قادتها الحاليين يحرمها التحفيز والتنظيم اللازمين لتحويل مشاعرها إلى أداء ثوري ميداني.
تحتاج الحركات الإسلامية لمواجهة هذه التحولات إلى قادة قادرين على مواكبة هذه اللحظة الحاسمة من تاريخ الأمة، وإن أي تأخر في الاستجابة لنبض هذه الجماهير الهادرة سيؤدي إلى كارثة، وسيكون المتضرر الأكبر منه هو الحركة الإسلامية التي فوتت الفرصة السانحة، وقد نبه كثيرون إلى خطر تأخر القائد عن اللحظة التاريخية، حيث في غيابه: “يظل التذمر الذي أثاره رجال الكلمة المعارضون بلا هدف، ويمكن أن يتبدد في اضطرابات لا غاية لها يسهل القضاء عليها“.
يحلم شباب الأمة بذلك اليوم الذي ستنزل فيه قيادات الحركات إلى شوارع دولها رافعة شعار الالتحام الحقيقي مع إخوتها في غزّة، ومستعدة لدفع الثمن من أجل كنس بقايا الثورات المضادة
إن لكل مرحلة قيادة تناسبها، وطبيعة الإنسان عصية على التغيير، فلا يمكن للرجل العملي أن يتحول إلى رجل ثوري، وإذا حدث ذلك بفعل ظروف ما، فإنه لا يلبث أن يعود إلى طبيعته الأصلية.
نحتاج إذًا قادة، يستجيبون لمعطيين مهمين:
أحدهما تطلعات جماهير الأمة وشبابها الطامح للتغيير والمتذمر من حالة الخنوع التي تمر بها قيادة الأمة، والتي أَبْرَزَها الطوفان بشكل لافت،
والثاني المنعطف الحاد الذي أوصل إليه الطوفان مستوى الصراع بين الأمة وأعدائها، وليس اكتشافًا ولا سبقًا أنه أصبح من المستحيل أن يعود الوضع إلى ما قبل الطوفان.
فالواضح أن أميركا ومِن ورائها الغرب لم تعد ترى أن كتائب القسام خطرٌ على إسرائيل ووجودها فقط، بل أصبحت تراها خطرًا على أميركا ذاتها، وعلى مشاريعها التوسعية وهيمنتها العالمية.
***
الشيخ أحمد البان ـ مدون متخصص في الدراسات المصطلحية والنقدية
___________