عبد الهادي شماطة

تاريخ ليبيا لا شك أنه يحمل صفحات مضيئة، به رجال سطّروا أحرف عديدة كُتب بها تاريخ المجد والعطاء والنضال وتاريخ العطاء الفكري والفقهي من علماء قد يذكرهم غيرنا ولا نتذكر تاريخهم نحن.

فقد ابتُلينا في صفحاتنا السوداء بأعداء الحرية والثقافة والفكر، ممن عملوا على مسح ذاك التاريخ ولم تكن جهودهم في فيلم عمر المختار إلا لطمس كل الآخرين وليس فقط لإبراز شيخ الشهداء.

وهو يستحق كل ما ناله من مكانة رفعته إلى أن يكون دليل الشعوب للحرية ولكنها أخفت رجال حوله منهم عبد الحميد العبار والفضيل بوعمر وبورحيل.

وأخفت عمر فائق شنيب تلك القامة العظيمة والتي آثرت بيع ما تملك لشراء تذاكر سفر للوفد الذي يسعى إلى استقلال ليبيا في الأمم المتحدة والذي رسم علم الاستقلال بيده .

وحاولوا أن يوصِموا الشارف الغرياني بالخيانة كذبا وزورا وقد برئه الشيخ عبد الحميد العبار من ذلك وليوقِعوا الفتنة وأهلها في كل حين جاهزون.

وأخفت جهود الليبيين الذين أسسوا الجيش الليبي بمصر جيش التحرير وغيبوا كل خير وفضل للحركة السنوسية وجامعتها الشامخة بمدينة البيضاء ضياء الجبل على بلادنا.

وأخفت رجال الغرب الليبي ونضالهم ورجال فكرهم وثقافتهم أمثال الباروني وفكيني والسويحلي وبشير السعداوي والطاهر الزاوي والشيخ الشارف الغرياني.

أخفت تراثا فكريا وثقافيا وتراثا فقهيا حملته الزوايا المباركة في زليتن ومصراتة ومسلاتة وجبل نفوسة.

وأخفت تاريخ مدينة طرابلس والتي لا يعلم الكثير أنها تسبق القاهرة وبغداد في التاريخ.

فمن يذكر اليوم رجال الدولة مثل الدكتور محي الدين فكيني الذي استقال لأجل دماء أبناء بنغازي مطالبا بالقصاص ممن قتلهم.

ومن يذكر عبد الحميد البكوش وسعيه لبناء الهوية وصناعة مجتمع متمدن.

وجعلوا طرابلس مدينة يذكرها الناس بالسجون ومجزرة بوسليم وهي في الأصل مدينة الياسمين، أرض الزهر والحنة والمتاحف والمكتبات العريقة.

وأين تاريخ بنغازي ورجالها ومن يدركه اليوم.

أين جميعة عمر المختار ورجالها وأين الشيخ مصطفى بن عامر وشعرائها رفيق والشلطامي.

وأين جريدة الحقيقة وأين سوق الظلام وسوق الحدادة والشيخ الصفراني ومكتبة الخراز وكلية الحقوق وكلية الآداب ومن يعرف كل ذلك من أبنائنا.

لقد زوروا تاريخ الجهاد.. نعم مسحوا كل تاريخنا المشرف ليعلموا الآجيال أنهم بداية التاريخ وأن اتصال وطننا بالفكر والثقافة يبدأ منهم ومن ترهاتهم وهرطقاتهم وتفاهاتهم هم وصبيانهم.

لقد شنقوا وقتلوا وعذبوا ورموا بجثث الشرفاء في البحر وزورا مناهج الدراسة وفعلوا كل ما يجول في عقل الشيطان بل وتجاوزوه ولكن شعبنا داسهم بأقدامه وسيدوس كل معتد أثيم.

تلك شهدناها نحن وستقرأ الأجيال كيف انتفض شعبنا لكرامته يوما.

لنا تاريخ يجب أن ننزع عنه الغبار لا بد أن نعيد الثقة إلى شعبنا المحبط الذي حاول البعض أن يوهمه أنه شعب جاهل متخلف وأنه عبء على البشرية بينما هذا الشعب عُذب ونُكّل به واحتُقر واستُعبد بطريقة ربما لا تصدق.

في أكثر من خمسين عاما، حاولوا أن يرسخوا فيه قناعات أنه شعب قبلي متخلف لا يستطيع أن يساير الحياة وليس لديه قيم أو أعراف بل ويحتاج الانتداب.

واستدعوا لذلك أراذل الناس وحقرائهم وهم نسبة في كل شعب وجعلوا أعزة أهلنا أذلة.

لقد نشروا الرعب وتعلم الناس الذّل والرضوخ قصرا فشعبنا لم يكن يوما ذليلا، تحمل المعتقلات والبعض قاوم بالسلاح والبعض قاوم بعدم الرضوخ.

اقول إننا بالرغم مما نحن فيه من مأساة عظيمة بلادنا مفككة ومستقبلنا غامض إلا أننا بخير في قيمنا وفي أعرافنا وديننا.

بالرغم من الحرب الضروس والمؤامرات التي تخوضها كل القوى الدولية ضدنا والتي لا ترى مصلحة لها في استقرارنا.

وساء بنا الحال حتى أصبحت بعض دويلات الخليج التافهة التاريخ والمحتوى تتدخل في شؤوننا وكذلك بعض الأبواق المحلية المتخلفة والتي تذكي الفتنة بيننا تارة بسبب الكرة وتارة باسم التوجهات الدينية العبثية وتارة باسم القبلية والجهوية.

وانتقلت حتى داخل الجهويات والقبائل حرب إعلامية ضد أهلنا شرقا وغربا وجنوبا إذاعات تنشر الفتن وتكفّر البعض.

نحن اليوم نحتاج الهدوء ونحتاج دعم قيمنا والتجاوز عن أخطاء بعضنا وأن ننشر الحب والأخوّة بيننا وأن نقاوم أعداء الحرية وأنصار الاستبداد أدعياء القبلية والجهوية وأن نصدع بكلمة حق ضد من يعمل لخراب عيشنا وإضاعة وطننا.

ألا نتخذ من هَدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في التسامح والعفو منهجا لنا.

ألا يكون ميثاق الحرابي هديا لنا؟

ألا نتمثل بأولئك الذين اجتمعوا في مسلاتة ليعلنوا أول جمهورية في العالم العربي؟

أليس جهاد أحمد الشريف وتراث السنوسية وعمر المختار ورجال كل قبائل الجبل الأخضر ورجال مصراتة وزليتن وغريان وجبل نفوسة وبن وليد وتضحيات بشير السعداوي ومصطفى بالاسعاد تراثا يجب أن نرتفع به عن الصغائر فلا ينظر بعضنا لبعض بالدونية.

أيها العقلاء

وطنكم في خطر فالذئاب تحيط بنا وكلاب الحي تنبح علينا في حلف مع الذئاب.

ليس لنا صديق إلا أنفسنا.

ألا نستيقظ فنحن يجب أن نعترف أننا لسنا نيام بل على مشارف الموت.

لكن إرادتنا يجب أن تنتصر بإذن الله.

_____________

مقالات