الحبيب الأسود

مخاوف من استعمال القانون الجديد في تصفية الحسابات مع منتسبي الطرق الصوفية النشطة في ليبيا. أصدر مجلس النواب، الأربعاء، القانون رقم 6 لسنة 2024 في شأن تجريم السحر والشعوذة والكهانة وما في حكمها، الذي أقره في وقت سابق خلال جلسة عقدت في مقره بمدينة بنغازي في 9 يناير الماضي.

ويجامل البرلمان بهذه الخطوة التيار السلفي الذي تغلغل في شرق ليبيا وخاصة داخل الجيش حيث يسيطر سلفيون متشددون يطلق عليهم المداخلةعلى عدة كتائب.

وجاء القانون، في فصلين و13 مادة، وتضمنت مواد الباب الأول من القانون تعريف المصطلحات التي يتضمنها القانون، التي تقع في إطار جريمة السحر والشعوذة والكهانة، والأفعال التي يعاقب عليها القانون في هذا الشأن، وآلية إثبات الجريمة.

وطالب المجلس الجهات الضبطية المختصة العمل بجد وإخلاص في مكافحة ما وصفها بالآفة الخطيرة التي سببت الضرر بأغلب أفراد المجتمع.

وأوضح المكتب الإعلامي وغالبا لا تعمل الأنظمة القضائية على منع انتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بالسحر والشعوذة والمعتقدات ذات الصلة أو التحقيق فيها أو مقاضاتها أن العقوبات التي أقرها القانون تبدأ من 3 سنوات إلى حكم بالإعدام على من تثبت عليه التهمة.

ويرى مراقبون، أن القانون الجديد المثير للجدل، جاء بمصطلحات ومفردات الجماعات السلفية المؤثرة في مواقع القرار السياسي سواء في غرب البلاد أو في شرقها، والتي تتحالف مع قيادة الجيش بالمنطقة الشرقية، وتجد لديها مجالا فسيحا لتنفيذ أجنداتها المتشددة.

ويخشى المراقبون، أن يتم استعمال القانون الجديد في تصفية الحسابات مع بعض التيارات التي تتعرض للتكفير المباشر من قبل التيار السلفي، وفي مقدمتها منتسبو الطرق الصوفية النشطة في ليبيا، لافتين إلى أن مجلس النواب سعى إلى مجاملة التيارات السلفية المتشددة بقانون يستند إلى مفردات تجاوزها الزمن ولم تعد تنسجم مع التطور الذي سجله العقل البشري والمجتمعات المتقدمة التي رسخت أقدامها في الحضارة الإنسانية.

وسبق لهيئتي الأوقاف في بنغازي وطرابلس، أن شددتا على أن يطبق في القانون المعتمد، المشهور من مذهب الإمام مالك رحمه الله فيما لم يرد في شأنه نص في هذا القانون، وعلى أن كل من حكم عليه بالقتل بموجب نص المادة 5 من هذا القانون تضمن سحره كفرا لا يغسل ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن بمقابر المسلمين.

وكانت اللجنة العليا للإفتاء في شرق البلاد كانت أصدرت في الأيام الماضية فتوى مثيرة للجدل، تحت عنوان “حد الساحر وعقوبة من يتعامل معه أو يدافع عنه”.

ونصت هذه الفتوى على أن الحد الواجب على من يزاول نشاطات السحر “ضربة بالسيف”، وخلصت إلى أن “من يأتي الساحر، ليضر الآخرين فإنه يعزر تعزيرا شديدا رادعا حتى لو وصل إلى قتله بحسب إضراره”.

ولم تستثن الفتوى من قالت إنهم “يدافعون عن السحرة بأي اعتبار، ويحاولون عرقلة عمل أولئك المجاهدين في جهاز مكافحة السحرة، فإنهم غالبا لا يخرجون عن الصنفين السابقين، وسواء كانوا منهما أو لا، فالواجب ردعهم هم أيضا بأشد العقوبات حتى ينتهوا”.

وبحسب القانون الجديد، يعاقب الساحر بالقتل إذا ثبت أن سحره تضمن كفرا، أو ترتب عن سحره قتل نفس معصومة، كما يمكن للقاضي أن يحكم وفق ما توفر لديه من حيثيات قانونية بإحدى العقوبات الآتية: القتل، أو السجن المؤبد، أو السجن لمدة لا تقل عن خمس عشرة سنة، مع غرامة قدرها مائة ألف دينار.

ويعاقب الكاهن بالسجن مدة لا تقل عن عشر سنوات ولا تزيد عن خمس عشرة سنة وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف دينار، ولا تزيد عن سبعين ألف دينار، ويعاقب المشعوذ بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، ولا تزيد عن خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف دينار، ولا تزيد عن خمسة عشر ألف دينار.

ويعاقب كل من ادعى القدرة على القيام بأعمال السحر أو الكهانة، أو هدد أحدا بها وإن لم يكن على سبيل الحقيقة بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، ولا تزيد عن خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف دينار، ولا تزيد عن خمسة عشر ألف دينار.

ويعاقب بالسجن مدة لا تقل عن عشر سنوات ولا تزيد عن خمس عشرة سنة، وبغرامة مالية لا تقل عن خمسين ألف دينار، ولا تزيد عن خمسة وسبعين ألف دينار، كل من علم أو تعلم السحر أو الكهانة بأي وسيلة كانت، أو طلب أعمال السحر والكهانة بواسطة أو من دونها، بمقابل أو من دونه، وبأي وسيلة كانت.

كما يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ثماني سنوات ولا تزيد عن أربع عشرة سنة، وبغرامة مالية لا تقل عن أربعين ألف دينار، ولا تزيد عن ثمانين ألف دينار كل من دعم السحرة أو الكهنة أو المتعاونين معهم بأي شكل من الأشكال أو وسيلة من الوسائل أو جلب السحرة أو المشعوذين أو الكهنة أو آواهم أو تستر عليهم هم وأعوانهم، أو أسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في ارتكاب أعمال السحر أو الكهانة، وكل من لم يبلغ عنهم، أو روج أو نشر لصالحهم من خلال التأليف أو المنصات الإلكترونية أو الإعلامية، أو أي وسيلة من وسائل الدعاية والإعلان.

ويعاقب كل من استورد الأدوات الخاصة بالسحر أو أعان على توفيرها، أو حازها أو اقتناها ولو لغرض النقل أو الوديعة بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تزيد عن عشر سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف دينار، ولا تزيد عن سبعين ألف دينار.

ووفق المادة 13 من القانون، يتم تشكيل لجنة مختصة بقرار من وزير العدل بالتنسيق مع الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية تختص بتحديد مدى اعتبار الفعل من أعمال السحر أو الشعوذة أو الكهانة.

وتعرف المصطلحات الواردة في هذا القانون وفق المعاني المبينة أمامها بهذه المادة، فالسحر هو كل عمل مخالف للشريعة يقصد به التأثير في البدن أو القلب أو العقل، باستخدام رقى أو تمائم أو عقد أو طلاسم أو أدخنة، والكهانة هي ادعاء علم الغيب ومحاولة التبصر بما تكتمه الضمائر بأي وسيلة كانت وتدخل فيها العرافة والتنجيم ونحو ذلك، أما الشعوذة فهي استعمال الحيلة، أو خفة اليد في أفعال عجيبة يظنها من يراها حقيقة وهي ليست كذلك، لمحاولة استغلال الناس أو التأثير على عقائدهم.

والطلسم هو أسماء وكلمات وأحرف وأرقام وخطوط وجمل وجداول ورموز ومربعات يكتبها السحرة وتكون مجهولة المعنى لغيرهم في الغالب، وتكتب عادة على ورق أو جلود، وقد تكون منقوشة على أحجار أو خرزا، أو غير ذلك.

ويشير تقرير صادر عن مكتب المفوض السامي لحقوق الأنسان بالأمم المتحدة، إلى أن «المعتقدات والممارسات المتعلقة بالسحر والشعوذة أدت في عديد البلدان إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بما في ذلك الضرب والإقصاء وقطع أعضاء الجسم وبتر الأطراف والتعذيب والقتل»، مبرزا أن «النساء والأطفال وكبار السن وذوي الإعاقة ولاسيما من الأشخاص ذوي المهق هم الأكثر عرضة لهذه المخاطر.

وعلى الرغم من خطورة انتهاكات حقوق الإنسان هذه، ما من رد صارم من الدولة عليها في الكثير من الأحيان. وغالبا لا تعمل الأنظمة القضائية على منع انتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بالسحر والشعوذة والمعتقدات ذات الصلة أو التحقيق فيها أو مقاضاتها. وبالتالي، يكرّس هذا الفشل المؤسسي الإفلات من العقاب».

___________________

مقالات

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *