داود علي

في الحبوس، أقدم وأعرق أحياء الدار البيضاء، عاصمة المغرب الاقتصادية، استضاف الملك محمد السادس  لأول مرة اثنين من كبار مشايخ الطريقة السنوسية الليبية في خطوة أثارت تساؤلات عن مدى دعم الرباط لهم لحكم طرابلس.

وبين 28 مارس/ آذار ومطلع أبريل/ نيسان 2024، استضاف الملك المغربي رئيس مركز إيقاظ للدراسات السنوسية وإحياء التراث في ليبيا أحمد محمد جاد الله، والشيخ أمين صفي الدين شريف.

وتحدثت وسائل إعلامية منها مجلة إنتيليجنس أونلاينالفرنسية المتخصصة بشؤون الاستخبارات، خلال تقرير لها في 26 أبريل 2024، أن الملك المغربي بات يتقرب من قادة الطريقة السنوسية خلال الفترة الأخيرة، مع وجود تواصل خاص لحكومة الرباط معهم منذ عام 2020. 

وترتبط الطريقة السنوسية الصوفية تاريخيا بالعائلة المالكة الليبية، فملك ليبيا بين عامي 1951 و1969 إدريس الأول كان حفيد مؤسس الطريقة محمد بن علي السنوسي.

عودة مثيرة

وقد تزامنت دعوة ملك المغرب، مع عودة الأمير محمد الرضا السنوسي (سليل ملك ليبيا المنقلب عليه إدريس السنوسي) إلى الأضواء.

إذ أجرى الأمير السنوسي مقابلة مع صحيفة لوفيجاروالفرنسية في أوائل أبريل، وأعلن استعداده للعودة إلى العمل السياسي داخل ليبيا، مشيرا إلى اتصالات جيدة مع دول المنطقة.

وما بين إعلان الأمير الليبي واستضافة ملك المغرب لرموز الطريقة السنوسية، تتبدى أسئلة عن دعم المغرب للحركة، وعن الدور المستقبلي لها في ليبيا المضطربة والمنقسمة.

عندما نفذ الزعيم الليبي معمر القذافي انقلابه العسكري في مطلع سبتمبر/ أيلول 1969، بمعاونة مجموعة الضباط الوحدويين على الملك الليبي إدريس الأول السنوسي، سعى إلى طمس آثار الطريقة السنوسية تماما من الحاضر والتاريخ الليبي

ولعب القذافي آنذاك على وتر تعامل الملك مع بريطانيا، وصنف الصوفيين (خاصة الطريقة السنوسية) بأنهم عملاء للإمبريالية والرجعية

وذلك في محاولة منه لإزالة تحد سياسي مثلته السلالة السنوسية، خاصة في شرق ليبياوفي العقدين التاليين من حكمه، أمر الديكتاتور الليبي بتدمير عدد من الأضرحة ومصادرة الوقفيات الصوفية، خاصة المتعلقة بالسنوسيين.

لكن بعد قيام الثورة في 17 فبراير/ شباط 2011، ومقتل القذافي في سرت يوم 20 أكتوبر/ تشرين الأول من نفس العام، بدأت بقايا الطريقة في لملمة نفسها وجمع شتاتها انطلاقا من مدينة بني غازي

وظهر أول صوت لهم في 19 أبريل 2011 عندما اجتمع 12 رجلا من أبناء الطريقة داخل مسجد، وطالبوا بالديمقراطية والاعتدال وحق المشاركة السياسية للشعب.

تطور الأمر إلى أن انتشرت دعوات وسط الليبيين بعودة الملكية وأبناء الملك السنوسي للحكم مرة أخرى

دعوات متواصلة 

 ففي 2016، أطلقت مجموعة من الشخصيات السياسية وأعيان القبائل ما أسموه حراك العودة للشرعية الدستورية، ونظموا عدة تظاهرات في مدن طرابلس (غرب) وبنغازي وطبرق والبيضاء (شرق) طالبوا بعودة الملكية

وفي 7 يوليو/ تموز 2022، نشط بشكل أكبر، دعاة الملكية الدستورية عندما أقاموا نشاطا تحت عنوان المؤتمر الوطني لتفعيل دستور الاستقلال وعودة الملكية الدستورية لليبيا“.

وعد هؤلاء الأمير محمد الرضا السنوسي، هو الوريث الشرعي للعائلة الملكية الليبية، بعدما عينه والده حسن (ولي العهد) رئيسا للبيت الملكي قبل وفاته عام 1992.

وقد أعلن مؤتمر عودة الملكية، عقد ملتقيات في عدد من المدن بالمنطقة الغربية، على غرار طرابلس ومصراتة وترهونة.

تلك المدن الثلاث التي تمكن أنصار عودة الملكية الدستورية من عقد ملتقياتهم بها، تقع جميعها في المنطقة الغربية.

وهو ما يعكس صعوبة نشاطهم بالمنطقة الشرقية (مقر نفوذ الطريقة القديم) التي تسيطر عليها قوات اللواء الانقلابي المتقاعد خليفة حفتر، بالرغم من أن إعلان ميلاد المملكة الليبية المتحدة، جرى في بنغازي، عاصمة الشرق الليبي.

ولم يقتصر دعم عودة الملكية على شيوخ القبائل فقط، بل ضم أيضا حزب التكتل الاتحادي الفيدرالي، الذي لديه تمثيل في مجلس النواب بطبرق، وفي عام 2015 طالب البرلمان باعتماد دستور الاستقلال (جرى وضعه عام 1951 خلال العهد الملكي).

رد اعتبار 

وعملت السنوسية من خلال عدة مسارات حتى ترسخ أقدامها من جديد في ليبيا، منها ما حدث في 24 فبراير 2023، حيث طالبت عائلة السنوسي بحقها في استرداد ممتلكاتها وأوقافها، التي جرى مصادرتها خلال حكم القذافي.

والتقى إبراهيم الدرسي، رئيس لجنة الأوقاف والشؤون الإسلامية بمجلس النواب، وفدا من العائلة السنوسية، وتناول اللقاء موقف مجلس النواب من الوقف التابع للعائلة.

وقال الدرسي إن العائلة السنوسية تطالب أيضا بإلغاء القانون الذي جرى بمقتضاه مصادرة أملاكها، وإرجاع هذه الحقوق إلى أصحابها.

وهنا جاء دور الأمير محمد الحسن الرضا السنوسي، الذي أعلن في 25 ديسمبر/ كانون الأول 2023، خلال حديث مع صحيفة لوفيغاروالفرنسية، عقده مشاورات ولقاءات موسعة مع كل أطراف المجتمع الليبي.

وذلك من أجل الاتفاق على صيغة تمكن الشركاء من بدء عملية حوار وطني حقيقي وجاد، وصفه السنوسي بأنه يضع نصب أعينه مصلحة البلاد العليا بعيدا عن منطق المحاصصة وتفضيل المصلحة الضيقة للقليل على حساب الجميع“.

وعول السنوسي خلال حديثه على دعم القوى الدولية والإقليمية ليبيا لإجراء حوار وطني شامل يقوم على أساس المشاركة الواسعة وتحت المظلة الدستورية الوطنية

الدور المغربي 

كان يبدو من خلال إشارات سليل الملك السنوسي أنه يخاطب قوى إقليمية معينة يعول عليها دعم نشاطه ونشاط طريقته

وفي هذا الإطار علق الصحفي الليبي عمر الحاسي قائلا: “المغرب هو الأقرب والأكثر ثقلا فيما يتعلق بدعم الحركات الصوفية في شمال إفريقيا ومنها الطريقة السنوسية“. 

وأشار الحاسي لـالاستقلالأنه بحكم الثقافة الدينية فالطريقة السنوسية لها فرع كبير في المغرب والسنغال، وبعد سقوط الملكية في ليبيا فر كثير من شيوخ وأتباع الطريقة إلى تونس والمغرب وموريتانيا“.

وتابع: “هناك بعد آخر يتجاوز فكرة الطريقة نفسها إلى نظام الحكم، فمولاي الملك محمد السادس، يدعم السنوسية بوصفها نظاما ملكيا”.

وبين أن الملك “يؤطر لفكرة أن منظومة الحكم الملكي الدستوري المرتبط بالدين، هي الأمثل”.

ولفت إلى أن ما ينادي به أتباع السنوسية في ليبيا هو الوجه الآخر لنظام الحكم في المغرب، القائم على الملكية الدستورية، وأن يكون الملك هو أمير المؤمنين، الممثل للشرع والدين على نهج المتصوفة“.

وقد علقت مجلة إنتيليجنس أونلاينالفرنسية، على تلك الإستراتيجية في 10 فبراير 2024 قائلة إن الدولة المغربية حافظت دائما على حيوية العمق الروحي في توجيه علاقاتها الخارجية، وفاء لذاكرة إسلامية مشتركة مع شعوب الجوار خاصة الإفريقية“.

وكذا بالنظر إلى إمكانيات استثمار تلك الذاكرة في بناء تحالفات سياسية وإستراتيجية مع مجموعة البلدان التي تستقي مرجعياتها الروحية إلى حد بعيد من مراكز مذهبية وصوفية مغربية تحديدا في دول الشمال والساحل والغرب الإفريقي“.

 وأكملت: “هذه العلاقات اكتست في الآونة الأخيرة أبعادا جديدة مهمة، في سياق عودة الإستراتيجية المغربية القوية الرامية إلى التوغل نحو عمق القارة، والاتجاه نحو تعاظم رهانات المملكة الأمنية والسياسية وكذا الاقتصادية“.

وفي 6 يوليو/تموز 2022، أصدر الباحث المغربي سليم حميمنات، خلصت إلى أن اعتماد الملك المغربي الراحل الحسن الثاني على الصوفية كحركة إسلامية، ساعده في استثمار الوجه الشرعي للملكية بوصفها الإمامة الكبرى، والولوج إلى شمال وغرب إفريقيا“.

وأضافت أن ذلك شكل حبل الصلة مع العمق العربي والإفريقي المغربي، ولذلك حرص محمد السادس على بروتوكول أداء صلوات الجمعة في عواصم عربية وإفريقية مختلفة، واستقبال القادة الدينين، بمن فيهم زعماء الزوايا الصوفية، كالسنوسية والتيجانية والمريدية والقادرية وغيرها“.

وتعد ليبيا بحكم الجوار من البلاد الواقعة تحت تأثير الدبلوماسية الروحية المغربية، والتي يطلق عليها أحيانا دبلوماسية العارفين بالله، لذلك لم يكن غريبا أن تقدم دعمها للطريقة السنوسية للعب دور محوري في المستقبل الليبي.

تاريخ السنوسية 

وبإلقاء الضوء على السنوسية كحركة فهي طريقة دينية، أسسها محمد بن علي السنوسي عام 1837 وانتشرت في ليبيا وأجزاء من مصر والسودان والمغرب. لكن المحور الأساسي لها كان في ليبيا تحديدا واحة الجغبوب.

واعتمدت الحركة إبان نشأتها على تأسيس عدد كبير من الزوايا كانت بمثابة مساجد للصلاة ودورا للعلم ومكانا لإعداد المجاهدين والدعاة والنشاط الاجتماعي.

وقد كان القائد المجاهد ضد الاحتلال الايطالي لليبيا عمر المختار، أحد أبناء الحركة السنوسية ومعلما للقرآن الكريم في إحدى هذه الزوايا.

وعرفت السنوسية، منذ بدء الحركة حتى نهايتها، أربعة زعماء وقادة مصلحين تولوا أمورها ونشروا تعاليمها.

وهم: محمد بن علي السنوسي مؤسس الحركة، وابنه السيد المهدي، وأحمد الشريف، أما الرابع فهو الملك إدريس السنوسي

ولعبت السنوسية دورا كبيرا في الجهاد ضد الاستعمار الفرنسي في تشاد والسودان منذ 1901 إلى 1911.

كما أدى السنوسيون دورا مهما في القتال والجهاد ضد الإيطاليين في كل أنحاء ليبيا، منذ عام 1911 إلى 1940.

لذلك تعتمد الطريقة السنوسية على هذا التاريخ لتجديد وجودها وحكمها في ليبيا، ومع ذلك، لم تعلن أي دولة رسميا دعمها لعودة الملكية الدستورية إلى هذا البلاد.

وحتى إن طرحت الجزائر فكرة الاستعانة مؤقتا بدستور الاستقلال لتجاوز الانسداد، إلا أنها لم تعلن أو تلمح بأي شكل عن ترحيبها بعودة الملكية.

كما لم يصدر عن المغرب أي إعلان أو تلميح يرحب فيه بعودة الملكية إلى ليبيا، رغم دعمه وترحيبه برمز السنوسية.

ورغم أن الأمير محمد الحسن السنوسي، استقبل بالبرلمان الأوروبي عام 2011، بعد سقوط نظام القذافي، إلا أنه أيضا لم يحظ بدعم أي دولة أوروبية لإعادة النظام الملكي إلى ليبيا، غير أن عدة وسائل غربية في فرنسا وإيطاليا بدأت تطرح الفكرة مع انسداد أفق الحل.

_________________

مقالات

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *