ا.د. محمد بالروين
في الدول الحديثة، تُعرف الديمقراطية على أنها “حكم الشعب بالشعب ومن أجل الشعب”، هذا يعني أن مفهوم “الشعب” يجب أن يكون واضحاً ومتفق عليه، لأنّ عدم الاتفاق عليه يقود إلى تأسيس دولة فاشلة ومُفككة، ولتوضيح هذه المفهوم لعله من المناسب الإجابة على الأسئلة الآتية:
ما المقصود بــ “الشعب”؟
ما هي أهم مكونات الشعب؟
ما الفرق بين الشعب والامة؟
ما الفرق بين الشعب والسكان؟
وما الفرق بين الشعب والسكان الأصليين؟
أولا: ماهية الشعب
إن مفهوم “الشعب” كمصطلح اجتماعي قديم، أي كمجموعة من الأفراد يعيشون في مجتمع واحد له ثقافة وعادات وتقاليد مشتركة، إلا أن معناه السياسي حديث نسبياً ولا يوجد إجماع على تعريفه، فعلى سبيل المثال، لقد كان يقصد بمفهوم “الشعب” عند الإغريق سكّان مدينة أثيناً فقط، أي لا يشمل الأطفال، ولا النساء، ولا العبيد، ولا الأجانب المقيمين في المدينة، بمعنى آخر، يشمل الرجال الأثينيين البالغين الأحرار وأصحاب الأصول الأثينية فقط.
وبعد أن انتشرت الديمقراطية في الولايات المتحدة وأوروبا، في القرن التاسع عشر، استمر هذا الفهم لمصطلح “الشعب”، فعلى سبيل المثال، عندما تم اعتماد الدستور الأمريكي عام 1790م، كانت أول عبارة فيه: “We the People، نحن الشعب“، إلا أن هذه العبارة لم تشمل العبيد الذين كانوا يمثلون 20% من عدد السكان، ولا المرأة، ولا السكان الأصليين، ولا أصحاب الديانات الأخرى، واقتصرت على مجموعة عُرفت بــ:(WASP)، أي The White Anglo-Saxon Protestants، وهي مجموعة البيض البروتستانت الأنجلو– سكسونيين، أي مجموعة أغلبهم من أصل بريطاني، ومن طبقة الأثرياء ذو علاقات قوية ببعض.
واستمر هذا الوضع إلى القرن العشرين عندما اشتمل المفهوم السياسي “للشعب” أغلبية سكان البلاد، وأصبح بإمكان الأجانب المقيمين في هذه الدول أن يصبحوا مواطنين وفقاً لآليات قانونية يحددها دستور البلاد، وبذلك أصبح مفهوم الشعب يشمل كل المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم وهوياتهم الدينيّة والقومية والعرقية واللغوية والجهوية وغيرها.
ثانياً: مكونات الشعب
لكي يتحقق مفهوم الشعب بمعناه السياسي لا بد من معرفة عناصره الأساسية والتي لعل من أهمها:
-
المواطنة.
-
الوحـدة.
-
الحقوق.
-
المساواة.
-
العـدالة.
-
الدولة.
(1) المواطنة
لكي يتحقق المفهوم الحديث للشعب لا بد أن يتحقق عنصر “المواطنة” أي اعتبار الأفراد المُكونين للشعب مواطنين لهم حق المشاركة في أمور وطنهم، بمعنى آخر، لكي يتحقق معنى الشعب لا بد من تأسيس “دولة المواطنة”.
(2) الوحدة
لكي يتحقق المفهوم الحديث للشعب لا بد أن يتحقق عنصر “الوحدة” أي أن يتمسك المواطنون بوثيقة دستورية تجمعهم، وأن يكون هدفهم “الوحدة من خلال التنوع” أي تحقيق وتعزيز الوحدة الوطنية مع احترام ودعم كل مُكونات الوطن، بمعنى آخر، السعي للعيش في دولة موحدة تؤمن بالتنوع والتنافس والاختيارات المتعددة، فعلى سبيل المثال، لكي يتحقق معنى “الشعب الليبي” يجب ألا ننظر له على أنه يمثل جنس، ولا عرق، ولا لون، ولا إقليم واحد، وإنما يشمل كل مكونات المجتمع من عرب، وأمازيغ، وطوارق، وتبو، وشركس، وكراغلة، وقريتلية، وأواجلة، وأفارقة، وغيرهم، وأن كل هذه المكونات تعتبر جزء لا يتجزأ من “الشعب الليبي” ولكل منها الحق في التنافس لتحقيق “الحلم الليبي” المنشود.
(3) الحقوق
لكي يتحقق المفهوم الحديث للشعب لا بد أن تتحقق مجموعة من “الحقوق” أي لا بد أن يكون لكل مواطن امتيازات أساسية يضمنها له الدستور، ومن تم تعتبر قيم مترابطة وغير قابلة للتجزئة، وفي مقدمتها العدالة والحرية، والكرامة.
(4) المساواة
لكي يتحقق المفهوم الحديث للشعب لا بد أن يتحقق مبدأ “المساواة” أي لا يجوز التمييز بين المواطنين لأي سبب – كالعرق أو اللون أو اللغة أو الجنس أو الرأي السياسي أو المستوى الاجتماعي–، بمعنى آخر، ضرورة التأكيد على أن جميع المواطنين سواء أمام القانون ووفقا لأحكام الدستور.
(5) العـدالة
لكي يتحقق المفهوم الحديث للشعب لا بد أن يتحقق مبدأ “العدالة” لأنها أساس كل نظام يريد النجاح والاستقرار والأمان، ولأنها المؤشر الحقيقي لممارسة الديموقراطية، ولكي يتحقق هذا العنصر لا بد من دسترة معايير وآليات وضوابط لتحقيقها بشكل مناسب.
(6) الدولة
وأخيرا، لكي يتحقق المفهوم الحديث للشعب لا بد أن يتحقق مفهوم “الدولة” أي ضرورة إيجاد كيان سياسي مستقل لا يقبل التجزئة، بمعنى أن قيام الدولة ضرورة لتحقيق مفهوم الشعب، فهي الوعاء الذي تنصهر فيه روابط الانتماء والولاء والإحساس بوجود تقارب بين المواطنين، وبمعنى آخر، ضرورة إدراك أنه لا يمكن قيام دولة بدون شعب، ولا وجود شعب بلا مواطنين، ولا تحقيق مواطنة بلا جنسية.
…
يتبع
__________________