العميد : صلاح الدين أبوبكر الزيداني
التساؤلات والدوافع والضوابط
هناك بعض التساؤلات التي تدور في عقول أبناء الوطن ومن الطبيعي أنت تراودهم هذه التساؤلات وهي :
من يشرع للقوة العسكرية أن تتحرك للقتال ؟
الإجابة: هي من حق واضعي عقيدة الدولة في جانبيها السياسي والعسكري وعادة ما تكون السلطة السياسية العليا في البلاد التي تقرر حالة إعلان الحرب وفق الاجسام السياسية التي تصنع القرار في الدولة.
ومتى يحق لها فعل ذلك ؟
الإجابة: هي من حق القيادات والمسئولين عن عقيدة الدولة في جانبها السياسي حيث تحدد الاخطار والمسائل التي تستدعي التحرك ومباشرة القتال ليتحدد بعدها الوقت الذي ستبدأ فيه القوة العسكرية بالعمل والتنفيذ
وكيف يتحقق ذلك عملياً ؟
الإجابة: هي من حق القادة العسكريين وصناع العقيدة العسكرية والقتالية في الجيش الذين يرسمون للقوات العسكرية والقادة باختلاف مستوياتهم الأسلوب الأمثل للوصول للأهداف بأقل الخسائر المادية والبشرية ويكون ذلك بإختيار الأسلحة والأساليب التي تساهم في تسهيل حركة القوات العسكرية وتذلل لهم الصعاب لاداء مهامها متحاشية خرق القيود العقائدية الدينية والسياسية والأخلاقية وقواعد القانون الدولي الانساني والقانون الدولي العام.
وبناءاً على ما تقدم نجد أن العقيدة العسكرية تُكوّن مجموعة المبررات والمنطلقات الإنسانية والدينية والأخلاقية والقناعات الفكرية المنضبطة التي تمنح المشروعية للقوات العسكرية للقيام بعمل ما.
ويبقى السؤال الأهم وهو:
لماذا نقاتل ؟ ولمن يجب أن يوجه هذا السؤال ؟
هذا السؤال تجيب عنه العقيدة العسكرية ويجب أن تكون إجاباتها محللة ومبينة للكثير من المعضلات التي قد تؤدي إلى فهم خاطئ لمدلولات العقيدة العسكرية ويجب ان لا نُسيء فهمها ونخلطها بالعقيدة الدينية التي جوهرها التوحيد كشعب ندين بالاسلام والحنيفية السمحاء.
وهناك عدة إجابات مشروعة للشق الاول لهذا التساؤل منها :
*للدفاع عن الأمة والوطن والثروات والمقدرات والمكتسبات .
*لنصرة المظلومين وإعانتهم على استرجاع حقوقهم المسلوبة.
*لإعلاء كلمة الله.
*للدفاع عن الأنفس والأعراض والأموال.
*للدفاع عن الحق والعدل والحريات العامة.
*لاسترجاع الحقوق المسلوبة.
وبالمقابل هناك إجابات مستبعدة وغير مشروعة تستبعدها العقيدة العسكرية ومنها:
*القتال للاستيلاء على الشعوب والثروات والتوسع الإقليمي .
*القتال لإكراه الناس على قبول دين معين أو نظم سياسية محددة .
*القتال لإكراه الناس على قبول التعايش وفق نظم اجتماعية واقتصادية محددة.
*القتال لكسب الأمجاد الفردية أو القومية.
وهذا السؤال يجب ان يوجه للمسئولين والساسة قبل القيادة العسكرية فالحرب جزء مهم من سياسة الدول وتعتبر آخر صور الحلول المتاحة لفض المنازعات الداخلية والخارجية لكنها في عالم اليوم تقفز لتكون أولها لتطيح بالسّلم والامن الوطني والاقليمي والدولي.
واضعي عقيدة الدولة في جانبها السياسي هم من يتحمل مسؤلية الحرب واستمرار التقاتل والتناحر بالدرجة الأولى وعلى الرغم من إختبائهم دائماً وراء صف القيادات العسكرية إلا أنهم هم من يقع عليهم عبء تلك المسؤلية كاملة أدبياً وقانونياً وتاريخياً.
لأن الحرب والإقتتال سينشأ عنهما في الغالب إزهاق أنفس وإراقة دماء ينبغي أن تكون الدوافع والأهداف التي يشرع من أجلها القتال تستحق التضحية وبذل الأنفس ودماء المقاتلين التي ستراق على أرض المعركة ستكون رخيصة لأجلها ، وبذلك تكون مهمة العقيدة العسكرية هي منع إهدار القيم الإنسانية والأخلاقية التي شرع بموجبها القتال وتجنيب من لا يعنيهم القتال ويلات تلك الحروب أي محاولة حصرها على المؤمنين بها والداعمين لها وعدم الزج بكامل الوطن لأتونها.
إلى جانب عدم ترك الحرية للمحاربين لفعل ما يشاؤون من استمرار القتل والإفناء أو التمثيل بالجثث أو الإعتداء على الأعراض أو تعذيب للأسرى ما ينتج حقداً وكراهية يطول أمدهما بما يجعلهما وقوداً لإستمرار التنازع والقتال والثأر الذي سيسود الفكر الجماعي لمن شُردوا وقُتلوا وكانوا واهليهم وقودا للحرب وزُج بهم في أتون صراعات لا تنتهي.
لكل ذلك تحتاج الدول والجيوش للعقيدة العسكرية لأنها تمنع البغي والظلم وتصون المصالح وغايتها كيف تحمي الجيوش دولها وأممها وتضع قواعد الاشتباك الضامنة لبقاء القيم الإنسانية والأخلاقية في الحرب.
يتم بناء عقيدة الدولة العسكرية كمشروع متكامل يبدأ من أعلى سلطة في الدولة حتى يصل للجندي في الميدان يعتمد فيه على حاجة الدولة إلى الأمن لحماية مصالحها الوطنية ومن المؤكد أن الأمن لا يتحقق للدولة إلا بوضع مفهوم شامل للأمن يمكن إعتباره قاعدة مرجعية يتحدد فيها العدو من الصديق وكيفية المحافظة على إستمرارية وتوفير الأمن في ظل الظروف العادية أو المعقدة الطارئة وهذا المفهوم الأمني الشامل ينتج عنه عقيدة شاملة تتفرع منها عقائد فرعية من ضمنها العقيدة العسكرية>
ولكي تفي هذه العقيدة بمتطلبات مستويات الحرب فقد صنفت إلى ثلاثة أنواع (أساسية، بيئية، تنظيمية):
ـ أساسية توضح نظرة القيادة السياسية للدولة في استخدام القوة العسكرية،
ـ وبيئية تبين كيفية توظيف القوات العسكرية في بيئات العمل المختلفة بتغير السلاح ومداه ونوعية المعدات وقوام التشكيلات وشكل الأرض وطبيعة التهديد ومدى القدرة على إدامة المجهود القتالي وغير ذلك من الأمور الخاصة بتشكيلات القوات ( البرية، الجوية، البحرية)،
ـ والثالثة تنظيمية ترشد وتوجه استخدام التنظيمات والوحدات العسكرية على اختلاف أنواعها نحو أهدافها ونهانها بإستمرار جنى لا اتحرف وتحيد عنها.
إن من ضمن أساسيات بناء العقيدة العسكرية بناء الفرد المقاتل وتدريبه وإيجاد دافع مستمر لجعله يقاتل ويستميت في القتال من أجله ولأجل ذلك خططت الدول والجيوش لإيجاد واعز لمقاتليها فمنهم من جعل ذلك الدافع هو الدفاع عن الارض – الإقليم – القبيلة وهذا حال معظم دول العالم بما فيها الدول العربية ويقوم هذا الأمر على اساس ارتباط المقاتل بالأرض التي تعود جذوره اليها وكل ارتباطه النفسي العاطفي كقيم وأفراد يستحقون بذل النفس للدفاع عنهم .
ومنهم من جعل الدافع لمقاتليه هو الدفاع عن أشخاص أو قادة كالنظم الشيوعية والشمولية وتشترك معهم الكثير من الدول العربية في ذلك أيضاً وعندهم إن الدفاع عن القائد الزعيم الملهم هو الأساس لدفع المقاتل للقتال والتضحية فنجد أن التمجيد لشخص الرئيس هو الأساس في أدبيات رواد هذه العقيدة من خلال نشر صوره في كل مكان ومن خلال الأغاني الخاصة بالرئيس ….الخ من أوجه المدح والثناء لشخص الحاكم ويذكرنا ذلك كثيراً بما نشاهده في كوريا الشمالية اليوم .
وهناك من جعل الدافع هو الدفاع عن قيم ومباديء يعتبرونها سامية ومنها قيم الديمقراطية والحرية التي ينادون بها مع أنها كذبة منتقاة بعناية لكن يبقى لها جمهورها ومن يصدقها فالمقاتل الأمريكي المجرد من هوية الإنتماء لأرضه ترسخ في وجدانه انه هو حامي الديمقراطية في العالم وراعيها وان حرية البشر لا تقدر بثمن وأن الحرية تستحق التضحية بكل ما هو غالي ونفيس .
أما أقدم واهم دافع قاتل من اجله الإنسان فهو قيم المعتقد الديني فثبات المقاتل وفق هذا المعتقد في القتال يعتمد على ثوابت عقائدية راسخة فإما ان يكون المعتقد الديني صحيح ويكون التثبيت من الله وحده او ان يكون المعتقد الديني باطل فيكون الثبات بقدر ايمان المقاتل بالمعتقد .
وقد تبني الدول عقيدة مقاتليها العسكرية على خليط مما ذكر اعلاه من دوافع القتال فتقدم دافع وتؤخر آخر حسب الحاجة والمصلحة العليا للدولة وقد يكون ذلك هو الأنسب حسب وجهة نظر بعض الباحثين لكني أرى بأن الدافع الديني هو الأقوى وخاصة عند العرب والمسلمين والنصاري الذين خاضوا حروباً كثيرة لا يزال التاريخ يذكرها تمحورت حول ذلك المعتقد .
***
العميد : صلاح الدين أبوبكر الزيداني ـ عضو هيئة التحرير – محرر الموقع الإلكتروني
_________________
هذا المقال جزء من بحث (رؤية حول صياغة عقيدة عسكرية وطنية للجيش الليبي) شارك به الكاتب في المؤتمر العلمي الأول للجيش الليبي وورشة العمل الأولى بكلية القيادة والأركان بالتعاون مع الأكاديمية الليبية للدراسات العليا .
_______________