عمر الكدي

القذافي والرياضة

«الرياضة إما خاصة كالصلاة يقوم بها الإنسان بنفسه وبمفرده حتى داخل حجرة مغلقة، وإما عامة تمارس في الميادين وبشكل جماعي كالصلاة التي تمارس في المعابد بصورة جماعية.

إن النوع الأول من الرياضة يهم الفرد شخصه، أما النوع الثاني فهو يهم كل الشعب يمارسه كله ولا يتركه لأحد يمارسه بالنيابة عنه. مثلما هو من غير المعقول أن تدخل الجماهير المعابد لتتفرج على شخص أو مجموعة تصلى دون أن تمارس هي الصلاة!

يكون أيضا من غير المعقول أن تدخل الجماهير الملاعب والميادين لتتفرج على لاعب أو لاعبين دون أن تمارس هي الرياضة بنفسها. إن الرياضة مثل الصلاة ومثل الأكل ومثل التدفئة والتهوية، فمن الغباء أن تدخل الجماهير إلى مطعم لتتفرج على شخص يأكل أو مجموعة تأكل! أو تترك الناس شخصا أو مجموعة يتمتعون بالتدفئة لأجسامهم نيابة عنها أو بالتهوية!

لا يعقل أن يجيز المجتمع لفرد أو فريق أن يحتكر الرياضة دون المجتمع، وأن يتحمل المجتمع تكاليف ذلك الاحتكار لصالح فرد أو فريق».

هذا رأي القذافي في الرياضة بشكل عام كما جاء في الفصل الثالث من كتابه الأخضر، ويمكن التعاطي مع هذا الرأي إذا جاء من مفكر أو مثقف يهتم بالشأن العام، ولكن عندما يأتي من دكتاتور غريب الأطوار فيجب أن نبحث في البواعث الحقيقية لتبرم القذافي من الرياضة، وليس سرا أن النظام الرأسمالي الذي فاجأته ثورة الطلاب العام 1968 قرر أن تكون هذه الثورة هي آخر الثورات، وأن تتحول كرة القدم إلى دين جديد يعم العالم.

ومنذ ذلك الوقت بدأ العالم يتحول بالتدريج إلى عالم من التفاهة. تحولت كرة القدم إلى دجاجة تبيض ذهبا، وأصبحنا نتفرج على مليونيرات يتقاذفون الكرة. إنه فعلا دين جديد أتاح للمشجعين عبادة أنديتهم المحلية وفي الوقت نفسه عبادة أندية عالمية، مثل ريال مدريد وبرشلونة وليفربول ومانشستر يونايتد ويوفنتوس والإنتر وغيرها.

لا أعتقد أن القذافي اهتم بهذا الجانب، وإن كان قد شن هجوما على «فيفا» العام 2010، بعد أن فاحت رائحة الفساد الذي كان يقوده جوزيف بلاتر وميشال بلاتيني.

ولكن منطلقات القذافي مختلفة فهو شعر بالغيرة من جماهيرية نجوم الرياضة.

في العام 1976 منع رياضتي الملاكمة والمصارعة بسبب عنفهما، في ذلك العام شنق عمر دبوب ومحمد بن سعود أمام كاتدرائية بنغازي، وأمر بترك الجثتين تتدليان عدة ساعات، ثم أمر بعدم ذكر أسماء اللاعبين في المباريات المنقولة على الهواء مباشرة

واكتفى المعلقون بذكر أرقامهم، فيقول المعلق «كرة طويلة من اللاعب رقم ثلاثة إلى اللاعب رقم ثمانية»، بينما يذكر اسم الفرس والحصان في مهرجان الفاتح للفروسية، فيقول المعلق «الفرس رعد الخريف والدتها الفرس السهم الذهبي ووالدها الحصان برق الليل».

ألغى مباريات عديدة للمنتخب الليبي حتى لا يتأهل لكأس العالم، وذات مرة تبرع بالمباراة الفاصلة للفريق الجزائري، الذي شارك في كأس العالم بعد انسحاب المنتخب الليبي.

وانتشرت في البلاد ألعاب شعبية من التراث الليبي، لم تطور ولم توضع لها قوانين، مثل لعبة الرود وتخطي الجرد وعشرة دونك عشرين، وشعر بالغيرة من المذيع الرياضي المتميز محمد بالرأس علي، فأمر بمنعه من التعليق على المباريات، واستبدل به محمد بن تاهية الذي لا يستطيع نطق ثلاثة أحرف.

وأخيرا كبر الأولاد فسلم لهم ملف الرياضة، حيث تولى الابن الأكبر محمد منصب رئيس اللجنة الأولمبية، بينما تولى رئاسة اتحاد كرة القدم ابنه الساعدي، وانقسم ولاء الأخوين فالساعدي كان يلعب مع فريق الاتحاد، ومحمد كان يشجع فريق الأهلي، وفي مباراة في شهر يوليو العام 1996 تسبب تبادل السباب بين مشجعي الفريقين إلى تدخل حرس الأخوين، الذين فتحوا النار متسببين في مقتل حوالي 60 مشجعا وإصابة العشرات.

كما هدم الساعدي بالبلدوزرات مقر نادي الأهلي بنغازي، ولعب في الدوري الإيطالي مع ثلاثة فرق من الدرجة الأولى، وفي الحقيقة لم يلعب الابن المدلل إلا عشر دقائق في مسيرة احترافه التي امتدت أربع سنوات.

ومع ذلك ضبط يتناول المنشطات وهو جالس على دكة الاحتياط، مثله مثل أستاذه في اللياقة البدنية العداء الكندي بن جونسون، ومثل أستاذه في مهارات كرة القدم الأسطورة دييغو مارادونا، اللذين دفع لهما بسخاء لكي يستفيد من خدماتهما.

من حسن حظ الليبيين أن عمر لاعب كرة القدم قصير، وإلا تحول الساعدي مثلما أطلق عليه الليبيون «اللاعب في الميزانية»، وبعد اعتزاله كرة القدم تفرغ للدعوة السلفية، ربما لأنه يجيد الألعاب الخلفية، وربما لهذا السبب أخرجته الجماعة الإسلامية المقاتلة من السجن، وحكم عليه بالبراءة من جريمة قتل اللاعب بشير الرياني، فهم أيضا جماعة سلفية.

كم ضاعت من مواهب في وزن فوزي العيساوي وطارق التايب في بلد أهمل حاكمه حتى الرياضة المدرسية.

على عكس القذافي استفاد عبدالناصر من القوة الناعمة التي تكونت في العهد الملكي، نجوم الرياضة والفن والموسيقى والمسرح والأدب، لأنه ابن مدينة بغض النظر عن أصله الصعيدي، بينما فرط القذافي في كل شيء وجده أمامه حتى لم يجد قوة ناعمة يصدرها غير كتابه الأخضر.

وهذا يلخص حجم الكارثة التي تعرضت لها ليبيا، فلو ضرب ليبيا ألف إعصار وألف تسونامي لما أحدثوا من دمار مثل الذي أحدثه القذافي.

____________

مقالات

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *