عمر الكدي

أيديولوجيا القذافي

ليس للقذافي أيديولوجيا محددة، فهو انتمى قبل انقلابه لكل الأيديولوجيات المطروحة في الساحة العربية، وفقا لـ عبدالمنعم الهوني في حواره الطويل مع غسان شربل في كتابه «خيمة القذافي»، فقد انتمى القذافي في سبها إلى الجماعة الإسلامية على يد شيخ سلفي.

بينما يقول عبدالرحمن شلقم إنه كان يتردد على عائلة الحضيري في حي الجديد بسبها، ومنهم التقط بعض الأفكار الدينية الأصولية.

ثم تعرف على أفكار حزب البعث على يد محمد التبو.

وفي مصراتة تعرف على القوميين العرب على يد الطاهر المحيشي شقيق عمر المحيشي. وتعرف على عمر المنتصر أحد قادة هذا التيار في ليبيا، الذي تولى عدة مناصب وزارية في عهد القذافي من بينها أمانة اللجنة الشعبية العامة، أي رئيس الحكومة.

ومن خلاله تعرف على جمعة الفزاني وأبوزيد دوردة وغيرهما من التيار القومي. لعل القذافي كان يقلد عبدالناصر الذي انتمى للإخوان المسلمين قبل انقلابه، كما كان على علاقة بالشيوعيين من خلال رفيقه خالد محيي الدين، وعبدالناصر كان يخطط للاستفادة من هذه التيارات بعد انقلابه لأنها تمتلك قاعدة جماهيرية تنقص تنظيمه، وانتهى عبدالناصر إلى أيديولوجيا مرقعة تتكون من مقولات اشتراكية مع مزيج من قومية شوفينية، وهذا أيضا ما انتهى إليه القذافي.

وهذا التيار لم ينتج أي فكر أو مفكرين، إلا إذا اعتبرنا أحمد إبراهيم أو المهدي امبيريش أو رجب أبودبوس من المفكرين.

يمكن تلخيص أيديولوجيا القذافي بأنها ترتكز على إلغاء الدولة ومؤسساتها، مثلما قال لويس الرابع عشر «أنا الدولة والدولة أنا». حكم لويس الرابع عشر فرنسا لمدة 54 سنة

ربما لهذا السبب جلس القذافي أكثر من ساعة أمام صورة لويس الرابع عشر عندما زار فرنسا في عهد ساركوزي، لعله كان يبحث عن السر الذي جعل الملك الشمس كما كان يلقب نفسه يستمر كل هذه المدة، وهو لا يدري أن ساركوزي الذي استقبله بحفاوة، وأغلق الجسور على نهر السين ليتمكن القذافي من الإبحار في النهر على متن مركب فخم سيطيح به بعد سنوات قليلة.

كما ترتكز أيديولوجيا القذافي على خواء المعنى، فديموكراسي هي الشعب على الكراسي، ويلعب السجع والجناس دورا بارزا في بلورة مقولاته، فمن تحزب خان والحزبية إجهاض للديمقراطية، واللجان في كل مكان، والديمقراطية هي الحكم الشعبي وليس التعبير الشعبي، تشبه أحكام الفقهاء عندما برروا استيلاء معاوية على السلطة، الله ساق الخلافة لبني أمية قضاء وقدرا، وأن العباس بن عبدالمطلب ورث النبي ولم ترثه ابنته فاطمة.

ويكاد يكون نظام القذافي بمجمله، بما في ذلك أيديولوجيته، تكرارا لذلك التراث السلفي، وهو طبعة عصرية من نظام قديم لخصه المعز لدين الله الفاطمي، عندما ذهب أعيان وأشراف مصر للسلام عليه بعد وصوله من تونس، وهم يشكون في حسبه ونسبه، فنثر عليهم الدنانير الذهبية وهو يقول هذا حسبي، ثم جرد سيفه من غمده وقال وهذا نسبي.

فيما بعد مدحه شاعر قائلا «ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار».

هذا النظام الذي ظل يكرر نفسه في التاريخ العربي والإسلامي ويظهر بصور شتى والذي أطلقت عليه اسم النظام المغلق، لا يستسلم بسهولة. هو في الحقيقة آخر جدار في وجه الحداثة. يقبل منجزات الحداثة وحتى منجزات ما بعد الحداثة، ولكنه يرفض قيم الحداثة رفضا قاطعا.

فالدولة تبنى وفقا للمفاهيم القديمة بما في ذلك الجيش، وتعتمد على القرابة والولاء الشخصي، وإذا احتاجت لأيديولوجيا فالسوق فيه ما يكفي منها.

صدام حسين العلماني انتهى وهو يحتضن المصحف، بعد أن كتب على العلم العراقي عبارة «الله أكبر»، والقذافي تحول عند أنصاره إلى الشهيد الصائم، ولا استغرب إذا تحول إلى المهدي المنتظر أو معمر المنتظر.

خلال انتفاضة فبراير هدد القذافي وفقا لكبار مساعديه، قائلا «وجدتكم اثنين مليون وسارجعكم اثنين مليون»، كما قال لآمر القوات التي تحركت باتجاه بنغازي يوم 19 مارس 2011 لا أريد أن أرى بنغازي مرة ثانية، أريد أن أرى الحدود المصرية من سرت.

كما قال قبل ذلك في خطابات بثت على التلفزيون، والله انخليها بعدي رماد، كما قال أخذتها ببندقيتي واللي يريد ياخذها يوريني بندقيته. هذه هي باختصار أيديولوجيا القذافي.

على عكس الفاشية والنازية اللتين عبرتا عن أزمة في النظام الرأسمالي، فإن أيديولوجيا القذافي تشبه خيمة البدوي، يطويها ويحملها معه أينما توجه، وكلما وجد فيها ثقبا يسده بما يتوفر له، حتى تصبح خباء مرقعا ويفتح بابها حيث يشاء على الجهات الأربع.

فإذا كان خليفة المسلمين يحكم مدى الحياة قبل أن يورث الحكم لأحد أبنائه، فإن القذافي لجأ إلى الادعاء بتسليم السلطة للشعب، وهكذا ألغى الجميع واحتكر السلطة منفردا، لأن عصره لا يسمح له بأن يكون مثل الخليفة، ولهذا عليه اختراع أيديولوجيا مرقعة ليصل إلى نفس النتيجة.

نفس النظام القديم، ولكن أصبحت له قدرة على التماهي مع البيئة وتغيير لون جلده مثلما تفعل الحرباء تماما. منحت الدولة المصرية والتونسية على عيوبهما مصيرا أفضل لحسني مبارك وزين العابدين، من مصير القذافي وصدام حسين، الأول خرج من حفرة قرب تكريت والثاني خرج من أنبوب تصريف مياه الأمطار قرب سرت، من حسن حظهما لم يجدا أمامهما حفرة مجاري ليختبئا فيها، أما بشار الأسد فجلس مثل نيرون يشاهد بلاده تحترق. التاريخ لا يتسامح مع من يعبث به.

_____________

مقالات

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *