عبد الله الكبير
استمعت إلى الكثير من الشهادات والتعليقات الصوتية والمرئية حول أحداث وتطورات فيضانات درنة ومدن وقرى الشرق، من شخصيات معروفة وغير معروفة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في إطار متابعتي للحدث من كافة جوانبه.
فيضان آخر من الدموع جرى مع تيار متضامن ومتعاطف بين طيات الكلمات والصور، حزنا على ما أصاب الناس، واستبشارا بالهبة الشعبية من كل مدن ليبيا نجدة للمدن والقرى التي اجتاحتها السيول، وتجاوز الفرقة والخلافات التي خلفتها السياسة.
على العكس من هذا الخطاب الوطني المتجاوز للجهوية والقبلية، شدني خطاب يدعو إلى تجميد حالة الفرقة بين برقة وطرابلس مؤقتا نظرا للظروف الحالية، ولكن مع الحفاظ على حالة الصراع قائمة وعدم تجاوزها، وشن هجوما لاذعا على حكومة الوحدة الوطنية، ودعا الشعب البرقاوي إلى القبول فقط بهدنة مؤقتة مع الشعب الطرابلسي، ثم استئناف الصراع حال انحسار المحنة الناتجة عن الفيضانات.
الخطاب كان مغلفا بعبارات الورع والتقوى الدينية، ولكنها كانت مجرد كلمات محفوظة، أو كما نقول في التعبير المحلي (حافظ حفظ) جرى بها لسانه، ولم تنفذ إلى قلبه، لتصعد كالنسغ إلى وعيه وتفكيره، وتوجهه نحو احتضان السلام، والاستبشار بالخير من تلاحم أطراف البلاد، و عودة الروح الوطنية، بزخم يسمو على كل الانتماءات الفرعية الضيقة.
ولم يكن واردا عندي الرد عليه، ولم يفاجئن هذا الخطاب الذي لا يعبر إلا عن صاحبه، أو قلة قليلة يمكن أن تتأثر به، فهو الاستثناء الذي يثبت قاعدة الوحدة الوطنية، غير أن تزوير المتحدث لبعض وقائع التاريخ الليبي، جهلا أو عمدا، استوجب الرد.
يرى المتحدث أن “اتحاد الأقاليم الليبية فرضته الأمم المتحدة” والصحيح هو العكس تماما، فالدول الكبرى المهيمنة على الأمم المتحدة، سعت إلى تكريس التجزئة، ووضع أقاليم ليبيا تحت الوصاية عدة دول، بمشروع عرف باسم بيفن سفورزا.
الليبيون شعبا وقيادات هم من أحبط هذا المشروع بالتمسك بالاستقلال، وقصة نضال الوفد الليبي في الأمم المتحدة، وترجيح كفة الاستقلال بصوت مندوب هايتي موثقة في المصادر التاريخية، ولا يتسع المجال لسردها.
ويقول: “من يريد أن يخطئني عليه أن يجيبني، وأن يأتيني بأحد دليلين. أما أن يذكر لي معركة خاضها عمر المختار ورفاقه في طرابلس أو فزان، أي خارج حدود برقة، أو أن يذكر لي مجاهدا واحدا من طرابلس، ركب حصانه وجاء منفردا يقاتل مع اخوته في برقة” .
ويبدو أن المتحدث لا يعرف قيادات أخرى للجهاد غير شيخ الشهداء عمر المختار، فحامل لواء الجهاد، ضد الايطاليين هو المجاهد الكبير أحمد الشريف، وتحت هذا اللواء جاهد عمر المختار ورفاقه، وهو صاحب الدور البارز مع شقيقه صفي الدين في توحيد جبهة الجهاد بين برقة وطرابلس، توجت بالنصر في القرضابية، ولم تستمر بسبب الخلافات بين الزعماء، وليس لأي أسباب أخرى.
ولم يشارك عمر المختار ورفاقه في معارك طرابلس ضد الطليان لانشغالهم بالحرب في مناطقهم، وحصار الطليان لهم من أغلب الجهات، والسبب نفسه ينسحب على مجاهدي طرابلس، فضلا عن المفازة الصحراوية الفاصلة بين برقة طرابلس، والتي تبلغ نحو 650 كم، وتصفها المستشرقة البريطانية اليزابيث مونرو بأنها من أشد الحدود البشرية والطبيعية وضوحا في العالم.
إن الخلافات تندلع بين طرابلس وبرقة بسبب التنافس السياسي، أما وحدة الشعب والبلاد، وادراكهما لهذه الوحدة والمصير المشترك، فكارثة الفيضان والاستجابة الشعبية لها تغني عن كل شرح.
المتحدث لم يطلع على التاريخ إلا من خلال فلم أسد الصحراء كما يبدو، فكتب التاريخ تذكر التحاق عدد من مجاهدي طرابلس بعمر المختار في الجبل، بعد استشهاد سعدون السويحلي وانكسار المقاومة في غرب ليبيا، وقتالهم مع الأدوار البرقاوية تحت اسم دور مصراتة وأحيانا دور السويحلية، لاحظ أنه لا أحد سماهم بدور الغرابة، تقدرهم المصادر بين 170 و 200 مجاهد، يقودهم المجاهد عبدالهادي القماطي، ثم تواصل النضال الوطني المشترك في مصر، وكانت المشاورات في القاهرة الإسكندرية تجمع قيادات من كل ربوع ليبيا، فالوطن واحد والشعب واحد.
سانحة أخيرة، يقول الفيلسوف ابن رشد : إذا سكت من لا يعرف قلّ الخلاف.
_______________
المحرر: طابور السويحلية المجاهد ببرقة.؟
هناك الكثير من الصفحات الخفية التى لم تنشر او لم تجد لها الصدى الملائم بتوثيقها والتعريف بها لما لها من اهمية فى تاريخ الجهاد والحركة الوطنية الليبية ففى شريط عمر المختار كاتب السيناريو الايرلندى هارى كريج لم يتعرض حتى بالتلميح الى قصة طابور السويحلية المجاهد الذى انطلق من مصراتة الى شرق ليبيا والتحق بالمجاهد عمر المختار وساهموا معه بحركة الجهاد وكان لهم دُور او طابور خاص بهم اسوة بطوابير وأدوار بقية القبائل فكان أكبر عنوان عن دعم ومساندة و تلاحم المجاهدين من مصراتة وغرب ليبيا مع مجاهدي برقة.
المصدر: كتاب “سعدون السويحلي البطل” لعلي مصطفي المصراتي
_________________