سالم الكبتي

(اللي تغلب بيه.. ألعب بيه) مثل عامي ليبي

والطلب يقع في أتون المواجهة بين حكومة الباشا عمر والجمعية. تلك المواجهة التي ظلت تتصاعد وتتطور بقوة. لم تهدأ. لم تستقر. حلت الشكوك والظنون بدل الثقة وحسن النوايا.

ولم يعد هناك لقاء بين الطرفين. المشكلة بدأت بالفعل منذ ابتهاج الجمعية بقرار الأمم المتحدة الخاص باستقلال ليبيا ومضت بلا توقف. لا أحد بادر بإصلاح ذات البين. لا أحد خفف من تصعيده وكأن المشكلة تحددت في وجود الجمعية وفي وجود الحكومة أيضا التي يرأسها الباشا.

هنا في يناير مع الصقيع والعام الجديد جاء الطلب بمسمى ورثة عمر المختار الذين تقدموا به مباشرة إلى وزير الداخلية وهو نفسه رئيس الحكومة. استعرضت الحكومة الطلب في جلستها المنعقدة صباح الخميس 19 يناير 1950.

تضمن الطلب أهم نقطة ربما كانت الحكومة تريدها أو تغازلها من بعيد وهي سحب اسم عمر المختار من الجمعية. درست الحكومة الطلب دراسة شاملة على حد رأيها وفقا للخبر الذي أوردته صحيفة برقة الجديدة ونشرته مع طلب الورثة في صفحتها الأولى عبر عددها الصادر في اليوم التالي للجلسة.. الجمعة 20 يناير ودائما اليوم التالي له دوره في التاريخ!.

بعد البحث في الطلب قررت الحكومة الموافقة على مشروعية طلب هؤلاء الورثة كما أشارت في بيانها عنه وبذلك عززت الحكومة الطلب وأصبح أمرا مفروغا منه. أصبح مسألة سياسية لابد من تنفيذها على أرض الواقع ومن قبل الجمعية ذاتها التي رضخت للأمر كما يتبين لنا لاحقا.

الطلب نصه الآتي: (حضرة صاحب المعالي وزير الداخلية بحكومة برقة المحترم.

بعد التحية الوافية. لقد شاهدنا احتفال الجمعية التي سمت نفسها جمعية عمر المختار يوم 9 ديسمبر 1949 وهو الاحتفال الذي أقامته لتكريم وفد برقة. وبما أن أعضاء الجمعية المذكورة خرجوا في خطبهم وخطتهم عن مبادئ عمر المختار بسبهم لأل بيت رسول الله صلى الله وعليه وسلم..

ذلك الموضوع القبيح الذي لو حضرهم عمر المختار لقاتلهم في الحال. وحيث أننا نحن الوارثين للمرحوم عمر المختار نرى أن الواجب يحتم علينا المحافظة على اسم عمر المختار الكريم.

لذلك نتقدم إلى معاليكم طالبين سحب أسم عمر المختار من هذه الجمعية ولها أن تختار أي علم تضعه عليها. أما نحن ورثة عمر المختار فلا يسعنا إلا المطالبة بحقنا في طلب إلغاء اسم عمر المختار من هذه الجمعية بسبب خروجها عن مبادئ عمر المختار كما ذكرنا. وتقبلوا منا فائق التحية والاحترام.

محمد عمر المختار. أحمد محمد المختار).

الحكومة نجحت في لعبتها السياسية في المناورة بهذا الطلب في وجه الجمعية وبدا الموضوع كما لو أنها ليست على علاقة به. الورثة تقدموا بهذا الطلب والحكومة وافقت عليه فقط. وفي الواقع كانت معركة الاسم.. معركة في الأساس بين الحكومة والجمعية. الحكومة لم تكره ذلك بل رحبت بالطلب ولو من وراء ستار وفي قاعة جلساتها! وهي في المجمل معركة سياسة ومواقف وتوجهات.

عقب هذا الذي حدث وظل في ثنايا التاريخ القريب البعيد تنازلت الجمعية عن اسم عمر المختار ولم تجرؤ على القيام بأية مواجهات في الشارع لكنها أعلنت في بيان مختصر إلى (الشعب الليبي) كما أشارت.. إلى أنه: نظرا للظروف الشاذة التي يعيش فيها الوطن الان فقد أصبح اسم هذه المؤسسة (الجمعية الوطنية) حفظ الله الوطن ورحم عمر المختار.

في هذا الجو الخانق الذي تعيشه برقة تلك الأيام نشر هذا البيان المقتضب جدا في صحيفة الوطن يوم 24 يناير 1950. والتي ذكرت أيضا بأن 🙁التنازل عن اسم الشهيد تم بناء على طلب أهله الذي وافقهم عليه مجلس الوزراء وليس يهم الجمعية كثيرا أو قليلا أن تخلع هذا الاسم ما دامت متمسكة بمبدئها.

إذ إنما العبرة بالجوهر لا بالعرض وبالمبدأ والعمل لا بالأسماء والألقاب ولكن الذي يهمنا أن نشير إلى ما في هذا التصرف من معاني الظلم والحيف التي تلحق أسم الشهيد قبل أن تلحق هذه المؤسسة).

في الذكرى التاسعة عشر لإعدام عمر المختار احتفلت الجمعية الوطنية وفقا لاسمها الجديد في مركزها العام ببنغازي مساء السبت 16 سبتمبر 1950 ولم تنس ما حدث في بداية العام. تحدث الأستاذ بشير المغيربي في كلمته الطويلة قائلا:

(في الجمعية الوطنية التي كانت إلى وقت قريب تسمى جمعية عمر المختار نجتمع اليوم كعادتنا كل سنة في مثل هذا اليوم لأحياء ذكرى عمر المختار. ولكن اجتماعنا هذا قد يمتاز عن الاجتماعات السابقة بأننا سنحتفل فيه بذكريين للزعيم الذي أستشهد مرتين.

مرة يوم أن طوي جسمه في العهد الطلياني وأخرى حين طمس أسمه في العهد البريطاني. لقد كان عمر المختار في العهدين ضحية لإفراط الفاشستية ثم ضحية لتفريط الديمقراطية. أن اليد الأجنبية التي أعدمت الشهيد الكبير هي نفسها اليد الأجنبية التي لبست القفاز الوطني ووقعت القرار بسحب اسم الشهيد).

وخلال هذه المواجهات صدرت العديد من الإرادات الأميرية بالتشاور مع الحكومة وأهمها ربط وإلحاق عموم قوات الأمن برئاسة الوزارة تسهيلا لمصلحة الأمن العام نظرا لما تتخذه الحكومة من الإجراءات والتدابير لاستتباب الأمن وتم تعيين الشيخ حسين يوسف بودجاجة مفتيا شرعيا لبرقة وأسست دائرة للشؤون القبلية بوزارة الداخلية يديرها الصديق الرضا السنوسي ابن أخ الأمير إدريس وعُين مجموعة من الأعضاء بالمحاكم الأهلية ومستشارون بوزارة الداخلية أهمهم المستر ستيوارت بيرون الحامل لوسام الإمبراطورية البريطانية الرفيع الشأن.

وقررت الحكومة منع موظفيها من الاشتغال بالشأن السياسي. الشاعر إبراهيم الأسطى عمر وصوت الجمعية المهم في مركزها بدرنة لم يأبه بذلك. صدر أمر أميري وباقتراح من الحكومة بفصله من خدمتها وقد كان يعمل قاضيا مدنيا بمنطقة المرج لتعمده وتحديه لأوامرها فيما يتعلق بتأدية مهام وظيفته.

ظل رئيس الحكومة الباشا عمر الكيخيا يواجه سيلا من قصائده المتوالية متزامنة مع قصائد زميله الشاعر وصوت الجمعية في بنغازي أحمد رفيق.. هجاء منهما استمر وتواصل بلا انقطاع طوال فترة الحكومة. الشعر دخل ساحة المعركة ولم ينسحب منها!

______________

مقالات

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *