في البرازيل .. الطبقة العاملة واجهت الانقلاب العسكري
عام 1964، كانت البرازيل تعاني من أزمة اقتصادية طاحنة، وقد انتهز المجلس العسكري في البرازيل تلك الأزمة من أجل الانقلاب على حكم جواو غولار، الرئيس المنتخب، وفي فيلمٍ وثائقي أعدته «الجزيرة»، جرى الإشارة إلى أنه منذ اللحظات الأولى للانقلاب، اتخذ العسكريون من العنفِ سبيلًا لإسكات المعارضة، وإخماد الاحتجاجات والمقاومة.
وفي الفترة ما بين 1968-1969 قادت الحركات الطلابية في البرازيل عدة تظاهرات، كانت هي حجر الأساس، والموجة الثورية الأولى في مواجهة الحكم العسكري؛ إلا أن قوات الأمن قد تمكنت من قمع تلك التظاهرات، وجرى اعتقال الآلاف – تعسفيًا – واحتجزوا دون محاكمة، ومن ثم حكم عليهم بالسجن.
كان النمو الاقتصادي الذي شهدته البرازيل بداية من سبعينات القرن الماضي، هو البداية لسقوط الحكم العسكري؛ إذ ومن رحم هذا النمو هاجر الآلاف من الريفيين إلى المدينة، وتكونت على إثر ذلك طبقة من العمال، كانوا هم وقود المصانع الجديدة، والموجة الثورية القادمة على حدٍ سواء.
عانت البرازيل إبان الحكم العسكري من انعدام العدالة الاجتماعية، وعلى الرغم من أن العمال كانوا نواة هذا الازدهار الاقتصادي، إلا أنهم عاشوا في فقرٍ مدقع، دون أي توزيع عادل للثروات، يعانون من القمع والقيود البيروقراطية، إلى جانب النزاعات مع أرباب العمل.
ونتيجة لذلك نشأت «الحركات العمالية»، والتي سعت لاقتناص الحقوق المهدورة لتلك الطبقة الاجتماعية؛ إذ وفي تلك الفترة انضم العديد من العمال إلى النقابات العمالية، وذلك سعيًا إلى تمثيلٍ أكبر في النزاعات مع أرباب العمل، واستعادة المساحة التي فقدوها بانقلاب 1964، الذي اضطهد الطبقة العاملة.
وفي النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي، ما بين عامي 1978-1980، بدأت موجة من الإضرابات العمالية في منطقة سان باولو وهي المنطقة الصناعية، في أكثر من 213 مصنعًا، وكان عدد العمال المشاركين في تلك التظاهرات حوالي نصف مليون تحت قيادة لولا دي سيلفا – القيادي العمالي، وقد تمكن دي سيلفا فيما بعد من تأسيس حزب العمال، لينتقل بالصراع من حدودِ مشكلات العمالة مع أرباب العمل، إلى الدولة العسكرية التي رسخت اضطهاد العمال. ومن هنا امتدت الاحتجاجات والإضرابات إلى أنحاء البلاد.
كان النمو الاقتصادي إحدى الركائز التي استند إليها النظام العسكري القمعي في البرازيل، وكانت الإضرابات العمالية، ضربة موجعة ضد الركائز الاقتصادية والسياسية التي دعمت الديكتاتورية، والخطوة الأولى على طريق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
في بداية الثمانينات، كانت الحركات العمالية قد تشكلت وأصبحت قوة لا يستهان بها، لم تستطع الشرطة قمع الاحتجاجات العمالية حينذاك، كما فعلت من قبل، وفي عام 1985، رضخت السلطة العسكرية للمطالب العمالية، وأعلنت تخليها عن السلطة.
***
في بورما .. استخدموا الكلاب من أجل الاحتجاج
في سبتمبر (أيلول) من عام 2007، شهدت بورما أكبر حركة للتظاهرات في الألفية الجديدة، أطلقوا عليها «ثورة الزعفران»؛ إذ قاد عشرات الآلاف من الرهبان البوذيين مظاهرات حاشدة في البلاد، وانضم إليهم آلاف المدنيين، وذلك من أجل المطالبة بإنهاء الحكم العسكري.
خلال هذه التظاهرات، اعتقل النظام أكثر من 6 آلاف فرد، كان بينهم حوالي 1400 راهب، كما أصيب العديد من المتظاهرين بالجروح، وحرموا من الرعاية الطبية المناسبة، وكان المحتجزون يتعرضون للتعذيب البدني، ولا يحصلون على كفايتهم من الطعام والماء، ويجبرون على استخدام مرافق ومراحيض، «قذرة وغير آدمية»، بحسب تقارير حقوق الإنسان.
«هناك أكثر من 200 شخص قد قتلوا خلال هذه الحملة، وتقارير مروعة من بورما تفيد بأن المستشفيات والعيادات قد مُنعت من تقديم أي علاج للمصابين في التظاهرات، وأن الجيش قد نفذ عمليات حرق سرية لجثث الضحايا ليلًا».
بدأت الاحتجاجات في 19 أغسطس (آب) 2007، عندما قامت الحكومة برفعِ أسعار الوقود دون سابق إنذار، بنسبة وصلت إلى 500%، حينها قاد الناشطون السياسيون المؤيدون للديمقراطية مجموعة من التظاهرات، قابلها النظام بحملةِ قمع وحشية، واعتقل المئات من الناشطين السياسيين، وهنا انضم الرهبان البوذيون إلى حركة التظاهرات؛ مما أضفى عليها زخمًا جديدًا.
وكان النظام العسكري في بورما يعمل على دحض كل حركة مقاومة بوحشية، ومع تزايد التظاهرات، عزز النظام الأمن في مدن بورما الرئيسة، استعدادًا لقمع الاحتجاجات، وفي 26 سبتمبر، قام النظام بحملة صارمة ضد المتظاهرين؛ إذ قام أفراد الأمن باقتحام الأديرة، وتهجير الرهبان قسرًا، بعد الاعتداء عليهم بالضرب، كما أطلقت قوات الشرطة الغاز المسيل والأعيرة النارية بين الحشود؛ لتفريق المتظاهرين.
على الرغم من القمع، والوجود العسكري المكثف في مدن بورما الرئيسة، استمر شعب بورما في تحدي النظام بطرقٍ سلمية؛ إذ قاموا بوضع صور قادة النظام العسكري حول أعناق الكلاب، وتركوها تتجول بين أنحاء المدينة، وهي إهانة خطيرة في بورما، ووزعوا المنشورات التي تدين العنف سرًا في أنحاء البلاد، كما دهنت القطارات بالشعارات التي تندد بالحكمِ العسكري.
وعلى الرغم من «النهاية المأساوية» لثورة الزعفران، إلا أنها كانت البداية نحو عملية التحول التدريجي التي شهدتها في البلاد منذ 2010؛ إذ وافق الجيش على تسليم السلطة لحكومة يرأسها الجنرال الإصلاحي ثين سين، وقد توج هذا التحرك عام 2015، بتولي حزب «الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية» السلطة، والذي تتزعمه المناضلة الحائزة على جائزة نوبل للسلام أونغ سان سو كي.
كي دستوريًا من الترشح للانتخابات الرئاسية، لزواجها من أجنبي، إلا أنها أعلنت خطتها لتصبح سلطتها أعلى من سلطة الرئيس؛ وأدى تين كياو ذراعها الأيمن اليمين الدستورية في مارس (آذار) 2016، ليقود أول حكومة منتخبة ديمقراطيًا بعد سنوات من الحكم العسكري.
__________
المصدر: مقال “أبرز الوسائل السلمية التي أسقطت أعتى الأنظمة العسكرية الديكتاتورية” للكاتبة نهاد زكي