سالم الكبتي

عام 1971 نال عمرو خليفة النامى شهادة الدكتوراه من جامعة كمبريدج الشهيرة فى المملكة المتحدة عن رسالته العلمية القيمة (دراسات فى الاباضية) وعاد الى ليبيا استاذا بكلية الاداب فى الجامعة الليبية بنغازى التى تخرج فيها ضمن دفعتها الرابعة عام 1962.

جمعتنى بالدكتور عمرو ذكريات جميلة من خلال لجنة جمع التراث وكنت ألتقيه فى شقته القريبة من الكلية والمجاورة لمبنى المكتبة المركزية للجامعة.

فى العمارة نفسها كان يسكن أيضا الدكتور عبدالرحمن بدوي أستاذ الفلسفة ورئيس قسمها بالكلية وكان أيضا يأتى الى شقة الدكتور عمرو وحضرت جلسات علمية ونقاشات رائعة بينهما رغم تباين الاتجاهات والآراء بينهما.

وأذكر ان الدكتور بدوى كان معجبا أيما اعجاب بالنشاط العلمى والفكرى للدكتور النامى وقد أكد ذلك فى كتابه (سيرة حياتى).

أذكر أيضا أن الدكتور بدوي كان مولعا باغنية السيد بومدين (انريد نرسلك ياروح للى غالى) ويرى ان فيها فلسفة وعمقا رائعين .

وحديث الذكريات يطول .

واذكر طفلته الصغيرة (زينب) التى كانت تغدو وتروح بيننا.

الدكتور النامي شخصية علمية متميزة وباحثا جادا وشاعرا وأديبا امتاز بعلاقات طيبة مع الجميع وبروح الدعابة والفكاهة.

ولم ينج من قمع القذافى وظلمه فاعتقله عام 1973 فيما عرف بفوضى الثورة الثقافيه وأطلق سراحه أواخر 1974 وليظل مراقبا ومضيقا عليه حتى اعتقاله ثانية عام 1982 واختفاء أى أثر له منذ عام 1984.

كان النامى قد واجه منذ البداية الانقلاب العسكرى بمقالة فى نوفمبر 1969 طالب فيها بعودة الحياة المدنية والدستور والحريات وعودة العسكر إلى عنابرهم فى المعسكرات.

وأسرّ القذافى ذلك لعمرو مثلما أسرّه لآخرين (فاضل المسعودى، مصباح العريبى، عبدالمولى دغمان، أحمد يوسف بورحيل .. وغيرهم من الرجال) فأفرغ عليهم وعلى الوطن حقده المعروف.

فى يوم الإثنين 21 شعبان 1394 .. الموافق 9 سبتمبر 1974 كتب الدكتور عمرو قصيدة بعنوان (عندما ينطق الصمت) فى السجن المركزى (الحصان الأسود) بطرابلس وأرسل بها فى أضيق نطاق من هناك ووصلتني بخطّه فى بنغازي وهى من نوادر قصائده

ولعلها تنشر الآن للمرة الأولى

فليقراْها الجميع بالهناء ..

***

عندما ينطق الصمت

قد ضقت بالصمت يلفنى كالموت فى أقبية الثواني

قد ضقت بالدقائق الصماء أصبحت فى وحشة الأكفان

حتى الهواء ملنى وضاق بى .. والنوم قد جفاني

مكرورة .. رتيبة .. ثقيلة .. تخنقنى بصمتها (الثواني)

***

لكم تخيلت الزهور والطيور والخطا تختال فى الروابي

لكم رحلت خلف قضباني إلى أروقة السراب ..

لكم حلمت بالربيع والخراف والقطا .. ورحلة الأسراب

وكم رسمت فى ضياع الصمت .. أربعا غنى لها شبابى

جلوتها حتى إذا ما ارتسمت ضاعت على الأبواب

ذابت على موات الصمت فى الحديد والرخام والعذاب

تبخرت فى حرقة الحزن الذي ذوبني مذ حلّ فى رحابى

الصمت وحده يذرع (خلوتي) .. يمرح فى ثيابي

يلف كل مايؤنسني .. يجول فى محبرتى .. ينام فى كتابي

***

الصمت وحده هنا .. رفيق خلوتي .. ينساب فى الجدران

أسمعه .. تراه عيناي هنا .. ألمحه حتى على القضبان

ينشر من جناحه الرهيب حول ساحتى سحائب الهوان

صرخت كى أشقه . . بكيت واضطربت جاهدا لكنه احتواني .

***

رحم الله عمرا

وتظل الكلمة أطول عمرا من جلاديها.

___________

مقالات

73 Commentsاترك تعليق

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *