د. محمد عبدالرحمن بالروين
أسباب الفساد
بمعني ما هي العوامل التي تؤثر في انتشار الفساد في مجتمع ما؟ الحقيقة أن هناك اسباب عديدة لعل من اهمها:
1. عدم الاستقرار وفشل المنظومة الحاكمة
تشير الأدلة إلى أن ظاهرة الفساد مرتبطة بشكل كبير ومباشر بالتغييرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية السريعة في كل الدول، وأن الفساد يكون أكثر انتشاراً في مراحل الثورات والانقلابات، وبذلك تسود الرشوة والمحسوبية والمحاصصة.
وهذا الوضع يوفر المناخ المناسب لكل أشكال الفساد ويصبح بذلك شرط اساسي في التعامل بين الافراد.
2. ضعف الأجهزة الرقابية وعدم استقلاليتها
فعلي سبيل المثال، (أ) الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد عاجزة – حتى الآن على الأقل – على وضع خطط واستراتيجيات واضحة للقيام باعمالها. (ب) هيئة الرقابة الادارية – لم تستطع تطبيق القوانين الخاصة بالفساد باسلوب عادل وعلى الجميع، وتقف عاجزة على محاسبة ومعاقبة كل من يثبت تورطه بتهم الفساد. و(جـ) ديوان المحاسبة – لم يستطع تحقيق المراجعة المالية وتقييم الاداء لكل مؤسسات الدولة.
3. غياب القوي القادرة على تطبيق وانفاد القوانين وفرض الأمن والاستقرار في الدولة، ومعاقبة كل من يثبت تورطه في عمليات فساد.
4. تبني نظام محاصصة عشوائي مقيت في تولي المناصب السيادية للدولة.
أدوات الفساد
للفساد ادوات واساليب عديدة ومتنوعة لعل من اخطرها: الرشوة، والمحسوبية، والاختلاس، والابتزاز، واستغلال النفوذ، وإهدار المال العام، والكسب غير المشروع.
مخاطر الفساد
مخاطر الفساد كثيرة وضارة لعل من اهمها:
1. الخطورة الاولي تكمن في “صعوبة الاتفاق على تعريف الفساد“.
2. الخطورة الثانية تكمن في “صعوبة التفريق بين الفاسد والمُفسد“. اي بين “أدوات الفساد وصُناع الفساد“.
ففي الوقت الذي ننظر فيه لظاهرة الفساد على أنها “مستنقع قذر“ لابد من تجفيفه والتخلص منه، تراه المجموعات النفعية والانتهازية كاداة ضرورية لتحقيق مصالحهم واطماعهم خاصة.
3. الخطورة الثالثة تكمن في “درجة تفشي الفساد بين المواطنين“. الحقيقة إن تفشي الفساد يضر بالأشخاص الأكثر ضعفاً في المجتمع، ويعيق الاستثمار، ويضعف النمو الاقتصادي، ويقوض سيادة القانون.
4. الخطورة الرابعة تكمن في “تكلفة الفساد على الأفراد والمجتمع ككل“. ان الفساد اداة سهلة ورخيصة لهيمنة الاقوياء على الضعفاء.
وفي هذا الصدد يقول الخبير الاستراتيجي الامريكي هنتنغتون، “إن الفساد هو العامل الرئيسي المسؤول عن إنشاء أنظمة سياسية ديمقراطية مستقرة مُعيبة“.
الفساد هو ظاهرة مرضية استشرت في مفاصل الدولة بدرجة مقيتة، وهو سبب للكثير من المشاكل والأزمات التي يواجها مجتمعنا هذه الأيام. والحقيقة أن حجم الفساد قد فاق كل التوقعات وتجاوز كل الاعتبارات.
فحسب تقارير منظمة الشفافية الدولية خلال الـعشرين (20) سنة الماضية (أي منذ 2003)، قد تم ترتيب ليبيا ما بين أسوأ خمس دول فسادا في العالم، ومن المؤسف أكثر انها ازدادت سوءا منذ 2011.
وقد وصف السيد غسان سلامة، رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ظاهرة الفساد بالأخطبوط الذي أصبح فيه المليونيرات يتوالدون كالأرانب.
وعليه فقد أصبح من الواجب على كل مواطن غيور معرفة هذا الأخطبوط، وأسباب هذا المرض الاجتماعي الخطير والخبيث، والسعي الجاد لتسخير كل الإمكانيات والقدرات للقضاء عليه بكل الوسائل الممكنة والمشروعة.
وعليه لابد على كل السلطات في الدولة أن تتعاون وتوحد جهودها لفضح الفاسدين مهما علت مكانتهم، وخصوصا الذين أكلوا أموال الناس بالباطل، واستغلوا وظائفهم وسلطاتهم لتحقيق مصالحهم الخاصة. ولعل من أهم آليات مكافحة الفساد الاتي:
اولا: اصلاح التربية والتعليم
الحقيقة التي لا جدال فيها أن المنظومة التربوية والتعليمية مقلوبة, ولابد من قلب المقلوب لكي يعتدل, وان الفساد هو قضية ثقافية بالدرجة الأولي، فقد كان لنا، في بداية تاسيس الدولة، مؤسسات تربوية وتعليمية، ولكن اليوم لا توجد لنا للاسف لا تعليم ولا تربية! وكنتيجة لذلك انتشرت ظاهرة “القابلية للفساد” – أي استعداد الأفراد لممارسة الفساد والرغبة في استخدامه كوسيلة لتعظيم مكاسبهم الشخصية، إلى أن اصبحت قيمة الإنسان الليبي هذه الأيام تقدر بالدولار وليس بالأفكار! وأصبح بعض الليبيين ينظرون لمفهوم الفساد، على أنه قضية نسبية ذات بُعد وظيفي فقط.
فعلي سبيل المثال، منذ انتصار ثورة 17 فبراير في2011 – والتي كان من أهم اهدافها التخلص من النظام الدكتاتوري والقضاء على براثن الفساد – ها نحن اليوم وبعد عشر سنوات عجاف، نجد العديد من الليبيين، وخصوصا من الطبقة المحرومة، يترحمون على ذلك العصر الدكتاتوري الذي كان فيه: “سعر الخبز – العشر فردات بربع دينار، و “البيت لساكنه“، و “الارض ليست ملكاً لأحد“، و “العربة لمن يقودها“!
ولعل المثال الآخر الذي يوضح أن الفساد ثقافة هو ما حدث في نيجيريا بعد ما تم انتخاب الرئيس محمد البخاري عام 2015، تحت شعار “مكافحة الفساد“، وبعد محاولات عديدة للاصلاح وتحقيق بعض الانجازات، إلا أن هذه الإصلاحات “قوبلت بردود غامضة داخل البلاد وخصوصا عند الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وفي الواقع نشأت حركات مضادة غريبة يقودها الشباب ومؤسسات المجتمع المدني باسم “أعيدوا فسادنا“.
وقد توصلت الأبحاث التي أجراها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة إلى أنه “… على مدار عام دفع ما يقرب من ثلث البالغين النيجيريين رشاوى عند الاتصال بالمسؤولين الحكوميين ).
***
ورقة مقدمة في الموتمر العلمي “مكافحة الفساد لتدعيم الاستقرار” (15 ـ 16 نوفمبر 2022 ) بقاعة لبدة، بفندق كورنثيا، طرابلس
__________
المصدر: صفحة الكاتب على الفيسبوك