د. محمد عبدالرحمن بالروين
ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻓﻬﻢ كيف ﺛﻢ ﺗﺄﺳﻴﺲ دولة ليبيا اﻟﺪ ﺳﺘﻮرﻳﺔ اﻻوﻟﻰ (1969 - 1951)
الطريق إلى الاستقلال وتأسيس أول دولة عصرية دستورية في ليبيا، بدأت بإعلان الجمعية العمومية للأمم المتحدة، في جلستها الرابعة، يوم 21 نوفمبر 1949، عندما أعلنت بأن ليبيا سوف تحصل على استقلالها قبل يوم 1 يناير 1952.
وكنتيجة لهذا الإعلان تم تحويل ليبيا سلميا من مستعمرة إيطالية إلى دولة دستورية مستقلة عندما أعلنت ليبيا استقلالها يوم 24 ديسمبر 1951.
ولكي نستطيع فهم وتقدير هذه المرحلة، يجب علينا معرفة الأسباب التي أفرزت إعلان الاستقبلال وكتابة الدستور.
إن هذه الوثيقة هي نتاج زمنها، وأفكارها، وأوضاعها السياسية، وظروفها الدولية وشخصياتها القيادية. وعليه فستركز هذه الورقة على أهم ثلاث قوى سياسية ساهمت في إنتاج الدستور.
ولذلك سنتاول بالتحليل الشخصيات، والأفكار، والظروف السياسية في تلك المرحلة.
الشخصيات السياسية
فمن هم أولئك الرجال (المؤسسين)؟
وماذا كانت أهدافهم من كتابة الدستور؟
وما هي الأدوات السياسية التي استخدموها لتحقيق أهدافهم؟
أولئك المؤسسون تحلّوا بالعديد من المزايا والصفات والتي أهمها:
أـ الوعي السياسي
والدليل على وعي المؤسسين السياسي، هو ما قامت به “لجنة العمل” عند كتابة مواد الدستور، فقد كان أول طلب تقدمت به اللجنة إلى مستشار الأمم المتحدة هو ترجمة العديد من الدساتير للأنظمة الفيدرالية والإتحادية وخصوصا دساتير كل من اندونيسيا، والهند، وألمانيا الغربية، والأرجنتين، واستراليا، والبرازيل، وكندا، والمكسيك، وبورما، وسويسرا، وفنزويلا.
كما طلبوا ترجمة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وذلك من أجل الاستفادة منها والاسترشاد بها.
ب ـ الإنفتاح والاستعداد للإستفادة من خبرات الغير
والدليل على انفتاح واستعداد المؤسسين للإستفادة من خبرات الغير، هو استعانة اللجنة بأفضل وأكفأ الخبرات القانونية، وهم:
ـ المستشار القانوني البروفسور سيد عمر لطفي، الذي تمت استعارته من الحكومة المصرية.
ـ المستشار القانوني البروفسور سيد العولي الديجاني عضو في نقابة القانونيين الفلسطينيين ومستشار للملك إدريس السنوسي.
ـ القاضي الإنجليزي السير هير ترستد، المستعار من مكتب الخارجية البريطانية.
ج ـ الإرادة والإصرار
الأدلة على أن المؤسسين هم “أصحاب إرادة وإصرار كثيرة، ومنها:
ـ أنهم قبلوا التحديات التي واجهتهم وانتصروا عليها جميعا، وخاصة تحدي محدودية الوقت لإنجاز الاستقلال. فقد وضعت الأمم المتحدة يوم 21 نوفمبر 1949 موعدا لإعلان الاستقلال. بمعنى أن الأمم المتحدة قد تحدّت الشعب الليبي رغم ظروفه الصعبة بأن يعلن استقلاله ويؤسس دولته في أقل من 25 شهر. وبالفعل استجاب أولئك الرجال لذلك التحدي واستطاعوا تحقيق هدفهم قبل الموعد بأسبوع.
الأدوات السياسية التي وظفها المؤسسون
يمكن حصر الأدوات التي وظفها المؤسسون في التالي:
1. مجلس العشرة
إعلان الجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 1949 تضمن ثلاثة بنود في غاية الأهمية للعملية السياسية:
البند الرابع: لكي تتم مساعدة الشعب الليبي في كتابة دستوره، وتشكيل حكومته المستقلة، لابد من تعيين مندوب للأمم المتحدة في ليبيا، وتشكيل مجلس يساعده.
البند السادس: المجلس يتكون من عشرة أعضاء هم: 6 أعضاء يمثلون كل من مصر وفرنسا وأيطاليا وباكستان وبريطانيا وأمريكا، و 4 أعضاء عن ليبيا.
تم تعيين السيد أدريان بلت مندوبا للامم المتحدة في ليبيا، الذي زار البلاد وقضى فيها اسبوع في كل ولاية بهدف اختيار أعضاء المجلس الاستشاري، وبعد استشارة كل القوى السياسية آنذاك في الولايات الثلاثة تم اختيار 4 ممثلين عن ليبيا في مجلس العشرة، وهم:
ـ السيد علي الجربي، ممثلا عن برقة، وتم استبداله فيما بعد بالسيد علي العنيزي.
ـ السيد مصطفى ميزران، ممثلا عن طرابلس الغرب.
ـ السيد أحمد الحاج السنوسي، ممثلا عن فزان، وقد تم استبداله فيما بعد بالسيد محمد عثمان الصيد.
ـ السيد جيوكومو مارشيانو، ممثلا عن الاقليات غير الليبية.
وبعد اخيتار الممثلين الأربعة لليبيا، قام السيد إدريان بلت بإعداد خطة شاملة لأعمال مجلس العشرة وضح فيها طريقة اختيار لجنة الإعداد لتكوين الجمعية الوطنية في مدة لا تتجاوز شهر يوليو 1950، واقترح اسلوب انتخابها.
وعليه كانت مشاركة الليبيين في مجلس العشرة خطوة إيجابية وبداية الإنطلاق نحو تأسيس الدولة الليبية الدستورية، وقد انبثق عن تلك اللجنة تشكيل ما عرف بلجنة الواحد والعشرين.
2. لجنة الواحد والعشرين
بعد استشارات ومفاوضات مع كل الأطراف في الولايات الثلاث، قرر السيد ادريان بلت تشكيل ما عرف بلجنة الواحد والعشرين، 7 ممثلين من كل ولاية. وقد تم الاتفاق على أن يختار الأمير ادريس ممثلي برقة، ويختار السيد أحمد سيف النصر ممثلي فزان، ويختار السيد المفتى أبو الأسعاد العالم ممثلي طربلس الغرب.
ولعل من أهم مهام هذه اللجنة الاتفاق على عدد وكيفية اختيار أعضاء الجمعية الوطنية.
واجهت اللجنة مشكلتين، الأولى تتعلق بالأساس الذي سيتم عليه التمثيل في الجمعية، إما التمثيل النسبي أو على أساس التساوي، والثانية تتعلق بكيفية اختيار الأعضاء، بالإنتخاب أو التعيين.
وعند النظر إلى تقديرات اللجنة الفنية في الأمم المتحدة لعدد السكان في ليبيا في تلك الفترة، يتبين مدى صعوبة مشكلة التمثيل في الجمعية بسبب الفروق الكبيرة في عدد سكان الولايات الثلاثة، وهو اختلاف لا يمكن تجاهله بأي حال من الأحوال.
واﻟﻰﺟﺎﻧﺐ اﻟﻔﺮوق ﻓﻲ ﻋﺪد اﻟﺴﻜﺎن ﺑﻴﻦ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﻟﺜﻼث، كان هناك أﻳﻀﺎ ﻓﺮوق أﺧﺮى في الجوانب اﻟﻌﺮﻗﻴﺔ واﻟﺪﻳﻨﻴﺔ.
وﺑﻌﺪ ﻧﻘﺎش ﻃﻮﻳﻞ وﺣﺎد ﺑﺨﺼﻮص هذه المسألة ﺛﻢ اﻻﺗﻔﺎق ﻋﻠﻰ ان ﻳﻜﻮن اﻟﺜﻤﺜﻴﻞ ﻋﻠﻰ اﺳﺎس اﻟﺘﺴﺎوي ﺑﻴﻦ اﻟﻮﻻﻳﺎت ﺑﻐﺾ اﻟﻨﻈﺮﻋﻦ التباين في ﻋﺪد اﻟﺴﻜﺎن في الولايات، والاختلافات الأخرى.
إما فيما يتعلق بالإشكالية الثانية، فقد تم الاتفاق على أن يتم تعيين الأعضاء بشرطين هما، أولها، ألا يكون الأعضاء من قيادات الأحزاب الرئيسية في طرابلس، وثانيا أن تتاح الفرصة لأبناء الشعب غير الحزبيين في المشاركة في الجمعية الوطنية.
وبناء على هذا الاتفاق نجحت لجنة الواحد والعشرين في اختيار اعضاء الجمعية الوطنية في الوقت الذي حدد لها.
3. الجمعية الوطنية
تكونت الجمعية العمومية من ستين (60) عضوا بالإختيار، حيث قام الأمير إدريس السنوسي باختيار 20 عضوا من ولاية برقة، والسيد أحمد سيف النصر باختيار 20 عضوا من فزان، والسيد المفتي أبو الأسعاد العالم باختيار 20 عضوا من طرابلس الغرب. بالتالي أشتهرت الجمعية الوطنية بإسم لجنة الستين.
كان الغرض من تأسيس الجعية الوطنية هو كتابة الدستور، وما أن تشكلت الجمعية حتى قامت لجنتين لتسهيل أعمالها:
الأولى سميت بلجنة الدستور، وتكونت من 18 عضوا (6 أعضاء عن كل ولاية)، ومن داخل هذه اللجنة تشكلت اللجنة الثانية وكان عدد أعضائها 6 ، عضوين من كل ولاية، وسميت هذه اللجنة المصغرة بـ “لجنة العمل“.
وهذه اللجنة المصغرة هي التي وضعت الدستور وقامت الجمعية الوطنية بالإستعانة بثلاثة مشتشارين قانونيين.
وكان العدد الكلي للاﺟﺘﻤﺎﻋﺎت التي عقدتها اللجان للوصول إلى صياغة نهائية لمشروع الدستور 187 إجتماعا في مدة لم تتجاوز 25 شهرا.
…
يتبع
___________
(*) ورقة قدمت في مؤتمر “منظمة الليبيون الأمريكان” تحت عنوان “نحو إعادة الشرعية الدستورية في ليبيا“، الذي عُقد في واشنطن دي سي يومي 23 و 24 يونيو 2006.
المصدر: صفحة الكاتب على الفيسبوك