كان آخر من ودّع الشهيد أحمد احواس قبيل عبوره للحدود

نبذة مختصرة:

ـ ولد علي أبوزيد (رحمه الله) في منطقة الرجبان سمة 1940م.

ـ أتم دراسته الابتدائية والإعدادية بالرجبان ثم التحق بالكلية التجارية الصناعية بطرابلس، وتخرج منها سنة 1961م.

ـ عمل بشرك برايس ووتر هاوسالأمريكية التي كانت تقوم بمراجعة حسابات شركات النفط في ليبيا.

ـ انتسب إلى كلية التجارة في الجامعة الليبية وتخرّج في قسم المحاسبة سنة 1967م.

ـ أسس مكتباً للمحاسبة سنة 1969م بطرابلس.

ـ أُعتقل سنة 1973م بتهمة الانتماء إلى تنظيم الإخوان المسلمين

ـ غادر ليبيا سنة 1975م واستقر به المقام في بريطانيا.

ـ ساهم في تأسيس الجبهة الوطنية لانقاذ ليبيا سنة 1981م.

ـ قام بدور مهم في الاعداد لعملية باب العزيزية سنة 1984م.

ـ شارك في تأسيسالحركة الليبية للتغيير والإصلاح سنة 1994.

***

من وقائع جريمة اغتيالة في لندن يوم 26 نوفمبر 1995م

ـ في صباح ذلك اليوم البارد في لندن، وبعد أن فتح علي أبوزيد دكانه واتجه إلى خلف المحل لينيره بالمصابيح الكهربائية الموجودة أقفالها في الخلف وقرب قسم اللحم في محل الشاميلبيع المواد الغذائية العربية.

ـ تبعه شخصان أو شخص واحد إلى داخل المحل وهجما عليه قبل أن ينير الأضواء، وتعاركا معه واستخدما سكينا تكسّر نصلها أمام صلابة جسم هذا الليبي الصلب. فأسرعا إلى الاستعانة بالسكاكين التي كانت موضبة على قرب من طاولة فرم اللحم، وانهالا طعنا فيه، طعنات لا تحصى وهو يقاوم حتى الرمق الاخير.

ـ أول الواصلين كان أحد عمله المغاربة الذي قال إنه وجد باب المحل مفتوحا فخاف وذهب إلى جاره اللبناني ليسأل عما حدث، فنصحه بالاتصال بالشرطة وعدم لمس أي شئ.

ـ وفي نفس الوقت اتصل العامل المغربي بزوجة على أبوزيد ليستعلم عماإذا كان الحاج علي ما يزال في منزله، فلما أخبرته أنه غادر منذ أكثر من ساعة، أمرت ابنتها بالتوجه إلى المحل فورا.

ـ في ذلك الأثناء، مر مواطن عربي كان يبحث عن عمل بالمحل، ودلف إلى الداخل، فوجد جثة الشهيد، فهاله المنظر وتراجع إلى الخلف.

ـ وصل العامل المغربي وإبنة الشهيد، وعند مارأى العامل المغربي المنظر أمسك بإبنة الشهيد وأرغمها على التراجع حتى لا ترى منظر والدها المقتول غدرا.

ـ جاءت الشرطة البريطانية وضربوا نطاقا أمنيا حول المحل والمكان، واستمرت التحقيقات ساعات طوال اليوم مع العمال، وأخذت البصمات، ولكن بعد ساعات طويلة من التحقيقات والاستجوابات لم يبرز أي دليل حول الفاعلين.

ـ ترددت معظم الصحف العربية في نشر تفاصيل الحادث إلى اليوم التالي، وكذلك لم تنشر الصحف البريطانية إلا القليل.

ومع أن التحقيقات استمرت لمدة طويلة فإن عوامل كثيرة تبينت بعد ، ومنها:

أولا: تسريب معلومات نشرتها صحيفة الديلي تلغرافاللندنية أشارت إلى أن الشهيد على أبوزيد وعلى ذمة مصادر الصحيفة المذكورة، كان على علم بصفقة أسلحة إلى النظام الليبي وأطلع السلطات الأمنية على تفاصيلها، وبعد عدة أيام من اغتياله تم كشف الباخرة التي كانت متوجهة إلى ليبيا في وسط البحر المتوسط، ووجد على متنها أسلحة غربية ممنوعة.

ومع أن السلطات البريطانية ترفض تأكيد هذا الخبر الصحفي، فإن محاولة ربط المرحوم بصفقات الأسلحة أو العمليات السرية لبيع السلام وشرائه غير صحيحة، لأن المرحوم لم يكن من أولئك النوعية من البشر بل كان تقيا ورعا لا يتعامل مع أسلحة الموت وتجاره.

ومهما يكن فإن الحقيقة لابد لها وأن تظهر وسيعرف القاتل ومن وراءه. وفي الأيام الأربعة التي تلت اغتياله، تدفق الليبيون لوداعة ووقف مسؤولو الأمن البريطاني ليطلب منهم أن يقدموا المعلومات حول ظروف الحادث.

ولم يغلق ملف القضية وإن كان معظم الحاضرين قد أجمعوا على أنه اغتيال سياسي، ولم تحدد السلطات البريطانية بعد بشكل قاطع دوافع الجريمة وملابساتها ولم تفرض ولم تقبل التأكيدات في أوساط الليبيين المعارضين عن تورط القذافي في عملية الاغتيال.

عندما اتصل يوم الاربعاء 24 يناير 1996 بجهاز سكوتلاند يارد، قالت الناطقة إنه لم يتم اعتقال أي مشتبه به في قضية اغتيال أبوزيد. ولم يجر حتى الآن تحديد مسؤولية أي جهة أو مجموعة أو حكومة عن هذا الاغتيال.

ومع أنه معروف عنه بأنه معارض ليبي بارز، وأن فرع مكافحة الارهاب في سكوتلانديارد يتولى الآن مسؤولية التحقيقات. وأصرت الناطقة على عدم الإدلاء بالمزيد من التعليقات حفاظا على سرية التحقيقات ولأمور عملية.

والأمر الذي لابد من ذكره أن عائلة وأصدقاء الشهيد علي أبوزيد عرضوا مكافأة مالية قدرها مائة ألف جنيه استرليني لأي شخص يقدّم معلومات تؤدي إلى القبض على الشخص أو الأشخاص المسؤولين عن هذه الجريمة.

ثانيا: من الحوارات التي أجريناها مع الليبيين وخاصة المقربين من المرحوم، فإن أكثر من مصدر أكد أن أحد الذين اتصلوا بالمرحوم قبل عدة أيام من اغتياله أخبره أنه سمع تهديدات لقتله في أحد مقاهي شوارع لندن، وعندما سئل المسؤولين الأمنيين البريطانيين عن ذلك رفضوا التعليق واعتبروا الأمر ضمن الأقاويل التي يجري التحقيق فيها.

ثالثا: وفي هذه الأثناء حددت السلطات البريطانية 24 ديسمبر 1995 الماضي الذي كان يقوم بالاشراف على قسم المصالح الليبية في السفارة السعودية.

لكن لابد للمرء أن يتساءل عن مدى معرفة بعض الجهات بالتخطيط لهذه العملية الاجرامية، وهل سيتقدم أحد الفاعلين أو المتآمرين بكشف الآخرين.

لم تعد القضية مفتوحة والتحقيقات مستمرة، وبإذن الله فإن القاتل سيعرف وعندها لن تكون مفاجأة انكشاف تورط نظام القذافي القاطع في قتل أبناء ليبيا الأبرار.

***

اغتيال علي أبوزيد وفشل سياسة التصفية الجسدية

تمام البرازي

الاغتيال كان دائما سلاح الأنظمة اليائسة والجبانة لإخراس الأصوات الحرة، والعمليات التي قام بها القذافي لإرهاب شعبه لم تفلح في تحقيق أهدافه، بل زادت الشعب إصرارا على الانتقام من الجلاد البائس.

في العرف الدموي الذي أسسه المستبدون والطغاة في تاريخ البشرية الطويل المشبع بالأحزان والمآسي، نجد الطغاة من أمثال القذافي يستخدمون القتل والاغتيال كأداة قمع داخلية وخارجية محاولة منهم إسكات الأصوات المعارضة أو أي صوت يحتج على سياستهم.

لكن الدكتاتور القذافي قد بزهم جميعا لأنه قد ذهب بعيدا في عمليات الاغتيال ضد أبناء شعب يعتبر صغيرا بالمقارنة بالشعوب الكثيرة العدد. ولقد تميزت الاغتيالات القذافية عن غيرها من الاغتيالات، لأن نظام القذافي كان يعترف بها بينما الأنظمة الأخرى تنكرها وتخرج في موكب تشييع ضحاياها.

استخدم القذافي المرتزقة في الداخل والخارج للقيام بالتصفيات الجسدية والاختطاف والإخفاء القسري حسب تعريف الأمم المتحدة وميثاق حقوق الانسان.

ومارس القذافي على الشعب الليبي لعقود طويلة عبقريته الدموية عبر القتل والقمع والتشريد والاختطاف والتعذيب. لكن كل هذه الفنون القذافية المولغة في السادية لم تقلل من عزيمة الشعب الليبي المناضل دائما وأبدا لحلمه الكبير في الحرية.

وقد جاءت آخر أعمال الارهاب التي ارتكبها القذافي باغتياله المناضل الشهيد علي محمد أبوزيد في لندن في نوفمبر 1995م. لقد ظن البعض أن القذافي قد توقف عن طغيانه، وكأن الطاغية يتوب.

إن أول شهيد في غربة لندن من شعب ليبيا الأبي كان الشهيد البطل محمد مصطفى رمضان في أبريل من عام 1980م، حيث اغتيل برصاص عملاء سفاح ليبيا في ساحة مسجد لندن بعد أن أدّى الشهيد صلاة الجمعة.

هذا الدكتاتور ظن ـ وكم خاب ظنه ـ أن اغتيال محمد مصطفى رمضان والشهداء الآخرين في لندن وروما وعواصم أوروبية أخرى عديدة سيخرس الشعب الليبي في الداخل والخارج للأبد. وما اغتيال شهيدنا علي أبوزيد إلا مثالا لأمرين أثتبهما التاريخ المعاصر لليبيا.

الأمر الاول: أن الاغتيال السياسي الذي قام به القذافي لارهاب الشعب الليبي لم يفلح في تحقيق أهدافه، بل استمرت المعارضة الليبية بشتى فصائلها رافعة راية المقاومة ضده.

الأمر الثاني: أن الليبيين في غربتهم بعد مقتل أبوزيد لم يختفوا في بيوتهم في لندن، بل اندفعوا اندفاعة الأبطال الشجعان لوداع شهيدهم البطل أمام أعين عملاء القذافي وكتّاب التقارير ، واحتشد جامع برنتفي لندن على مدى أيام بالمعزين بالشهيد الذي حمل على الأكتاف ليدفن خارج وطنه.

إن بعض ضعاف القلوب الذين يحاولون خلق أعذار وأوهام بأن القذافي لم يكن القاتل لأبي زيد، يفوتهم أمر مهم، وهو أن القذافي لم يغفر لأبي زيد تخطيطه ومشاركته في عملية باب العزيزية المجيدة سنة 1984م ضد وكر من القذافي التي يختبئ بها من شعبه ومن ضوء النهار.

ولئن نجا العقيد صاحب نظرية القتل لأجل القتلفي كتابه الأخضر من تلك العملية الرائعة فإنه مما لا شك فيه أن العملية القادمة ستكون ماحقة ولنظامهلكن المخزي في هذه العملية الأخيرة لنظام القذافي أن بعض الأقلام المأجورة ما تزال تردد أن القذافي سيساعد في التحقيق والبحث عن قاتلي أبي زيد مع السلطات الأمنية البريطانية.

وهذه الأقوال التي نتبعث من بعض الصحفيين في مصر تثير علامات الاستفهام عن مدى ولوعهم في عملية بيع الضمائر والدفاع عن قاتل لا يحتاج إلى براهين لإثبات تورطه في جرائم مستمرة ضد شعبه المبتلى.

لكن الأغرب من ذلك أن التحقيقات البريطانية ما تزال مستمرة، وقد وصلت إلى طريق مسدود برغم أن التهديدات لعلي أبوزيد قبل أيام من اغتياله قد أطلع عليها رجال الأمن في بريطانيا. والسؤال المطروح هو لماذا لم توفر للشهيد الحماية المطلوبة؟.

علي أبوزيد، هذا الانسان الطيب الذي حمل لواء مقاومة نظام القذافي منذ السبعينيات، كان شجاعا لا يهاب الموت، ومؤمنا بأن العمل شرف، ولهذا لم يمارس مهنة الجلوس في الفنادق الفخمة في العواصم العربية، بل نزل إلى الشارع وباع المواد الغذائية حتى لا يمد يده إلى أي نظام دكتاتوري لإطعام أولاده.

ويكفيه فخرا وعزا أنه مات وهو يفتح دكانه وسط لندن. وكل من عرف الشهيد يكرر قصصا عن نضاله اليومي وفتح بابه لكل معارض يريد مقاومة هذا النظام الجائر. فالشهيد كان سباقا وفي طليعة من أسسوا الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبياسنة 1981م، ثم في تأسيس الحركة الليبية للتغيير والاصلاحسنة 1994 بعد أن رأى أن متطلبات المرحلة تتطلب نقلة نوعية جذرية. إن اغتيال الشهيد يثبت أن عمله الأخير كان مؤلما للقذافي ونظامه.

وكان إيذانا بانطلاقة متجددة لمعارضة إصلاحية تحمل راية تغييرية لا هوادة فيها. ولهذا فإن القذافي وزبانيته قد شعروا أن عليهم التصدي للخطر الجديد وإيقافه في المهد. لكن حساباتهم أخطأت، والدليل على ذلك تدفق الليبيين في المهجر لإعلان تأييدهم ومؤازرتهم المرحوم في حياته ومماته.

إن عملية الاغتيال لم تكن إلا محاولة فاشلة من العقيد الذي يعيش في خيمته الإيطالية التي يتناول فيها عقاقير الهلوسة ويتخذ قراراته البائسة. فالإغتيال السياسي كان دائما سلاح الأنظمة اليائسة والجبانة لإخراس الأصوات الحرة، وقيادات الجماهير تعي أن غيابها سيزيد هذه الجماهير إصرارا على الانتقام من الجلاد البائس.

وتأتي هذه الأعمال القذافية في وقت يزحف فيه القذافي على بطنة أمام بريطانيا والغرب ليقنعهم بأنه قد تغيّر، وأنه مستعد لتنفيذ أوامرهم بالكامل حتى أنه قدم عشية الاغتيال تقريره السادس لوزارة الخارجية البريطانية حول دعمه للجيش الجمهوري الإيرلندي بالمال والسلاح، فهو كالعادة يدعم فريقا ثم في اليوم الثاني يكشف أوراق الدعم لأعداء ذلك الفريق.

أي أن القذافي لا يمل عن خياناته لكل إنسان صافحه، والأمور دائما إلى انقلاب معه، فالعدو صديق، والصديق عدو، وهكذا دواليك.

ومن الأمور التي تثبت أن تحرك القذافي كان محاولة مستميتة لوقف أي تحرك للمعارضة في الخارج هي محاولته في كل عام أن يسدد ضربة إعلامية للمعارضة. فمثلا، قام باختطاف الاستاذ منصور الكيخيا وزير الخارجية الأسبق وداعية حقوق الانسان العربي بعد أن توصل الكيخيا إلى مرحلة إقناع فصائل المعارضة بضرورة التنسيق وتشكيل جبهة عريضة لبدء خوض المعركة النهائية.

ومما لا شك فيه أن فصائل المعارضة الليبية ستفوت الفرصة على القذافي في محاولته لإسكاتها، بل ستكون هذه المحاولة العقيمة منصة انطلاق جديدة لتخطي الأمور الهامشية وإقامة الجبهة العريضة التي لابد منها لبدء العد التنازلي لإزالة القذافي ومحو آثار عدوانه ضد الشعب الليبي الذي زاد على ربع قرن.

إن المقاطعة الاقتصادية التي سببها العقيد للشعب الليبي ما تزال آخر اهتماماته لأنه أثبت أن حبه للأعمال الإجرامية مستمر حتى وإن كان سيؤدي إلى حصار ليبيا من كل دول العالم واختناقها. ومن المؤسف أن بعض جيران القذافي يحاولون استغلال عدم ثبات شخصيته، ويحاولون إطالة أمد هذا الدكتاتور الصغير وإطالة عذاب الشعب الليبي ـ الذي يرى بأم أعينه تواطؤهم معه ـ مقابل ثمن بخس دراهم معدودة.

بعد هذا كله لابد من الإقرار أن أعمال القذافي البائسة قد بلغت حد الذروة ولم يعد في جعبته سوى أن يرحل في ليلة لا قمر فيها.

_____________

المصدر: مجلة شؤون ليبية، شتاء 1996

مقالات

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *