ومن التغيير بالقوة إلى أسلوب العمل السلمي

علي رمضان ابوزعكوك

النشاط الإسلامي العام:

وقد انخرطت في النشاط الإسلامي العام تحت مظلة اتحاد الطلبة المسلمين بالولايات المتحدة وكندا، وتعرفت على العديد من النشطاء والعاملين في المجال الإسلامي العام.

وكان الصراع على أشده في تلك الفترة بين منظمة الطلبة المسلمين (التي يغلب على قياداتها الأصول الأخوانية)، ومنظمة الطلبة العرب التي التي كان يتصارع على الهيمنة عليها الناصريون والقوميون والبعثيون، ولكنني قمت مع مجموعة من الزملاء في جامعة ستانفورد من أجل إيجاد جسور للتعاون بين هذه التيارات الفكرية، وكنا نعمل مع المنظمتين في نفس الجامعة.

وقد تأثرت بالنشاط الإسلامي العام في أمريكا ووجدت فيه الجانب الذي لم يكن بمقدوري أن أعيشه أو أعبر عنه في البلاد العربية. وقد تعرفت من خلال هذا العمل التعرف على توجهاتي وميولي الحياتية. وقد أدى ارتباطي بالعمل الإسلامي إلى تقوية التزامي بديني، وإلى فتح آفاق الرؤية الإسلامية لحياتي.

المرحلة الليبية الثالثة: (1971-1972)

بعد حصولي على الماجستير رجعت إلى الجامعة للتدريس فيها وقد وجدت الأمور في حالة حراك جديد يحاول فيه مناصرو انقلاب سبتمبر سنة 1969 إلى الهيمنة على اتحاد الطلبة وجمعيات النشاط الطلابية. ثم كلفتني كلية الآداب بالاشراف على تحرير مجلة قورينا التي يصدرها طلبة كلية الآداب.

وكان يغلب على أسرة التحرير قبل مجيئ التوجهات اليسارية والعلمانية، ولذا فلم يجد تعييني من قبل الجامعة الرضى التام من هيئة التحرير، وقرر بعضهم الاستقالة ليسقط في يدي، وتعاونت مع عديد من الطلاب المهتمين بالعمل الفكري والصحفي على تشكيل هيئة جديدة، وقررنا أيضا اتخاذ سياسة جديدة تفتح الباب لحرية التعبير عن الرأي لكل صاحب رأي.

الموقف من النظام الجديد

أما من ناحية العلاقة مع النظام الجديد، فالبرغم من أن الفرصة قدمت لي وطلب مني أن أتعاون مع السلطة الحاكمة في ليبيا وبالذات في قطاع الإعلام، سواء بمسؤولية الوزارة داخل ليبيا أو في الخارج بإقامة مؤسسة إعلامية، فقد كنت وقتها متشبتا بالراي الر افض للتعاون مع السلطات العسكرية الحاكمة في ليبيا.

فاعتذرت عن تحمل مسؤولية الإعلام لمحبتي التدريس الجامعي، ولرغبتي في استكمال الدكتوراة، أما بالنسبة لإنشاء مؤسسة إعلامية في الخارج، فلأنني كنت ولا أزال مقتنعا بأن وجود المؤسسة في داخل ليبيا سيكون له مردود إيجابي سواء من حيث جلب التقنية إلى ليبيا أو من حيث حصول الشباب الليبي على فرص للتدريب وإتقان العمل الإعلامي.

العلاقة الحدية مع النظام الجديد

عندما وقع التغيير السياسي في ليبيا كنت وقتها في الولايات المتحدة استكمل في دراستي العليا، وعند أول رجوع لي في سنة 1970 عرفت شخصيات من قام بالحركة الانقلابية، وبرغم أني لم اكن من الموالين للنظام الملكي السابق لكنني كنت من المقتنعين بوجود نظام دستوري تحترم فيه كرامة الإنسان ويحق فيه للجميع التعبير عن رأيهم.

ولذا فإنني قمت في الجامعة بتشجيع الطلبة على الانخراط في النشاط العام وساعدتهم على تأسيس جمعية للدراسات الإسلامية بكلية الآداب، كما كنت من الداعمين للنشطاء بغض النظر عن انتماءاتهم وميولهم الفكرية.

وفي اللقاء الأول بين أعضاء هيئة التدريس الجامعية والعقيد القذافي الذي انعقد في كلية الهندسة بجامعة طرابلس تكلمت عن عدد من القضايا الحساسة وبصراحة ومما طرح في ذلك اللقاء:

  1. رددت على العقيد القذافي حين قال أنه وزملاؤه قاموا بالحركة ضد الحق الإلهي للملوك، وذكرت له بأننا الآن لا نستطيع التظلم أو رفع الدعوى على اي قرار من قرارات مجلس قيادة الثورةن فيما يشبه من جديد ظهور اطراف فوق القانون.

  2. كما ناديت بوجود دستور يحدد العلاقة بين السلطات الثلاثة الحاكمة ويتيح للناس الحق في إيجاد مؤسسة تراقب أعمال السلطة التنفيذية، وذكرت له بأنني رغم قناعتي الشخصية برقي المفاهيم الإسلامية عن غيرها إلا أنني مستعد للقبول بأي دستور يقبل به الناس ويشساوي في الحقوق والواجبات بين المواطنين جميعا

  3. وطالبت بحرية التعبير والإعلام ،كما طالبت بإلغاء الرقابة قبل النشر على وسائل الإعلام، ومما ذكرته أن وجود الرقابة القبلية لا تعني إلا ان الناس قصر وليسوا بأصحاب أهلية قانونية يتحملون مسؤولية كتاباتهم.

  4. كما ختمت بالمناداة بألا يقتصر العمل السياسي على الاتحاد الاشتراكي لأن العمل من اجل الوطن حق للجميع، وليس من الضرورة أن يتقولب الجميع على نمطية سياسية واحدة (خصوصا وأنني عايشت تجربة الاتحاد الاشتراكي في مصر وما أدت إليه من هيمنة الرأي الواحد على شؤون البلاد).

وفي اللقاء الثاني المهم الذي عقد مع أعضاء هيئة التدريس سنة 1975 بطرابلس قال لي القذافي بأنني من الأخوان المسلمين، كما لو كانت صيغة اتهام وذكرت له بأنني لست من المنظمين لحركة الإخوان المسلمين، ولكنني أحمد الله على كوني مسلما ملتزما بديني، كما ذكرت له أن هناك مشكلة عند كثير من الناس بجعل صفة الارتباط بحركة الأخوان تهمة، وبينت له أنني عشت سنوات هجوم الإعلام المصري على حركة الإخوان وتشويهه لها ظلما، كم قمت بمداخلة صريحة معه في الحوار الدائر بينت فيها:

  1. أن إلغاء الجامعة الإسلامية بالبيضاء بحجة إلغاء الفصام النكد بين التعليمين العلماني والديني جاء نكبة على التعليم الديني، وأوضحت له كيف وأنا عضو بمجلس الجامعة لا يمكننا أن نقدم مساقا لتدريس العلوم الاقتصادية من المنظور الإسلامي،

  2. كما ذكرت له بأن الثورة التي أطلق عليها الثورة الثقافية للعودة إلى روح الثقافة العربية والإسلامية انقلبت إلى وسلة فعالة للقضاء على الكتاب الإسلامي، وذكرت كيف جمعت مؤلفات الكتاب والمفكرين الإسلاميين من المكتبات العامة والتجارية وأحرقت في الوقت الذي لم تمس فيه كتب المفكرين اليساريين والوجوديين وغيرهم.

  3. وبينت له الصراع المرير الذي خضناه من اجل تعريب التدريس في الكليات العلمية وذكرت فيه أن دولا بلغات محدودة الآنتشار كالبلغارية والعبرية يدرس أصحابها بها في كل المجالات العلمية واتلطبية والهندسية، وذكرت له أن قضية التعريب تحتاج إلى قرار سياسي، لأنه لن يمر من خلال مجالس الجامعات.

ولم يرد العقيد على مداخلتي ولكنه تكلم في اليوم التالي للحوار بصفة العموم عندما قال نحن قي ليبيا لسنا في حاجة إلى من يدعونا للإسلام، ومن يرغب في الدعوة إلى الإسلام فالخارج أولى به.

وبعد أن أكملت إنشاء قسم الدراسات الإعلامية بالجامعة كنت مؤملا أن يكون القسم الآلة المحركة لقضايا حرية الصحافة وبقية وسائل الإعلام، وقد كان الإقبال الطلابي على القسم كبيرا مما أضطر الكلية إلى تحديد عدد المقبولين.

الهجوم على الجامعات:

وبعد نجاح قائمة اتحاد الطلبة المستقلين في الانتخابات التي جرت سنة 1975 وفشل تجمعات العناصر الثورية، قامت هذه العناصر بدعم من الأجهزة الأمنية في أبريل 1976 بهجوم على الجامعة ولاحقت بالهراوات والسيخ الحديدة أعضاء الاتحاد المننتخبين داخل قاعات الجامعة. ولم تفعل السلطات الأمنية شيئا وحاولت النيابة العامة أن تجري تحقيقا حول ما جرى ولكن دون جدوى.

ثم قامت بعض العناصر الثورية بإطلاق الرصاص على الطلاب داخل الحرم الجامعي مما هيج المشاعر وأدى إلى خروج المظاهرات الاحتجاجية مما أدى إلى اصطدامها بالقوات الأمنية وسقوط عدد من القتلى والجرحي بسبب ذلك.

وقد اعتقلت من بيتي يوم 25 ابريل سنة 1976 وجرى تعذيبي والتحقيق معي بمزاعم أن لي تنظيم داخل ليبيا ضد الوضع القائم. وبعد أن أخذ مني التعذيب مأخذه نقلت إلى المستشفى العسكري بين الحياة والموت. وبعد فترة طويلة من العلاج أخبرت بأنني قد أخرجت مع ستة آخرين من أعضاء هيئة التدريس من الجامعة، وكانو قد أخرجوا من الجامعة بدون اعتقال ولا تعذيب.

يتبع

_____________

   

مقالات

1 Commentاترك تعليق

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *