غرور المشير وأحلام الديكتاتورية
في الأسبوع نفسه الذي اقترح فيه عقيلة صالح رئيس البرلمان تعيين خليفة حفتر كقائد للقوات المسلحة في البلاد، نزل العدد المزدوج من مجلة نيويوركر في 23 فبراير و 2 مارس 2015 أكشاك بيع الصحف.
تضمنت المجلة لمحة جيدة التوقيت عن حفتر، واعتبرت المجلة بأنها أول إعلان دعائي كبير عن المواطن الأمريكي المتجنس الذي أصبح زعيم محتمل لليبيا.
صوّر المقال الذي كتبه جون لي أندرسون خليفة حفتر على أنه الرجل القوي الذي تحتاجه ليبيا، حيث زعم الصحفي أنه زار قاعدة حفتر العسكرية “في وقت سابق“. وأظهرت صور غابرييل ميكاليزي مجموعة من الليبيين يرتدون الزي الرسمي العشوائي مع حفتر، بنظارات “إسكيو“، لتعطيه أفضل مظهر صارم.
وصف الملف الشخصي المكون من 7400 كلمة حفتر بأنه “رجل معتدل المظهر في أوائل السبعينيات من عمره، [الذي] حارب مع وضد كل فصيل مهم تقريبًا في صراعات البلاد، مما أدى إلى سمعته بخبرة عسكرية لا مثيل لها” (!!).
لم يكن هناك دليل واحد يدعم هذا الوصف، لكنه بدا جيدًا للجمهور الأمريكي. كان حفتر شخصًا يمكن أن يعتمد عليه الأمريكيون. حيث في نهاية الأمر، هو مواطن أميركيً يحارب الإرهاب في مكان يردد صدى ما أصبح سريعًا إهانة سياسية من كلمة واحدة “بنغازي” تستهدف وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون .
في 2 مارس، عين مجلس النواب الليبي رسميًا حفتر على رأس الجيش الوطني الليبي برتبة مشير (!). لقد نجحت الدبلوماسية المكوكية وعقد الصفقات المدعومة من إريك برنس. في اليوم التالي، عادت طائرة برنس إلى مالطا فارغة.
تعيين حفتر لم يجعل كل الليبيين سعداء. ذكرت قناة الجزيرة أن “حفتر أصبح أحد أكثر الشخصيات إثارة للانقسام في ليبيا بعد الثورة“.
من المؤكد أن هذا لم يردع برنس، الذي لم يضيع الوقت في محاولة حشد الأعمال مع شريكه الجديد، الذي كان له أخيرًا منصبًا رسميًا.
طرح برنس وحفتر على الفور مبادرة بعنوان “اقتراح السيطرة السيادية الليبية” لوقف تدفق المهاجرين من شرق ليبيا إلى أوروبا.
دعا الاقتراح إلى خمس قواعد جوية يعمل بها ما مجموعه 1100 ليبي يتم تدريبهم من قبل 50 مرتزق أجنبي. وستقوم شركة الخدمات اللوجستية فرونتير التي تتخذ من هونج كونج مقراً لها بتوفير المتدربين، والخدمات اللوجستية؛ طائرات هليكوبتر، طائرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، والمركبات وأسطول الحظر البحري من القوارب السريعة.
لم تحظ الخطة بقبول جيد. وكان عيبها الرئيسي أن المهاجرين انطلقوا إلى أوروبا من غرب ليبيا، حيث لم يكن لحفتر أي تأثير.
الفكرة لم يكن لها صدى جيد. حيث أن فكرة استخدام العنف على المستوى العسكري والميليشيات ضد الرجال والنساء والأطفال الباحثين عن عمل أو لجوء في أوروبا لم يتردد صداها جيدا. ولكن من وجهة نظر دور حصان طروادة لإدخال قوات المرتزقة التي من شأنها تطوير قوة حفتر بسرعة، كانت فكرة جيدة.
كان التمويل أيضا إشكالية. كانت الفكرة هي استغلال أموال المؤسسة الليبية للاستثمار المجمدة. وكان كل ما يحتاجه حفتر هو حساب مصرفي.
ولكن للحصول على اي من ذلك سيتطلب الالتفاف على العقوبات المالية للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وكذلك تجاهل حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، وإقناع ألمانيا وإيطاليا ودول أوروبا الغربية الأخرى بأن من مصلحتهم دعم جيش مرتزقة خاص يستخدم القوة العسكرية لوقف المهاجرين وهم لا يزالون في شمال أفريقيا.
لقد كانت مهمة صعبة وفشلت بشكل متوقع. كما أظهر بوضوح أنه في عام 2015 لم يكن لحفتر داعمين رئيسيين.
وصفت النشرة الإخبارية على الإنترنت “ذا إنترسبت” بالتفصيل كيف سافر برنس إلى ماكاو لفتح حساب مصرفي لحفتر، حينها التقى بمسؤولي المخابرات الصينية في بكين للتغلب على الرفض المبدئي التي واجهه في عاصمة القمار . في نهاية الأمر، تمكن برنس من فتح حسابً في بنك الصين، لكنه نفى أن يكون له أي علاقة بحفتر.
تم التقاط كل هذا النشاط المصرفي من قبل وكالات الاستخبارات الأمريكية التي كانت قلقة بشكل مبرر بشأن ما كان برنس يفعله في ليبيا والصين ودول أخرى، بالنظر إلى اتهاماته الفيدرالية وموافقته على البقاء بعيدًا عن تجارة المرتزقة.
استمر برنس في الترويج لفكرته عن مراقبة الهجرة دون رادع. حيث كتب مقال رأي في جريدة فاينانشيال تايمز في 2 يناير 2017 التي تتخذ من مالطا مقراً لها، وتم إرسال طائرة برنس الخاصة في رحلة مهمة أخيرة، حيث كانت متجهة من طبرق إلى مالطا إلى فيينا في 1 يونيو و على متنها راكبان فقط في البيان الرسمي.
بدا بأن هذه الرحلة ستحقق حلم حفتر بحضور اجتماع أوبك في النمسا، والذي بدأ بعد أربعة أيام، أو على الأقل المشارك في اجتماعات جانبية، حتى لو لم تتم دعوته كرئيس للبلاد.
عادت طائرة السيسنا، التي كان يقودها طياران ، إلى مالطا في 2 يونيو فارغة. قد يفسر هذا الإعداد للطائرة الدبلوماسية السرية الصعود الغريب لخليفة حفتر، لكن لا يوجد سجل عام لمن دفع ثمن الرحلات ومن كان على متنها، أو ما إذا كان حفتر قد حضر ذلك الاجتماع لأوبك.
كان مجلس النواب في طبرق في الشرق قد كلف حفتر بمسؤولية ميليشيات الكرامة المسماة الجيش الوطني الليبي، لكن الحكومة في طرابلس في الغرب والمعاقل الإقليمية كانت تحبط طموحاته.
كانت المجموعات المسلحة التي شاركت في عملية فجر ليبيا هي المسؤولة بقوة عن العاصمة، بينما سيطر حفتر على الميليشيات الشرقية في إطار حملة عملية الكرامة. واصلت الحكومة دفع رواتب أعداد كبيرة من أعضاء الميليشيات وجنود الجيش النظامي السابق من كلا الجانبين.
بدأ حفتر ببناء موارده العسكرية بينما كان الليبيون الآخرون يتطلعون إلى التوصل إلى توافق سياسي. وقع 22 عضوا برلمانيًا اتفاق الصخيرات في المغرب في 22 ديسمبر 2015 لإنهاء العنف.
وبحلول يناير 2016 ، أعلنت الأمم المتحدة عن تشكيل حكومة الوفاق الوطني في تونس، لكن لم يعترف بها المؤتمر الوطني العام في طرابلس ولا مجلس النواب في طبرق.
في الواقع، قامت القوات المتعارضة بإغلاق المجال الجوي الليبي، مما أجبر الحكومة الجديدة بقيادة رئيس الوزراء فايز السراج إلى دخول طرابلس على متن قارب، في أواخر مارس.
على الرغم من الفوضى السياسية والأمنية، تم إقرار اتفاق الصخيرات في 6 أبريل ، مما أدى فعليًا إلى تشكيل حكومة رسمية ومسار سلمي للانتخابات.
لم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى تختبر الجهات الخارجية حكومة الوفاق الوطني. في يونيو ويوليو ، حددت مصادر استخباراتية تحلل صور الأقمار الصناعية أن الإمارات قد نشرت ستة طائرات، ونسخة مسلحة من الطائرات الزراعية ، وثلاث طائرات بدون طيار من نوع لونغ وينغ، والنسخة الصينية من ريبر ، في مطار الخادم في محافظة المرج. كانت المرج قاعدة حفتر ، وتقع الخادم على بعد حوالي 100 ميل شرق بنغازي.
قام برنس وفريقه في إحدى شركات الطيران التابعة له بتعديل طائرة زراعية لرش المحاصيل في عام 2007، بناءً على مفاهيم وكالة المخابرات المركزية التي تم تطويرها في كولومبيا. لتشغيل طائرات لونغ وينغ ، واستأجرت الإمارات مرتزقة مرتبطين بشريك برنس، مايكل رومي، الذي واجه شركة برنس كرئيس لشركة الأمن الخاصة، التي لديها عقد بقيمة 529 مليون دولار مع الإمارات العربية المتحدة لتطوير كتيبة أجنبية. التقى الرومي ببرنس في طرابلس في زيارة خلال هذه الفترة.
بحلول أواخر نوفمبر 2016 ، تم استخدام قاذفات الدعم الوثيق وطائرات لونغ وينغ بدون طيار لمهاجمة المدنيين في بنغازي.
في سبتمبر 2017 ، تم توسيع مدرج الخادم لاستيعاب الطائرات النفاثة. أصبح من الواضح أن حفتر كان يتلقى دعمًا من جهات أجنبية، على الرغم من حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة.
بالإضافة إلى الجرائم في الهواء، كانت هناك جرائم على الأرض. كان ونيس بوخمادة، قائد لواء القوات الخاصة في الصاعقة في بنغازي، من أوائل الداعمين المهمين لحفتر.
في مايو 2017، قام بترقية أحد ضباطه، محمود مصطفى بوسيف الورفلي، من نقيب إلى رائد، على الرغم من ظهور الورفلي في العديد من مقاطع فيديو الإعدام. في إحداها، تم تشغيل موضوع “قراصنة الكاريبي” حيث قتل الورفلي سجينين غير مسلحين ومقيدين.
وزاد حفتر الأمر أكثر في يوليو ، حيث قام بترقية الورفلي إلى رتبة عقيد. بعد شهر، بعد أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الورفلي لثمانية عمليات إعدام على غرار تنظيم داعش في مدينتي بنغازي ودرنة. قام حفتر باعتقاله واستجوابه وإطلاق سراحه على الفور.
وحفتر نفسه متهم بارتكاب جرائم حرب والأمر بقتل خارج نطاق القضاء. تم تصويره على شريط فيديو وهو يقول لقوات الجيش الوطني الليبي” لا تأخذوا أسرى” ولا يزال قصفه العشوائي لدرنة وتدميرها لاجتثاث الإسلاميين يُعتبر مثالاً على وحشيته تجاه المدنيين وغير المقاتلين. تم تصوير حفتر على شريط فيديو وهو يقول: “الحصار يعني الاختناق: “ لا يوجد دواء .. لا رعاية طبية .. لا بنزين، لا زيت [طبخ]. هذه القضايا يا إخواني نتحدث عنها بوضوح “.
في صيف عام 2017 ، بعد ثلاث سنوات من حرب المدن، تم طرد داعش أخيرًا من بنغازي، وبحلول ديسمبر انتهى القتال هناك.
في يوليو 2018 ، زعم حفتر أن الجيش الوطني الليبي يسيطر بالكامل على درنة، آخر معقل للإسلاميين في شرق ليبيا.
وبعد أن اغتر وتهور حفتر، أعلن في أبريل 2019 أنه يسير باتجاه طرابلس. قدم محلل عسكري روسي في ليبيا “إيفان” تقييمًا لم يمنح حفتر أي فرصة للاستيلاء على العاصمة: “طلبت القيادة العسكرية الروسية مرارًا وتكرارًا التعرف على خطة الاستيلاء على طرابلس ولكن لم يتم تقديمها مطلقًا. على الأرجح أنه ببساطة غير موجود “.
____________
المصدر: ترجمة بتصرف عن موقع “الملفات الليبية“.