عمر المختار
غادرنا “زائير” بسلامة الله وله الحمد سبحانه، ووصلنا الى “كينيا” وبقينا في مكان سري حتى لا تطالنا أيادي النظام، وتم إحضار الخيام لنا وخصصت الادارة الامريكية مبالغ مالية لنا فتم صرف بعضها على العلاج في“نيروبي“، وبعضها ثم بها بناء دورات للمياه، وصرفت بعض منها على الاغذية التي كانت افضل بكثير حتى من الوجبات اليومية في المعسكرات الليبية. وتم جلب الملابس لنا ايضا.
وفى هذه الاثناء تم سحب أحد لجان الامم المتحدة والتي كانت مكلفة باتمام اجراءت اللاجئين السودانيين. وذلك كي يباشروا في إتمام اجرائتنا نحن، لان النظام يحاول معرفة مكان تواجدنا للتخلص منا.
وطلبت منا هذه اللجنة ان نختار الدول التي نريد اللجوء اليها، فاختارت الغالبية العظمى منا الولايات المتحدة الامريكية، بينما اختارت قله اخرى بعض الدول الاوربية، ولكن اللجنة المعنية من الامم المتحدة لم تستطع الحصول لهم على قبول من هذه الدول الاوربية فقررت الولايات المتحدة منحنا جميعا اللجوء فيها.
انتهت احدات زائير وانتقلنا الى كينيا، ولكنني قبل أن أبدا في سرد أحداث كينيا لابد لي ان أذكر زيارة الدكتور محمد يوسف المقريف لنا، فبعد وصولنا الى زائير أصر الدكتور المقريف على القدوم الينا، لتهنئتنا بالسلامة أولا، والاطمئنان علينا ثانيا، ومكت معنا قليلا وغادر في نفس اليوم.
وبعد ذلك حضر الينا الاستاد مفتاح الطيار وبصحبته الاخ عبدالسلام عز الدين، ثم تقرر نقل القيادة وعلى راسهم الحاج غيث سيف النصر الى امريكا، فمن ضمن القيادة العقيد خليفه حفتر، والعقيد صالح الحبوني والمقدم الركن عبدالله الشيخي، وثم نقل جميع أفراد القوة الخاصة الذين انضموا الينا ولم يتم أسرهم،وبعض من جنود قوة الانقاذ من سكان تشاد، وكذلك حرس العقيد خليفه حفتر، بينما تركونا نحن في زائير لمصيرنا المجهول.
وهذا كان له كبير الاثر على حالة الجنود والضباط الذين لا يزالون يذكرون هذه الحادثه بمرارة ويقولون لقد تركونا في زائير. وهذا كان له رد فعل كبير تسبب في عودة الاغلبية الى ليبيا بالاضافة الى الضغوط التي استعملها النظام القذر علينا طيلة تلك الفترة.
بقينا في كينيا مدة ثلاثة اشهر بغرض اتمام اجراءات اللجوء. وكانت هناك تحركات مشبوهه للنظام في كينيا بغرض التخلص منا، لكن لم نكن ندري شيئا عما يقوم به النظام غير أن أحد افراد الاستخبارات الامريكية الذي كان يرافقنا أدلى بشهادة لاحدى الصحف الامريكية، والتي ذكر فيها تورط بعض الطلبة الليبيين في نيروبي في التجسس بغرض معرفة أماكن تواجدنا، وقدوم بعض الطائرات القادفة الليبية الى اوغندا وجلب كتيبة من الجيش الليبي أيضا.
فعندما يحدد الطلبة الجواسيس مكان تواجدنا يقوم الطيران الليبي بقصف معسكرنا للقضاء على أكبر عدد ممكن، وعندها تدخل كتيبة الجيش الليبي الموجودة في اوغندا لأسر او قتل من تبقى.
لكن الله سلّم فانتهت اجراءت اللجوء بسلام وأجريت لنا الفحوصات الطبية المطلوبة. وبعد ذلك غادرنا كينيا الى بلدنا الجديد كي نحيا حياة حرة كريمة، ليست كتلك التي كنا نحياها في الداخل.
واخذتني الدهشة في هذا البلد من ناحية الامن. فلم نرى زوار الليل للتحقيق معنا او القبض علينا ووضعنا في السجون بتهمة أو غير تهمة كما يحصل في ليبيا، ولم تكن هناك بوابات على الطرق لغرض التفتيش في هذا البلد المترامي الاطراف. فالمتهم هنا برىء حتى تتبت ادانته، بينما في ليبيا المتهم مجرم حتى تتبت برائته مهما بقي فى السجن.
وهكذا انتهت احدات زائير، وكينيا، وتشاد وها نحن نرفع دعوة ضد هذا الطاغية الى المحكمة العليا. هذه المحكمة الإلاهية التي ليس بها مدعى عام ولا محامي دفاع حيث قال تعالى: {يوم نختم على افواههم وتكلمنا ايديهم وتشهد ارجلهم بما كانوا يكسبون} وصدق الله العظيم في كتابه الكريم {ان مع العسر يسرا ان مع العسر يسرا} صدق الله العظيم.
وأذكر هنا… وهو أنه اثناء أحداث تشاد كانت هناك حرب دامية في الخليج “حرب الخليج الثانية” بين العراق وقوات عديدة من دول مختلفة. وفى هذه الاثناء عندما كان الليبيون يستمعون الى نشرة الاخبار في ليبيا لا يسمعون شيئا على الاطلاق عن هذه الحرب، الا اللهم ان تقول أن أمريكا اختطفت الاسرى الليبيين لاستعمالهم في عمليات انتحارية ضد ما يسمى كذبا بسلطة الشعب ونحن نقول هل تحتاج قوة عظمى مثل أمريكا لبعض الليبيين لاحتلال ليبيا وهي المتواجدة فى كل المحيطات والبحار باساطيلها وجيوشها الضخمة وترهب كل الدول.؟
المهم وصلنا امريكا وتم توزيع المبالغ المتبقية من المبلغ الذي رصد لنا في “كينيا “حيث حصل كل واحد على الفين دولار، وتم توزيعنا على أغلب الولايات وصرفت لنا مساعدات مثل “الفود استامب” والتأمين المجاني وبعض النقود لدفع أجرة السكن والفواتير المستحقة مثل الغاز والكهرباء الى حين ان نجد عملا نعتاش منه.
انتهت قصتنا وها نحن نعيش حياتنا العادية بكرامة وكما نتمنى الحياة الكريمة لشعبنا في الداخل. والذى لم يتحصل على حريته المسلوبة منذ أن حلت بنا الكارثه على يد زمرة من الافاقين في سبتمبر الاسود 1969م، ولم يتمتع بثرواته النفطية الهائلة التى أنعم بها الله عليه بدل ان تصرف علي الارهاب والحروب، أو ان يمنحها هذا الزنديق لاقاربه وابنائه.
فالحمد لله الذي نجانا من بين يدي الطاغية. واتمنى من الله ان يمنّ عليكم بالسلامه والامان وأن لا تروا مكروها فى حياتكم… امين يا رب العالمين.
انتهت قصة معاناتنا في تشاد وها نحن نتجرع الام الغربة والحنين الى الوطن بعد ان تجرعنا الام المرض والاسر والحرمان.
____________
المصدر: صفحات التواصل الاجتماعي