عمر المختار

وذات ليلة فرّ العسكر من انجامينا الى الكميرون وبقيت المدينة دون حماية فكثرت السرقات وعمليات النهب وأصبحت العاصمة في حالة فوضى. وانسحبت القيادة وكل الليبين من جبهة الانقاذ من انجامينا، وجاؤا الينا في المعسكر واعطيت لنا الاوامر بأخذ مواقع دفاعية حول المعسكر، وقام بعض الاخوة بكسر الاقفال وفتح الابواب عن الذين لم ينضموا الينا خوفا من أن يقوم التشاديين المدنيين بذبحهم داخل السجن انتقاما لما قام به النظام الليبي من مذابح وتدمير لتشاد.

ارشدوهم الى وكر النظام في العاصمة، وقامت بعض القوى بجلب ما ينقصنا من الوقود والدخيرة بالقوة رغم قيام القوات الفرنسية بحراسة محطات البنزين، وما ان قدم جنودنا لمحطات البنزين حتى استسلم الجنود الفرنسيين تجنبا لمصادمات مع قواتنا وقام بعض التشاديين بجلب شاحنة من البنزين دون ان يطلبوا ثمنا لذلك، غير اننا قمنا باعطائهم العديد من اكياس الارز والزيت والطماطم وغير ذلك من التموين قبل مغادرتنا تشاد.

ثم قامت بعض القوى بجلب بعض الدبابات التي استولى عليها التشاديين من الجيش الليبي ونظرا لعدم استعمالها لسنوات طويلة كان علينا صيانتها صيانه تامه وتم توجيهها صوب العاصمة حيث انه أصبح في مقدورنا تدمير أغلب السفارات الاجنبية وعلى راسها وكر النظام وكذلك المطار. كان في استطاعتنا تدميره بما فيه القوات الفرنسية.

كانت الروح المعنوية عالية جدا لدى جنودنا وأخذوا مواقعهم الدفاعية وأصبحوا جاهزين لأي أمر طارئ. كانت لحظات انتظار طويلة بينما اخذت قيادة الجبهة والقيادة الميدانية في اتخاد تدابير من بينها الاتصال بالسفارات العربية هناك لايجاد مخرج حيث أنه لم يعد في استطاعتنا البقاء في تشاد بعد هزيمة حبري وفراره الى خارج البلاد.

ومع علمنا بانه ستكون هناك معارك شرسة بيننا وبين المتمردين، وسيقتل بها عدد كبير من المدنيين. ولانه لم تكن غايتنا محاربة التشاديين لانها أرضهم.

رفضت السفارات العربية كلها التجاوب معنا. الا سفارة العراق، لم نحاول الاتصال بها لان وضع العراق لا يسمح بمساعدتنا لانها في حالة حرب مع قوات التحالف في الكويت فقمنا بالاتصال بالسفارة الامريكية.

وفعلا زارنا السفير الامريكي ليقف على حقيقة الأمر وعندما علم أننا في موقع القوة وعلم أن مدفعيتنا تستطيع دكّ السفارات الاجنبية والقوات الفرنسية وعلم أيضا بأن العاصمة ستغرق في الدم لانه ليس لدينا خيار الا الدفاع عبر محورين أساسيين، لغة الحوار مع أصحاب النفود، والاستعداد للمواجهة.

وقام السفير الامريكي بالاتصال بالسفارة الفرنسية ليطلعهم على خطورة الموقف، فطلبوا السماح لطائراتهم العمودية بالاستطلاع حول مواقعنا للتأكد من ذلك. وفعلا سمحنا لهم بالاستطلاع، وعندما علموا خطورة الموقف، قاموا بالتفاوض معنا الى جانب السفير الامريكي حيث تتكفل السفارة الامريكية باجلاءنا عن تشاد بينما تقوم القوات الفرنسية باستلام اسلحتنا ومواقعنا وتوفير الحماية لنا الى ان نغادر تشاد.

ارسلت القوات الفرنسية رسالة الى دبي تعلمه فيها بخطورة الموقف وطلبوا منه البقاء خارج العاصمة الى أن نسمح نحن له بدخول العاصمة. استمرت المفاوضات مع الفرنسيين بينما انهالت علينا رسائل ادريس دبي المحملة بالسلام وتذكيرنا بانه صديق لنا وأنه من ساهم في تحريرنا من الاسر الى غير ذلك.

كان دبي يحاول كسب ودنا كي نسمح له دخول العاصمة هو وجيشه ثم الاتفاق مع القوات الفرنسية التي كانت تنوب عن دبي بان تبقى قواته بعيدا عن العاصمة، بينما يدخل هو مع بضعة جنود من حرسه وقبل دبي بهذا ودخل العاصمة تاركا جيشه بعيدا.

استمر دبي في رسائله الينا واكثر من التودد واستمر التفاوض حول دخول جيشه واعطيناه الإذن بدخول جيشه وأثناء المفاوضات قال السفير الامريكي: قد يقوم الجيش باطلاق النار في الهواء من الفرح ولربما تقع بعض الاطلاقات على مواقعنا ونصحنا بضبط النفس.

لكن القيادة ابلغته بأنه ان حدث هذا فانها بداية المواجهة بيننا وبينهم، وابلغته القيادة بأن الاحرى به ان ينصحهم هم بضبط النفس لانه لو وقعت طلقة واحدة على مواقعنا فاننا سننسف العاصمة.

وفعلا دخل جيش دبي دون اطلاق نار. وكنا نرى عرباتهم بالعين المجردة.

كنا لا نريد المواجهة مع النظام في انجامينا، بل كنا نريدها في ليبيا وهذا ما كان النظام يخشاه.

ولكن النظام يريد ان تكون ساحة المعركة داخل تشاد لانه يعلم انه إن وقعت المواجهه بيننا وبينه داخل الوطن فانها ستكون نهايته. وذلك للاسباب الاتية:

1. اننا نتمتع بروح معنويه عالية وشوقنا الى أرض الوطن.

2. ان شعبنا في انتظارنا ومتعاطف معنا وكذلك الجيش.

3. ان قلوبنا مليئة كرها وبغضا لهذا النظام المريض والشاذ لما قام به تجاهنا ولانكاره لنا عندما كنا في أمس الحاجة اليه وأبسطها ان يعترف بنا ويقوم با رجاعنا الى بلادنا.

وبينما نحن في مواقعنا جاءت طائرة نقل ليبية من نوع اليوشنوكانت تحلّق على ارتفاع منخفض استعدادا للهبوط، وكانت فى مرمى نيراننا وكان المطار بجانب مواقعنا، وكان من السهل علينا اسقاطها سواء بصاروخ سام 7 “استريلااو برشاشات شيلكا، زد يو 23″ “م ط المضاد للطائرات“.

وكنا نعلم بان على متنها مجموعة من القوات الخاصة ومعهم العقيد مسعود عبد الحفيظ والعقيد رضوان اللذان قاما بارسال رسالة الى العقيد خليفه حفتر طالبين منه تحديد موعدا للقاء معهما بغرض التفاوض. لكن العقيد خليفه اعطاهم موعدا ليوم الجمعة، وغادر تشاد من انجامينا مع اول دفعة الى نيجيريا يوم الخميس.

وعندما علم النظام بذلك جن جنونه والتجأ الى اساليب اخرى خسيسة، منها انه قام بتوجيه اذاعة الينا محاولا التاثير علينا. فكانت تبث الاغاني العاطفية، والنداءات من عائلاتنا فى أرض الوطن. لكنهم لم يفلحوا في ذلك وتركناهم ينبحون لانهم لا يجيدون شيئا غير النباح.

وبعد وصول الدفعة الأولى الى نيجيريا بساعات وصل وزير الخارجية الليبي المقبور (ابراهيم البشاري) مقدما العروض المغرية للحكومة النيجيرية وذلك بغرض تسليمنا الى ليبيا.

وبينما كانت الدفعة الاولى تغادر الاراضى التشادية كنا نحن نقوم بتسليم اسلحتنا ومواقعنا الى الجيش الفرنسى. وبينما كنا نفعل ذلك بدأت الجموع الغفيرة الجائعة من الاهالى المقيمين هناك تتقدم نحونا لأخذ ما يستطيعون الحصول عليه من مواقعنا، وكنا نطلق النار في الهوى لتفريقهم، الا انهم لم يأبهوا لذلك. بينما كان الجنود الفرنسيين يطلقون النار عليهم مباشرة فسقط منهم العديد من الجرحى.

وبعد ان انتهينا من تسليم الاسلحة والدخيرة والعربات الى الجيش الفرنسي وذلك تحت حماية مكثفة من قبل الجيش الفرنسي، وكانت هناك دوريات مكثفة من الجيش الفرنسي على أتم الاستعداد للمواجهة لانهم يعلمون جيدا وجود قوات الصاعقه الليبية هناك. وزيادة على ذلك جيش المتمردين,

وجاءت بعد ذلك عربات نقل أخذتنا الى المطار. وفى المطار وجدنا الطائرة الامريكية ولكننا لم نعرهم اي اهتمام. واقلعت الطائره من مطار انجمينافى تشاد الى مطار كانشاسابزائير.

ومكثنا تلك الليلة هناك الى أن جاءتنا الدفعة الأولى من نيجيريا. وكانت ساعات رهيبة وطويلة لم نعرف فيها طعم الراحة ولا النوم ونحن نستعد للمواجهة، وتسليم اسلحتنا.

فماذا لو غدرت بنا القوات الفرنسية وسلمتنا، او قامت القوات الليبية بالهجوم علينا للقضاء علينا؟؟

وماذا لو ان قوات ادريس دبي دخلت علينا ونحن ليس لدينا ما ندافع به على انفسنا؟؟.

بتبع

____________

المصدر: صفحات التواصل الاجتماعي

مقالات

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *