عمر المختار
وذات يوم حضر إدريس دبي وقابل العقيد عبد السلام سحبان، وأخذ يشتم في القدافي، وطلب منه ان يشتمه، فرفض قائلا “وهل تشتم رئيسك؟“.
فجن جنونه فانهال عليه بالضرب، وأمر بنقله الى مكان آخر قرب قصر الرئاسه. (التكهنات تقول بان دبي هو من قتل سحبان بعد دخوله انجامينا لانه لم ينسى المشادة التي حصلت بينه وبين سحبان قبل أن يغدر بسيده حسين حبري وينقلب عليه).
وبعد سقوط آلاف الليبين موتى وأسر المئات، الذين توفى أعداد منهم بالسجن إما بسبب المرض أو الاختناق، كنا نتوقع بان ينقلب الجيش الليبي على نظام القذافي، أو خروج الناس الى الشوارع، وينهي القذافي هذه الحرب ويرجعنا الى بلادنا. فازداد الالم لعدم اكتراث الجيش والشعب بنا، حيث أن الضحايا موزعين على جميع قبائل ليبيا شرقا وغربا وجنوبا.
وبعد فقدان الامل –الا من الله– جاءت فكرة لبعض الضباط وعلى رأسهم خليفه حفتر بتآسيس جيش والعودة الى ليبيا بقوة السلاح. وتم عرض الفكرة على بقية الضباط والجنود. وكانت الاغلبية متحمسة لهذه الفكره لسببين رئيسين هما:
أنتزاع حريتنا، وأنقاذ ليبيا، حيث أن الفرصة حانت لنا لتحرير ليبيا من حكم المفسد المستبد وانقاذ البلاد من شروره وهي فرصة لم تكن موجودة في السابق.
نُقلت الفكرة الى حسين حبري فرحّب بها لكنه اقترح علينا الانضمام لجبهة الإنقاذ، وفعلا اتصل بالدكتور محمد المقريف الذي ما أن سمع بالخبر حتى طار الى انجماينا واجتمع بنا وعرض علينا مشروع الجبهة.
ولإقتناعنا بهذا المشروع قررنا ان نضع ايدينا بايدي اخوتنا في الخارج الذين سبقونا في رفض هذا النظام الهمجي.
وقامت الحكومة التشادية باعطائنا حريتنا وأقيمت حفلة بالمناسبة. وكان ممثل الرئيس في هذا الحفل هو العقيد ادريس دبي الرئيس الحالي لتشاد الذي نقل الينا تحيات وتهاني الرئيس حبري، واكد لنا ان تشاد وكل التشاديين الشرفاء سيقفون من وراءنا حتى إسقاط نظام القدافي لانه لا يمكن ان يعمّ السلام بوجوده على سدة الحكم في ليبيا.
كانت الفرحه كبيره والحماس يملئ القلوب، فها هو الامل بعد اليأس، وسنعود الى بلدنا، ونسترجع كرامتنا وهويتنا بعد أن أنكرها ذلك المعتوه وبعد ان زجّ بنا في حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل الا حباّ في القتل والدم وكراهيته لحبري ليس الا، دون اي اعتبار لأرواح البشر من البلدين، وليبيا تدفع الثمن.
فالآلاف من جنودنا راحوا ضحية سياساته الرعناء ولا زالت جثثهم مرمية فوق رمال تشاد تحت اشعة الشمس الحارقة بعد أن كانت الجثامين طعام للغربان وذئاب الصحراء تشكوا الى الله من عدم اكثرات شعبهم بهم، والله يعلم بانهم ظُلموا، فيا ليته كان رجلا وتحمّل المسؤولية عن هذه الحرب.
لكنه كما قال الله عز وجل في كتابه الحكيم {مثله كمثل الشيطان اذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال اني بريء منك اني اخاف الله رب العالمين}.
وبدأت الجبهة في جلب الادوية لنا حتى نستطيع ان نسترجع عافيتنا ونودي بين الليبين في المهجر للقتال فهبّت بعض النفوس الطيبة الطاهرة بتلبية النداء واخذوا يتوافدون الينا من دول عدة كي يشاركوننا في شرف تحرير الوطن واسترداد حريته التي سلبت وامواله التي نهبت، وأعراضه التي أهينت. قال تعالى في كتابه الحكيم {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير}.
وانضم الينا عدد كبير من الليبين المقيمين في تشاد فارسلوا الينا ابناءهم اللذين هم في عمر الزهور رغم أنهم لم يروا ليبيا ولا حتى أباءهم لكنه الدم الذي يجري في عروقهم.
وباشرنا في بناء المعسكر الذي انتقل اليه الجيش وأنشأنا ورشة لصيانة العربات. وكانت السيارات التي جاءتنا هي من نوع تيوتا ومدافع 106 يمكن نقلها على عربة جيب فقط، فقام الجنود بقطع جزء من السيارات وتركيب قاعدة في مؤخرة سيارات التيوتا حتى نستطيع تركيب المدافع عليها.
وخرج الخبر في الصحافة العالمية فاخذت العراق في عهد الرئيس الراحل صدام حسين في إرسال الخيام والمؤن والاسلحة والادوية الينا. وكانت لنا اذاعة تبث من انجامينا وكان الناس في بعض أرجاء ليبيا يلتقطون البث رغم تشويش النظام عليها.
بعد أن أخدنا حريتنا انتقلنا الى المعسكر، وباشرنا في المحاضرات ريثما تاتي الاسلحة: محاضرات عسكرية وتقافية، ودينية، وكذلك سياسية وحصلنا على بعض الاسلحة من تشاد لغرض التدريب وباشرنا في التدريب. وكان الاقبال من الجنود على التدريب كبيرا، ولم نكن في حاجه الى معلّمين لانه كان لدينا الكثير من الخبراء والمتخصصين من جميع الاصناف من قواتنا المسلحة الذين تم أسرهم من الضباط وضباط الصف والذين اخذوا على عاتقهم القيام بالتدريب.
ولم يكتفي الجنود بتخصص واحد، وانما كانت الرغبة من الجميع في التدريب على كل الاسلحة ثم قمنا بتنظيم الجيش وتقسيمه الى جحافل متعددة منها جحفل “عمر المختار” وجحفل “احمد الشريف”. كل جحفل مكون من ثلاث قوى، وكل قوة تحتوي على ثلاث فصائل، ومجموعات قتالية متعددة، وكذلك مقرات الجحافل ومقر القيادة، والقوات الخاصة من اخوتنا الليبيين الذين قدموا من عدة دول، وقوة الانقاذ من الليبين المقيمين في تشاد.
وكذلك وصلتنا بعض الاسلحة والعربات واستمر التدريب بهمة ونشاط منقطعة النظير لان الجميع يستعجل الانطلاق الى أرض الوطن وكنا ننتظر كامل الاسلحة والشاحنات.
لكن كانت هناك مؤامرة في الخفاء من قبل ادريس دبي. بعد انهزام القذافي في ميدان المعركة قام باللجوء الى اساليب بالغة في الخسة والنذالة، فقام بفتح سفارة ليبية في تشاد وكانت هذه السفارة وكرا لحياكة المؤامرات، واستطاعت تجنيد بعض الضباط التشاديين وعلى راسهم العقيد ادريس دبي الذي احتفظ بالشاحنات والدخيرة لانه كان يضمر لنا الغدر وكان يخطط للانقلاب على سيده حسين حبري وتسلمينا للقذافي .
لكن محاولة الانقلاب فشلت، وفرّ دبي الى السودان، وأرسل القدافي طائرة خاصة الى السودان قامت بنقله الى ليبيا، بينما قُتل العقيد حسن جاموس في هذا الانقلاب.
وبعد وصوله الى ليبيا بدا بتجميع التشاديين وتدريبهم داخل المعسكرات الليبية، واعادة الكرة من جديد لازاحة حسين حبري من على سدة الحكم، وكانت السلطات الليبية تسرّع في تسليح ادريس دبي كي يدخل الى تشاد للقبض علينا وتسليمنا الى القذافي قبل انطلاقنا الى ليبيا.
واذكر انه ذات يوم لاحظ التشاديون شخصا قريبا من المعسكر يلتقط صورا للمعسكر فاخذوا في مراقبته وفي اليوم التالي وجد قرب مقر العقيد خليفه حفتر وهو يلتقط صورا هناك وتم القبض عليه.
وهذا الشخص هو (احمد ادم قناي) بلجيكي الجنسية من اصل تشادي وبقي في السجن الى ان سقطت حكومة حبري، وهو الان يقبض الملايين من الخزينة الليبية، وهو الذي قام بتلفيق التهمة لحبري تحت اسم جرائم حرب بدعم من النظام الليبي.
بينما نحن نقوم بالتدريب كنا نلحّ في استلام بقية العربات والاسلحة فحصلنا على بعضها التي كان دبي قد حجزها عنا لكن البقية تأخرت كما تأخرت الدخيرة والوقود، ثم قمنا باجراء مناورة لاختبار مدى استيعاب وكفاءة الجنود لاستعمال الاسلحة، وتم اختيار مكان المناورة وهى نقطة متقدمه شمالا، على ان تكون المرة القادمة قرب الحدود الليبية قبل الانطلاق الى الهدف.
كانت نتيجة المناورة عالية جدا فاثبت الجميع قدرتهم على استعمال الاسلحة وكانت الروح المعنوية عالية جدا كذلك. وعلى الجانب الاخر كان دبي والنظام الليبي يسرعون في التجهيز كي لا نتمكن من تنفيذ مهمتنا، وكانت فرنسا على اتفاق مع ليبيا للاطاحة بالرئيس حبري، فكان السلاح الجوي الفرنسي يمد دبي بجميع المعلومات عن تحركات الجيش التشادي.
وتقدم دبي عبر الحدود السودانية ودارت معارك طاحنة بين الجانبين، هزمت قوات المتمردين عدة مرات، لكن المتمردين استمروا في محاولاتهم الى ان تمكنوا من هزيمة القوات الحكومية، نتيجة خيانة بعض الضباط.
فقام الرئيس حسين حبري بقيادة العمليات بنفسه، فاكتشف خيانة ضباط جيشه له وكذلك خيانة القوات الفرنسية له، وجُرح في ميدان المعركة وكاد يُقتل فعاد الى العاصمة وأخذ في حزم أمتعته لمغادرة تشاد.
ومن اسباب خيانة فرنسا لحسين حبري: انه اثناء انعقاد قمة الدول الناطقة بالفرنسية حدثت مشادة بين الرئيس الفرنسي والرئيس حبري، والسبب انه رفض ما في جعبة الرئيس الفرنسي التى اتى بها الى القمة وذلك لاملاءها على القادة.
وبعدها أرسل الينا الرئيس حبري رسالة قال فيها انه يمكننا أخذ الدخيرة التي نريدها وأمر بتسليمنا الشاحنات التي كان قد حجزها عنا دبي ولم نكن ندري شيئا عن مسار المعارك في شرق تشاد.
…
بتبع
____________
المصدر: صفحات التواصل الاجتماعي