من عجائب القارة السمراء أن الانقلابات وليس الانتخابات كانت هي الأسلوب المؤسسي الأكثر شيوعًا لتغيير الحكومات في أفريقيا منذ رحيل الاستعمار، حسبما خلُصَ بحث أجراه جين شارب وبروس جنكينز من «معهد ألبرت أينشتاين»، ويؤكده البروفيسور صامويل ديكالو، من جامعة ناتال – ديربان بجنوب أفريقيا، قائلًا: إن الانقلابات هي «السمة الأكثر وضوحًا وتكرارًا للتجربة السياسية الأفريقية».

منذ خمسينات القرن العشرين شهدت أفريقيا 204 انقلابًا؛ نجح منها 100، وفشل 104، استنادًا إلى بيانات جمعها جوناثان باول من جامعة وسط فلوريدا وكلايتون ثاين من جامعة كنتاكي.

هذه المناصفة (100/104) وإن كانت تثير قدرًا كبيرًا من الأمل في أن نجاح الانقلابات ليس قَدَرًا محتومًا، وأن تحرُّك الجيش للاستيلاء على السلطة يواجه نسبة لا بأس بها من احتمالية الفشل، إلا أنها في الوقت ذاته تثير قدرًا كبيرًا من القلق أن ينجح 100 انقلابٍ في بضع عقود لهو إغراءٌ جدير بأن يسيل له لعاب ذوي البزات العسكرية. ولا غروَ فقد اعتاد ذوو التطلُّعات على مرّ الأزمان أن يكون لهم إحدى المقامين: إما الصدر أو القبر.

شهد السودان أكبر عدد من الانقلابات خلال تلك الفترة بواقع 14، وإن كان لبوركينا فاسو النصيب الأكبر من الانقلابات الناجحة، بواقع سبعة. ومن بين 40 دولة أفريقية شهدت انقلابات، كانت المغرب وكينيا والكاميرون هي الدول الثلاث التي لم ينجح فيها أي انقلاب.

في 12 من تلك البلدان الأربعين، وقعت انقلابات في غضون خمس سنوات من الحصول على الاستقلال.

وفي المجمل شهدت 23 دولة أفريقية ثلاثة انقلابات على الأقل. و14 دولة فقط ـ حوالي الربع ـ من أصل 54 دولة في أفريقيا هي التي لم تشهد انقلابًا عسكريًا.

على الصعيد العالمي بلغ إجمالي عدد الانقلابات منذ الخمسينات 475، نجح منها 236. وكانت بوليفيا على موعد مع أكبر عدد من محاولات الانقلاب بواقع 23، نجح منها 11.

هذا يعني أن أفريقيا شهدت انقلابات أكثر من أي مكان آخر على ظهر البسيطة، يليها أمريكا الجنوبية التي شهدت 95 محاولة انقلاب، 40 منها كانت ناجحة. بيد أن عدد الانقلابات تراجع في أمريكا الجنوبية على مدى العقدين الماضيين، وكانت المحاولة الأخيرة في فنزويلا عام 2002 ضد الرئيس هوجو شافيز مصيرها الفشل.

إذا كانت القارة السمراء قد شهدت 39-42 انقلابًا كل عقدٍ بين عامَي 1960 و1999، فإن عدد الانقلابات انخفض منذ ذلك الحين إلى 22 انقلابًا خلال العقد الأول من القرن العشرين، ثم إلى 16 في العقد الحالي.

وفقاً لدراسة أجراها بنك التنمية الأفريقي وقعت 99 محاولة انقلاب في أفريقيا جنوب الصحراء خلال الفترة من 1970 إلى 1989. لكن في الفترة من 1990 إلى 2010 شهدت المنطقة 67 محاولة انقلاب، وهي نسبة عالية مقارنة بباقي المناطق حول العالم، إلا أنها انخفضت بمقدار الثلث تقريبًا في عقدين.

لكن لماذا أصبح من الصعب على قادة الانقلاب أن ينجحوا، أو أن يتلاعب الرجال الأقوياء بدساتير بلادهم في القارة؟

تراجُع تحركات الجيوش حول العالم للاستيلاء على السلطة بالقوة، يعود – في رأي جوناثان باول من جامعة وسط فلوريدا – إلى نهاية ديناميات الحرب الباردة التي شهدت تدخُّل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في شؤون أمريكا اللاتينية، وكذلك استعداد المجتمع الدولي لفرض عقوبات على البلدان التي تشهد انقلابات، مثل هايتي في عام 1994. كما شهدت آسيا أيضًا تراجُعًا في عدد الانقلابات خلال تلك الفترة.

في أفريقيا تحديدًا، يُرجِع عبادياس ندابا، المتخصص في الشؤون الأفريقية، ذلك إلى مزيج من ثلاثة عوامل رئيسة:

الأول: صعود جيل جديد من الأفارقة، خاصة الشباب وأبناء الطبقة الوسطى المزدهرة، التواقين إلى التغيير. فأفريقيا هي أصغر قارة في العالم، حيث يزيد عدد السكان الذين تقل أعمارهم عن 25 عامًا عن نصف إجمالي التعداد، ومن المتوقع أن يتضاعف عدد السكان إلى مليارين بحلول عام 2050.

الثاني:  البيئة الدولية المتغيرة. خلال حقبة الحرب الباردة، عندما كانت الانقلابات حدثًا متكررًا، كانت المصالح الأجنبية تدعم بشكل ما أو تحفز العديد من الانقلابات في أفريقيا. لكن هذه الممارسة غير الديمقراطية لم تعد نشاطًا دوليًا جذابًا في عالم أكثر تعقيدًا.

الثالث: ضغوط الاتحاد الأفريقي والمنظمات الإقليمية مثل «الإيكواس»، وكذلك المجتمع الدولي، ليس فقط عبر الإدانة بالكلمات، ولكن أيضًا بفرض عقوبات على الأفراد المسؤولين عن الإطاحة بالحكومات المنتخبة ديمقراطيًا.

هذه العوامل تزيد من صعوبة حدوث انقلاب عسكري ناجح ضد حكومة شرعية، لكنها لا تعني نهاية الانقلابات العسكرية في أفريقيا. وقد يكون هذا التراجع قصير الأجل؛ لأن تواري الانقلابات لسنوات عديدة لا يعني أن الدولة لم تعد عرضة للخطر.

ولسوء الحظ ما دام يوجد عدد كبير من الأنظمة غير الشرعية، وبدائل قليلة لإزالة الطغاة، وتغيير الحكومات التي تتبنى الديمقراطية موسميًا، فإن شبح الاستيلاء غير الدستوري على السلطة سيبقى محدقًا بالدول، حسبما يحذر الثنائي ريبيكا شيل وجوناثان باول من جامعة سنترال فلوريدا.

طالما لم يُقطع دابر الانقلابات، فهذا غالبًا ما يكون نذيرًا لحدوث مزيدٍ منها؛ استنتاجٌ توصل إليه عالما السياسة الأمريكيان جوناثان باول وكلايتون ثاين بعد بحثٍ وتدقيق، وأثبته نونيهال سينج في كتابه المرجعيّ «الاستيلاء على السلطة: المنطق الاستراتيجي للانقلابات العسكرية»، مؤكدًا على أن أية محاولة انقلاب، سواء كانت ناجحة أو فاشلة تزيد خطر حدوث محاولة انقلاب أخرى مستقبلية.

من اللافت أن معظم الانقلابات التي شهدتها أفريقيا أزيحت بانقلابات أخرى، ولم تخرج الدول المنكوبة من هذه الدوامة العسكرية إلا بالمثابرة.

هذا يعني أن الانتصارات التي يحلم بها الثوار بالقاضية على المستبد، والحلول السحرية السهلة سهولة الكلام، ليس لها مكان غالبًا في أرض الواقع.

كما لا يوجد نموذج واحد يناسب الجميع، والحلول الناجحة المستدامة هي التي استطاعت المزج بين عدة عوامل، أبرزها الضغط الشعبي، والمناورات السياسية، والتنازلات المحسوبة.

هذا ما تعلمته القارة المنكوبة بالطريقة الصعبة.

______________

المصدر: ملف الكفاح الأسمر.. 5 من أبرز تجارب التخلص من «حكم العسكر» في أفريقياـ موقع ساسة بوست

مقالات

2 Commentsاترك تعليق

  • Важнейшую роль в процессе капельницы от запоя играет врач-нарколог. Он отвечает за разработку индивидуальной схемы лечения, проводит диагностику, назначает препараты и контролирует состояние пациента на всех этапах терапии. Нарколог подбирает препараты, которые помогают снять симптомы абстиненции и восстановить нормальное функционирование организма. Особое внимание уделяется психоэмоциональному состоянию пациента: врач помогает справиться с депрессией и тревожностью, мотивирует на отказ от алкоголя и предотвращает рецидивы. Психологическая поддержка является неотъемлемой частью лечения, способствуя долгосрочному успеху в борьбе с зависимостью.
    Выяснить больше – [url=https://kapelnica-ot-zapoya-voronezh.ru/kapelnica-ot-zapoya-v-kruglosutochno-v-voronezhe/]https://www.kapelnica-ot-zapoya-voronezh.ru/kapelnica-ot-zapoya-v-kruglosutochno-v-voronezhe[/url]

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *