الشرط الأساسي للانقلاب هو الاعتقاد بأن القوى التنظيمية والقمعية للانقلابيين أقوى من المؤسسات الأخرى ومن قوى المجتمع مجتمعة. باختصار، أن يكون المجتمع المدني أضعف من القوات العسكرية. في الواقع، توسعت قوات الجيش في العديد من البلدان خلال العقود الأخيرة لتكون هي أقوى مؤسسة على الإطلاق في المجتمع بأسره.

وغالبًا ما انقلبت هذه القوات العسكرية على المجتمع والسكان، الذين يعتمد وجودها عليهم، وكان يفترض أن يدافعوا عنها. مثل هذا النوع من الانقلاب العسكري يصبح أكثر ترجيحًا عندما يكون الجنود أكثر ولاءً لضباطهم من الحكومة الديمقراطية، كما يقول الباحثان شارب وجنكينز.

أضف إلى ذلك حين تكون جذور النظم الديمقراطية السياسية هشة أو متآكلة، وتفتقر الحكومة إلى الشرعية، ويوجد استياء واسع النطاق من أدائها، وربما اتهامها بعدم الكفاءة أو الفساد أو عدم الحسم في أوقات الأزمات. فضلاً عن تراجع الثقة في قدرة الإجراءات الديمقراطية على علاج الأزمة، أو غياب الإجراءات المتفق عليها لتعاقب الحكومات.

وقد تكون المؤسسات المدنية غير الحكومية أحزاب سياسية ومؤسسات تعليمية مستقلة وهيئات دينية ونقابات وغيرهاضعيفة أو غير موجودة تقريبًا. كما قد يحجم عامة السكان عن المشاركة الفعالة في النظام السياسي. نتيجة لذلك، لن تكون هناك مجموعات ومؤسسات قادرة على معارضة الاستيلاء على جهاز الدولة.

وتتفاقم حالة الارتباك والشعور بالعجز التي تصاحب الانقلابات في كثير من الأحيان بسبب غياب التخطيط والاستعدادات والتدريب لمنع الانقلابات. وعندما تكون القوات المسلحةالمدافع المفترض عن المجتمع الذي لا يمكن لأي قوة عسكرية أخرى أن تكبح جماحهداعمة للانقلاب، يزداد ألم السكان ويتفاقم يأسهم.

ونجاح محاولة الانقلاب، لا يعني بالضرورة أنها تحظى بتفضيل عامة السكان. في كثير من الحالات قد يكون السكان معارضين في الواقع للانقلاب، لكنهم لا يعرفون ماذا يفعلون. والمؤمنون بالإجراءات الدستورية والعدالة الاجتماعية عادة لا يعرفون كيف يمكنهم هزيمة انقلاب مدعوم عسكريًا باستخدام أدوات غير تلك التي اعتادوا العمل من خلالها.

قد يواجه المجتمع مشاكل داخلية خطيرة للغاية بسبب العنف. وقد تدفع الاضطرابات الاجتماعية الخطيرة، والمشاكل الاقتصادية الحادة، والصراعات السياسية الشديدة، أو العنف الداخلي والاغتيالات، الشرائح الرئيسية في المجتمع لقبول الاستبداد الذي تجلبه حكومة جديدة قوية تتعهد بالعمل على «استعادة النظام» وإنهاء الأزمة.

الظروف الاقتصادية غير المواتية، والتفاعل مع العوامل السياسية، قد يجعل المجتمع عرضة للانقلابات. وثمة من يقول بأن قلة تنويع الصادرات والتبعية المفرطة على السوق الدولية المتغيرة؛ يمكن أن يخلق الظروف التي تجعل الانقلاب أكثر ترجيحًا. ويرى إدوارد لوتواك (2016) أن أحد أسباب انتشار الانقلابات هو قبول البعض لهذا النهج باعتباره وسيلة فعالة للتغيير، وإن لم يكن يحظى بما يكفي من المشروعية.

في بعض الأحيان، يكون هناك ببساطة شهوة للسلطة والهيمنة خلف ستار من الأهداف النبيلة أو بشكل سافرلدى الأفراد أو المجموعات القوية أو الحزب الديكتاتوري أو الزمرة العسكرية. لكن مثل هذه الظروف لا تؤدي بالضرورة إلى انقلاب. فحتى عندما تكون ظروف الانقلاب مواتية، ويفتقر الانقلابيون المحتملون إلى فضيلة ضبط النفس، قد لا يقومون بهذه المحاولة لأنها من المرجح أن تفشل، بحسب الباحثين شارب وجنكينز.

لماذا قد تفشل محاولة الانقلاب؟

يرصد الباحثان عدة عوامل تؤدي عادة إلى فشل محاولات الانقلاب:

  • أقسام مهمة من الأفراد العسكريين والشرطة والموظفين المدنيين، فضلًا عن المستويات الحكومية الأدنى، غير داعمين للانقلاب ومن المحتمل أن يقاوموا المحاولة. وقد تميل المؤسسات المستقلة في المجتمع لمعارضة الانقلاب، وتكون قوية بما يكفي للتصرف بقوة ضدها.

  • قدرة هؤلاء المعارضين المحتملين للانقلاب على التصرف بقوة ضد محاولة انقلاب يمكن أن تؤثر بشكل كبير على قرار صناع الانقلاب المحتملين المتعلق بما إذا كان يجب خوض المحاولة أم لا.

  • إذا كان من المرجح أن يقاوم المجتمع بحزم محاولة الاستحواذ على السلطة، فإن حدوث الانقلاب يصبح أقل احتمالًا. من يحاولون الانقلاب يجب أن يكونوا قادرين على افتراض أنهم بمجرد استيلائهم على السلطة سوف يواجهون مقاومة ضئيلة من أجهزة الدولة البيروقراطية والشعب.

ساعة المواجهة.. نصائح لإسقاط الانقلابات

من رحم الانقلابات الأفريقية، يستمد أليكس دي وال، المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمية، 10 نصائح موجزة، ها هي بتصرف:

  • المعلومات هي أهم ما لديك، والإعلام هو أفضل حليف لك. بمجرد كشف ستار السرية عن فساد المستبد وعائلته تصبح أيامه في السلطة معدودة، وإذا أخرس الديكتاتور ألسنة الإعلام في الداخل، ففي وسائل الإعلام الدولية بديل أرحب.

  • معظم الموظفين المدنيين ورجال الشرطة وضباط الجيش سيستمرون في أداء وظائفهم وحماية مستقبلهم المهني؛ فلا تلمهم على هذا، بل احترمهم وتحدث إليهم. في نهاية المطاف، قد يعمل هؤلاء المواطنون المحترمون على كبح جماح السياسات المتطرفة أو حتى يقدمون خدمات شخصية في بعض الأحيان. وفي لحظة حرجة مستقبلًا، قد يقررون الوقوف إلى جانب الشعب وليس مع الاستبداد.

  • الدولة العميقة ليست حليفتك. قد يتمتع مسؤولو الدولة العميقة المجهولون بالقدر ذاته من الجشع والقسوة مثل أي ضابط يافع يلوح بمسدسه. وأي طمأنينة تجلبها تصريحات رجال الأمن المحترفين الأكثر هدوءًا الواثقين من أنفسهم تكون مضللة. مؤسسات الأمن تفعل فقط ما تتقن فعله: تحمي نفوذها وتوسع نطاقه.

  • لا تصبح مهووسًا بشخصية الديكتاتور؛ هذا غير صحي وقد يغذي غرور الرجل الكبير. لا تركز على صفات المستبد الشخصية المثيرة للاشمئزاز؛ كيلا تجد نفسك في مأزق إذا حل مكانه مستبد آخر، دون تغيير النظام الذي يديره.

  • اكتشفت الشعوب، في كثير من الأحيان، أن الرجل الثاني في الدولة، بعدما بدا للوهلة الأولى هادئًا ويفتقر إلى الطموح السياسي لدرجة استهانة الجميع به، هو نفسه الذي سيتقن لاحقًا فن البقاء أطول مدة في السلطة، وسينجو من أعظم المخاطر.

  • لا تسقط مؤسسات الدولة؛ لإحداث تغيير في النظام. قد تظن أن شيئًا لا يمكن أن يكون أسوأ من ديكتاتورك البغيض، لكن الفوضى شيء أسوأ. (أثار تحذير مشابه الكثير من السخرية في العالم العربي؛ لأنه يصدر عادة على لسان المستبدين، لكن هذا لا يعني أن خطر الفوضى ليس حقيقيًا).

  • امنح الاستبداد دائمًا طريقًا آمنًا للخروج. إذا اعتقد أنه مضطر للاختيار بين البقاء في السلطة والسجن، فسوف يفعل أي شيء للبقاء في السلطة. أما الطهارة الأخلاقية للمعارضة التي تلاحق كل من ارتكبوا انتهاكات، فقد تقف في طريق البراجماتية اللازمة لاغتنام فرصة التسوية.

  • التصويت.. التصويت.. التصويت. مقاطعة الانتخابات لا تكاد تكون استراتيجية جيدة. استخدِم البرامج البرلمانية لفضح الانتهاكات والدعوة إلى التغيير. انتخب رؤساء بلديات يمكن أن يكونوا بعد ذلك أبطال التحول الوطني.

  • السخرية سلاح جيد، تضغط على نقطة الضعف الأكثر حساسية لدى الرجل الكبير: إحساسه بأهميته. لكن الفكاهة تعمل بشكل أفضل إذا كانت تسير جنبًا إلى جنب مع النقد المنطقي، بموازاة سياسات بديلة معقولة.

  • الديمقراطية تتغذى على النضال من أجل الديمقراطية. لا توجد طرق مختصرة أو حلول سحرية، ولا بديل عن الاعتماد على سعة حيلة المواطنين. الديمقراطية حق، لكنه حق يجب انتزاعه.

_______________

المصدر: دراسة بعنوان كيف تمنع الانقلابات وكيف تواجهها إذا وقعت؟نشرت بموقع ساسة بوست

مقالات

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *