أثار تكرار الاشتباكات الدامية بين التشكيلات المسلحة في العاصمة الليبية طرابلس، وما تخلفه من قتلى وجرحى تساؤلات في البلاد عن قدرة السلطات الأمنية والقضائية على إخضاع هذه الميليشيات للمحاسبة عن إشاعة الفوضى في البلاد، ومن يتحمل «فاتورة الدماء» التي تسقط من حين لآخر.

وفور اندلاع الاقتتال الأخير بين ميليشيات تابعة للسلطة التنفيذية المؤقتة في ليبيا، طالب سياسيون ليبيون بالقبض على اثنين من أمرائها وهما عبد الرؤوف كاره قائد «جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة» التابع للمجلس الرئاسي، وأيوب أبوراس قائد كتيبة «ثوار طرابلس» آمر جهاز الحرس الرئاسي، وإحالتهما إلى النائب العام.

ومع تساقط الضحايا سارع سامي الساعدي، القيادي السابق بـ«الجماعة الليبية المقاتلة» بالقول إذا «لم يُحاسب المسؤولون عن قتل 16 شخصاً في طرابلس، فستدخل البلاد في الدوامة التي كانت قد بدأت في الخروج منها».

ورصدت وزارة الصحة بحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، سقوط 16 قتيلاً و52 جريحاً جراء الاشتباكات التي شهدتها العاصمة، بين «قوة الردع الخاصة» والحرس الرئاسي.

وقال أحمد عبد الحكيم حمزة، رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، إن هناك مطالبات عديدة بضرورة محاسبة هذه التشكيلات المسلحة عما يرتكب من أعمال تضر بالمواطنين، لكنه أرجع أسباب عدم تلبية هذه المطالب إلى «ضعف الآليات الدولية وعدم التعاطي الجدي والسريع مع متطلبات المرحلة، وتعزيز الجهود الوطنية في المساءلة ووقف الإفلات من العقاب».

وأضاف حمزة لـ«الشرق الأوسط» أنه كان «لزاماً على المجتمع الدولي العمل سريعاً لدعم جهود عدم الإفلات من العقاب وتعزيز سيادة القانون في ليبيا منعاً لتجدد هذه الاشتباكات وأعمال العنف بحق المدنيين والأبرياء الذين يدفعون ثمن هذه النزاعات المسلحة»، ورأى أن «قضاء بلاده يعاني تحديات جساماً في ظل حالة استثنائية مع انتشار للسلاح، و(سلطات الأمر الواقع) التي تفرض سيطرتها على الأرض بقوة، ما يعوق عمل السلطات القضائية الليبية».

ورأى أن «القضاء في ليبيا في حاجة إلى التعاون مع نظيره الدولي بغية تعزيز سيادة القانون وإنهاء الإفلات من العقاب»، محملاً «أطراف النزاع المسلح ومكتب القائد الأعلى للجيش الليبي ممثلاً في المجلس الرئاسي المسؤولية القانونية الكاملة حيال ما يترتب عن هذه الاشتباكات المسلحة».

في السياق ذاته، عبر مواطنون ليبيون عن غضبهم من تكرار هذه المصادمات، وقال أحدهم وهو عادل القاضي، عبر حسابه على «تويتر» إن «شباباً صغاراً يسيطرون على عاصمة البلاد من خلال مجموعة من التشكيلات المسلحة المنتشرة وسط أحياء سكنية وتتسابق الحكومات المتعاقبة لكسب رضاهم».

ورغم أن أيوب أبوراس، من مواليد 1996 فإنه يتمتع بنفوذ واسع في العاصمة، وتتهمه أوساط سياسية ليبية بالتورط في أحداث عديدة وقعت في طرابلس.

وسبق لعضو مجلس النواب الليبي عز الدين قويرب، تحميل فائز السراج رئيس المجلس الرئاسي السابق، «أكبر قدر من المسؤولية عما أسماه بـ«العبث» الحاصل في طرابلس، وقال: «السراج هو من استعجل الدخول إلى العاصمة بمساعدة باولو سيرا، وميع بنود الترتيبات الأمنية».

وكان السراج قد دخل العاصمة طرابلس عبر البحر بمساعدة ميليشيات مسلحة ليمارس مهام عمله من «قاعدة أبو ستة» البحرية، وذلك للتغلب على رفض ميليشيات عارضت دخوله العاصمة.

وأضاف قويرب: «أخذوا من الاتفاق السياسي ما يتناسب معهم فقط وسنوا سُنة سيئة لمن خلفهم في الدعم المالي وقرارات التشكيلات المسلحة».

وسيرا وهو جنرال إيطالي، كان كبير المستشارين الأمنيين في بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا برئاسة المبعوث مارتن كوبلر، عام 2015 الذي تشاور مع المجلس الرئاسي آنذاك ووزارتي الدفاع والداخلية حول خطوات تنفيذ الترتيبات الأمنية المؤقتة المنصوص عليها في الاتفاق السياسي الليبي الموقع بمنتجع الصخيرات.

وقال عمر النعاس، عضو الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور الليبي، إن ما حدث في طرابلس خلال الأيام الماضية، «نتاج للفوضى المسلحة وانتشار السلاح دون سلطة رقابية فعلية»، ورأى أن هذه الأمور «تم حسمها في مشروع الدستور من خلال نصوص حاكمة ملزمة للكافة. تنص المادة 177 على أن الدولة هي التي تحتكر السلاح من خلال المؤسستين العسكرية والأمنية، كما تنص على حظر كل الأشكال والمظاهر المسلحة الأخرى».

وأضاف في تعليق على ما يجري من اشتباكات: «في رأيي؛ لو تم تفعيل مشروع الدستور منذ سنة 2018 بعد صدور قانون الاستفتاء لكانت ليبيا دولة قانون ومؤسسات ولتجاوزت مرحلة فراغ السلطة والفوضى والفساد والتي ظهرت كلها خلال المرحلة الانتقالية التي طالت ولا يريد المستفيدون منها لهذه المرحلة أن تنتهي».

وتكبدت ليبيا خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات الخاصة والعامة جراء الاشتباكات المسلحة التي تتجدد في العاصمة من وقت لآخر، إما للنزاع على توسيع النفوذ على الأرض، أو على خلفيات سياسية وانحيازات جهوية منذ سقوط النظام السابق، لكن ذلك يمر دون محاسبة وفقاً لسياسيين وحقوقيين ليبيين.

_______________

مقالات

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *