ربما كان الاستاذ منصور الكيخيا، هو المؤهل الوحيد لقيادة ليبيا، وقت اختطافهبل ربما كان ذلك، سبب تصدره لقائمة الضحايا.

***

ولد الاستاذ منصور الكيخيا، في مدينة بنغازي، عام1931م. وتخرج من كلية الحقوق بجامعة القاهرة. مثل ليبيا، كقائم بالاعمال فى باريس، وكقنصل عام بالجزائر، ثم بسويسرا. اسس حزب البعث في ليبيا، مع الاستاذ عامر الدغيس، وعبد الله شرف الدين. وبعد انقلاب سبتمبر 1969م، طلب منه الانقلابيون، الانضمام اليهم، دون قيد اوشرط، ورفض ذلك بالطبع. فالعقلية العسكرية لا تجيد التعامل مع الحياة المدنية. ثم عُين نائباً لوزير الوحدة والشؤون الخارجية، ووكيل لوزارة الخارجية فى ليبيا، ومندوباً لليبيا، فى الامم المتحدة، عام 1972م، ثم وزيراً للخارجية (1972م-1973م).

استقال بعد ذلك، وعمل محاميا، حتى عام 1975م. وقد قام بالدفاع عن خمسة وعشرين عضوا، من اعضاء حزب التحريرالاسلامي في ليبيا، وخمسة اعضاء، من تنظيم الاخوان المسلمين، بالاضافة الى اعداد اخرى، من ذوي الاتجاه اليساري، من الشيوعيين، وقد افرجت المحكمة عنهم جميعا، ثم القى النظام، القبض عليهم، مرة اخرى.

عين الاستاذ منصور بعدها، في منصب الممثل الدائم لليبيا فى الامم المتحدة، فى الفترة من 1975م الى 1980م، ثم استقال عام 1980م، احتجاجا على سياسات التصفية الجسدية، التي يمارسها النظام الليبي، عبر لجان الإرهاب، التي يطلق عليها النظام الليبي اسم اللجان الثورية، بالاضافة الى احتجاجه على مقتل زملائه، من قيادات البعث التاريخيين (ومنهم الاستاذ عامر الدغيس، والاستاذ محمد حمي). وكان يردد، ان اغتيال الشهيدين الدغيس وحمي، كانت نقطة تحول في حياته.

وفي 1986م، شارك الاستاذ منصور الكيخيا، في تأسيس التحالف الوطني، وترأسه كامين عام، حتى عشية اختفائه او اختطافه، من فندق السفيربالقاهرة، وذلك في ديسمبر1993م، وذلك عندما كان في طريقه، لحضور مؤتمر لحقوق الانسان، نظمته، في القاهرة، المنظمة العربية لحقوق الانسان“.

كان الاستاذ منصور، يعتبر اللجان الثورية، منذ بداية تأسيسها، اداة تخريب للوطن، وقد صدق حدسه. فهو لذلك يدعو الى الغاء اللجان الثورية، واعادة سلطة الدولة. كما كان صريحا مع معمر، في عدة مواقف، فكان يقول له، وجها لوجه: “ان العنف لن يعود على ليبيا بخيروان الاخطاء في المجالات السياسية، والاقتصادية، والصناعية، قد تُقبل، بنية تصحيحها، لكن العنف، والقمع، لا يمكن قبوله، ولا يمكنني ان اشاركك فيه المسؤلية“. كما كان يؤمن، ان معمر، عدو للمؤسسات، ولكل ما هو قائم ومستقر.

اما خارجيا، فقد كان يختلف مع النظام الليبي، في ثلاثة قضايا رئيسية، هي تأييد معمر لايران، في حربها ضد العراق، وسلبيته مع مصر، ومحاولته شق منظمة التحرير الفلسطينية.

ولقد جمعتني بالاستاذ منصور، لقاءات عديدة، خاصة في مدينة كولومبيابولاية ميزوري، المدينة التي جمعتنا معا، وكان مرحا، معروف باعتداله، وكان سريع البديهة، حاضر النكتة، على قدرعال من الثقافة، وكان محاورا ممتازا، ومتحدثا بارعا، وكان يستمع لمخاطبيه، بانتباه وتركيز، ودون مقاطعة، وكان يتمتع بمقدرة عجيبة على الاحتفاظ بهدؤه، بالرغم من الاختلاف الشديد، في وجهات النظر، مع محاوريه، احيانا. كما كان يتمتع، بجانب ذلك، بصفات قيادية عديدة اخرى.

وكان الاستاذ منصور، يؤمن بالحوار، ويدعو اليه، وكان يردد: انه اذا كانت مجموعة داخل النظام الليبي، تريد ان تتجه اتجاها وطنيا، او تغير من مسيرة النظام، فعليها ان تثبت ذلك (عمليا)، لان القضية هي قضية مصداقية. فالكلام النظري، لا يجدي نفعا.

وربما كان هو نفسه، ضحية إيمانه بالحوار السلمي، لان النظام الليبي، اثبت، انه غير قابل للحوار، بل تميز، اكثر من مرة، بالغدر مع محاوريه. وما قصة الشهيد محمد مصطفى رمضان، عنا ببعيد، لقد كان الشهيد يبعث برسائل الى معمر (رأس النظام)، ينصحه فيها ويوجهه ويحذره من سياساته الرعناء، التي ستؤدي الى خراب البلاد.

وقد اثبت الزمن صحة افكار الشهيد. وعندما كان الشهيد محمد، يحاور اعوان النظام في لندن (ومن بينهم موسى كوسة)، كانت خطة القضاء عليه جاهزة، في ادراج موسى كوسة نفسه. وربما حدث نفس الشيء، للاستاذ منصور الكيخيا، فخطة اختطافه، كانت جاهزة، عندما كان ينوي الحوار من اجل الوطن الذي احبه.. ومن اجل الناس الذين احبهم.. اي من اجل ليبيا والليبيين.

نبذة مختصرة عن التحالف الوطني الليبي..

وكان الاستاذ منصور، يأمل دائما، في جمع المعارضة، في جبهة عريضة واحدة، من اجل احلال نظام وطني ديمقراطي، في ليبيا، بدل النظام القائم. وكان، من ضمن جهوده في هذا الاطار، يدعو الى عقد مؤتمر وطني للمعارضة الليبية.

فبرزت في بداية 1983م، مبادرة لتأسيس تحالف سياسي، يضم كافة التنظيمات، بمختلف اتجاهاتها الفكرية، والسياسية، تحت شعار الاتفاق على الحد الادنى“. وقد تمثل ذلك الحد الادنى، في اسقاط النظام القائم، واقامة نظام وطني ديمقراطي. وكانت هذه الفكرة، اي فكرة تأسيس هذا التحالف السياسي، تبرز وتختفي، منذ اوائل السبعينيات تقريباً.

وتم تأسيس التحالف المنشود، تحت اسم التحالف الوطني الليبيفي 1986م. وانضم اليه عدد من التنظيمات، بالاضافة الى عدد من المستقلين. واختير الاستاذ منصور الكيخيا، اميناً عاماً للتحالف. وظل اميناً عاما، وكما ذكرنا، حتى عشية اختطافه او اختفائه من القاهرة، في ديسمبر 1993م.

ويعتبر التحالف اطاراً، لتجميع قوى المعارضة، تنظيمات، ومستقلين، وتوحيد جهودها، ووقف صراعاتها، وحسم خلافاتها. وهو ايضاً صيغةتسمح لكافة التنظيمات، التي التحقت، او ستلتحق بالتحالف، احزاباً كانت، او نقابات، او جماعات، او حركات، او هيئات، او شخصيات، للاحتفاظ باستقلاليتها، وخصوصيتها، بل وببرامجها ايضاً.

ويسعى التحالف الوطني الليبي، الى اسقاط النظام القائم، واقامة نظام ديمقراطي دستوري، بدلاً منه. ويرى التحالف، ان ذلك لن يتم، الا عبر صياغة دستور، يضمن حقوق الانسان، وحرياته، الاساسية، كحرية الرأي، والنشر، والتعبير. ويضمن كذلك، حرية تأسيس التنظيمات السياسية والنقابية. كما يضمن الفصل بين السلطات، التشريعية والتنفيذية والقضائية.

ويدعو التحالف كذلك، الى حماية السيادة الوطنية، والحفاظ عليها، والى بناء اقتصاد وطني، مستقل ومتحرر من الهيمنة الاجنبية، مع تطوير قطاعي الزراعة والصناعة، واعتبارهما بديلاً استراتيجياً، عن قطاع النفط.

اما على المستوي العربي، فيسعى التحالف، الى تيسير ظروف الوحدة العربية، واعتبار قضية فلسطين، هي القضية القومية الرئيسية. كما يدعو الى انتهاج سياسة خارجية، مستقلة، تناهض الاستعمار والصهيونية، وتناهض التمييز العنصري، وتلتزم بمبادىء الحياد الايجابي، وعدم الانحياز، مع تعزيز العلاقات مع دول العالم اجمع.

ولعلني اختم هذا العرض المتواضع، عن الاستاذ منصور، بالقول، انه من المفارقات المحزنة في حياته، انه كان دائما من المدافعين عن مصر، وكان يعترض، بل ويمتنع عن توزيع المذكرات ضدها، في مجلس الامن. وكانت سلبية معمر تجاه مصر، احد نقاط الخلاف بين الاستاذ منصور والنظام الليبي، كما ذكرنا. ولم يتوقع، ان مصر ستكون البلد الذي سيختطف، او يختفي فيه. بل من المفارقات المحزنة، انه كان في مصر، للدفاع عن حقوق الانسان، وما يمر به هذا الانسان المضطهد، في الوطن العربي، من مظالم، كالقتل والاختطاف والتغييب.

ان قضية الاستاذ منصور، تجسد مأساة الانسان العربي، بل الامة العربية بكاملها. ولعله من الوفاء ان نواصل المشوار، وان نطالب بالغاء اللجان الثورية، اداة التخريب المتخلفة، ومحاسبتها، واعادة سلطة الدولة، وصياغة دستور، ينبع من عقيدة الشعب، ويضمن حقوق الانسان، وحرياته، وامنه، و كرامته، والله من وراء القصد.

_______________ 

المصدر: د. فتحي الفاضلي

مقالات

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *