كتب السجين هذه الرسالة وتمكن من تسريبها إلى أهله، قبل استشهاده يوم “المجزرة”
أهمية هذه الرسالة كبيرة جداً، لأنها تعطينا لمحة أو ومضة سريعة عن نوعية السجناء، وعن ما تعرضون له داخل السجن .وقد تم تسريب هذه الرسالة من أحد سجناء معتقل أبوسليم سيء السمعة.
هذه الرسالة كتبها الشهيد “سالم الذيب الشيخي” الذي استشهد مع أخيه ابريّك في مجزرة سجن بوسليم الشهيرة ، حين قام مسؤولو السجن حينها بقتل أكثر من 1260 سجين رَأْي بإطلاق الرصاص عليهم بدم بارد و قُــلوب نُزعت منها الرّحمة وتجرّدت منها الإنسانية .
كتبها الشهيد على قُماش كان بطانة ثياب أحد السجناء الذين أُطلق سراحهم، ثم خِيطتْ البطانة مرة أخرى، والسجين قام بتسليمها إلى أهل الشهيد، وهي كأنها قصة من الخيال، وهي حكاية من آلاف الحكايات التي يجب أن توثق لكشف تفاصيل مرحلة دموية من تاريخ ليبيا .
استشهد كاتبها يوم 29 – 6 – 1996 حين سجلت البشرية وقوع مجزرة بشعة راح ضحيتها سجناء لا ذنب لهم إلا أنهم كانوا يُصلُّون الفجر حاضراً في جماعة، أو تجرّؤوا وأبدوا امتعاضاً من أمر ما .
نص الرسال
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد الله وكفى .. وسلام على عباده الذين أصطفى والعز لمن أطاع الله والذل لمن خالف أمره وعصاه.
أما بعد ،
إلى أمي الفاضلة
أكتب أليكِ من زنزانتي الصخرية ( مقرورة ) الجدران، فنسأل الله أن تصل أليكِ رسالتي وأنت
في أحسن حال وأطيب مقام.
أمي الحبيبة لا تخافي عليّ فاني بخير وصحة طيبة لا ينقصني إلا رؤيتكم الطيبة وأنا والله الحمد مع أخوة كرام، حريصون علي أكثر من حرصي على نفسي، ومعي أخوه كثيرون وعلاقتنا طيبة وأنا محافظ على تلاوة القران وتعلم العلم وطاعة ربي والحمد الله الذي جمعنا لتتم الصالحات.
أمي يجب أن تكوني صابرة ومحتسبه لأمر الله تعالى فهذا قدر الله ولا يكون قدرا الله شرا أبدا ولكن نحن دائما مستعجلون.
لقد رأيتني أكثر من مره و أطمئنتي عليّ، والآن أنا ومن معي مثل حالنا الأول ألا أننا لا نزار الأهل فقط، ولكن كل شي يصل إلينا والحمد لله. ولقد وصل إلينا التموين والأكل الطيب عندما جئتم به أول مرة. وعلمتم أني محروم من زيارتكم، وكل الذي تبعثوه يصل إلي. ومعي أخوة، منهم الأشقاء يصل عددهم خمس أشقاء وأثنين وثلاثة وفيه اللي معهم أبيهم ولم تراهم أمهاتهم من حوالي 6 سنوات والآن دخلوا عامهم السابع فأحمد الله على ذلك، وما هي إلا أيام قليلة ويجعل الله لنا مخرج، فاصبري لأمر ربنا سبحانه وتعالي وحافظي علي صحتك وعلى طاعتك لربك، وصلواتك وصيامك وزكاتك وابتعدي عن كل ما يكدّر القلوب وأستعدي للقاء ربك ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه.
أماه لقد عرفتك أما صالحة طيبة كريمه تحبي الخير لكل الناس وكم تعبتِ من أجلنا فنسأل الله أن يعيننا على رد فضلك وجميلك علينا، ونسأل الله أن يرضى عليك في الدنيا والآخرة وأن يدخلك الجنة.
أخوتي الأفاضل، بارك الله فيكم من أخوة أحبة، فجزأكم الله عني خيرا. الله الله في تكافلكم مع بعض، الله الله في احترامكم لبعض وتعاونكم مع بعض، ولا تجعلوا الدنيا تفرق بينكم، الله الله في طاعتكم ربكم , الله الله في صلواتكم و زكاتكم و خوفكم من ربكم في السر والعلن، الله الله في أبنائكم ربّوهم على كل فضيلة ولا تربوهم على الأشياء التافهة، أنتم مسئولون عنهم أمام الله. ولا تدخلوا بيوتكم ألا حلال ولا تأكلوا ألا حلال.
الله الله في زوجاتكم فأنهن نعم الأخوات فأحسنوا عشرتهن، الله الله في أمكم أحسنوا إليها واهتموا بها واهتموا بأكلها ولباسها. الله الله في زوجتي اهتموا بها وحافظوا عليها وكونوا معها في كل صغيرة وكبيرة فهي أمانتكم وهي عندي أهم من (أحميدة). أما بالنسبة للبنات من جاءكم ممن ترضون دينه وخلقه فزوجوه ولولا الظروف الصعبة لكتبت لكم الكثير ولكن الأمر فيه الكثير من الصعوبة.
المهم بالنسبة للتموين فإنه يصل وأرجوا أن تبعثوا إلي بعض التن والجبنة والتمر، وكذلك الطعام الطيب الذي يكون مجمدا أذا أحضرتموه، وكذلك بضع أكياس من مسحوق الكيلسان كل ثلاث أشهر، إذا كان رخيص الثمن لأني محتاج إليه كثيرا وكذالك الكعك والحلويات وما
تيسر قدر الاستطاعة، وأريد أيضا أن تكتبوا لي كل أخبار الأسرة منذ بداية سجنين وبالتفصيل وكذلك أخبار أبناءكم الجدد، وقولوا لزوجتي لقد وصلني القميص البني ولقد فرحت به كثيرا.
وسلامي إلى جميع أقاربي وجيراني و جميع الإخوة و الأحبة، ولا تنسونا من الدعاء.
أخوتي سامحوني على تكليفكم و سامحوني على هذه الرسالة البسيطة فقد كتبتها على عجالة من أمري وعندما أحاول أن أجعا الحرف صغيرا فإن خطي ليس جيد.
المهم أن تطمئنوا عليّ و إلي لقاء قريب أن شاء الله تعالى
أخوكم المشتاق أبو محمد.
***
توفيت أم السجين الحاجة “حمالة الشيخي” في يوم 17 رمضان عام 2009 بعد أن تركت واحدة من أشهر قصائد الرثاء الشعبي في التاريخ الليبي .