سالم الكبتي
كان الدستور الليبي الصادر في السابع من إكتوبر 1951 قد نص في فصله العاشر الخاص بالولايات وفي المادة (177) على أن تضع كل ولاية قانونها الأساسي شرط أن لا تتعارض أحكامه وأحكام الدستور ويتم وضع القانون وإصداره في مدة لا تتجاوز سنة من تاريخ إصدار الدستور. ونص أيضا على أن يكون لكل ولاية حاكم يلقب بالوالي يعينه الملك ويعفيه من منصبه وهو يمثل الملك في الولاية ويشرف على تنفيذ الدستور والقوانين الاتحادية فيها.
كما نص الدستور في هذا الفصل على أن يكون في كل ولاية مجلس تنفيذي ومجلس تشريعي ينتخب ثلاثة أرباع أعضائه على الأقل ويحدد القانون الأساسي في كل ولاية اختصاصات المجلس التنفيذي والمجلس التشريعي.
وعشية إعلان الاستقلال منذ سبعين سنة في يوم الاثنين الرابع والعشرين من ديسمبر 1951 أصدر الملك إدريس أوامر ملكية بتعيين السادة: محمد الساقزلي واليا لبرقة و فاضل بن زكري واليا لطرابلس وأحمد سيف النصر واليا لفزان، وبهذا تكامل رسميا شكل الدولة بصيرورة الولايات حقيقة واقعة على الأرض وتكون في مجموعها (المملكة الليبية المتحدة).
ثم صدرت في الأشهر الأولى من عام 1952 مراسيم ملكية بالقوانين الأساسية لكل ولاية من الولايات الثلاث واعتبرت هذه القوانين (دساتير محلية تنظم الشؤون المتعلقة بالولاية على أن يكون دستور المملكة وما يوضع بموجبه من القوانين والمعاهدات هو القانون الأعلى لكل ولاية.
وقد اشتملت مواد هذه القوانين كل مايتصل بسلطات الوالي والمجلس التنفيذي والمصروفات والسلطة القضائية والمالية والعلاقة مع الحكومة الاتحادية. ومع مرور الأعوام حتى إلغاء النظام الفيدرالي عام 1963 طورت هذه القوانين وعدلت مرارا نتيجة للظروف التي سادت الدولة وما شاب الاختصاصات التي وصلت أحيانا إلى حد التنازع ما بين الولايات والحكومات الاتحادية وعولجت بالكثير من الآراء والاستشارات القانونية على الدوام.
هذه القوانين الخاصة بالولايات أفردت في نصوصها العديد من التفاصيل المنظمة بالذات لأوضاع المجالس التشريعية وانتخاباتها وسلطاتها ومدتها وغيرها. وبالنظر إلى نسبة عدد السكان في كل ولاية فإن أعضاء المجلس التشريعي في برقة يتألف من عشرين عضوا ينتخب خمسة عشر منهم طبقا لأحكام قانون الانتخاب في الولاية الذي يسن لذلك الغرض ويعين خمسة من قبل الملك، أما في ولاية طرابلس فيتألف من أربعين عضوا ينتخب ثلاثون منهم بموجب القانون ويعين الملك بقية الأعضاء، وفي فزان يتألف من عشرين عضوا ينتخب خمسة عشر منهم ويعين الملك الباقي. وهذا التعيين من قبل الملك للأعضاء في المجالس التشريعية الثلاثة يتم بالتشاور مع كل وال في ولايته.
أجريت الانتخابات التشريعية لأول مرة في 1952 1953 بعد انتخابات أول مجلس للنواب فيما أجريت انتخابات أخرى لاختيار المجالس البلدية في كل ولاية ونظمت هذه الانتخابات بلوائح وشروط وأدارتها لجان ومراقبات عملت لهذا الغرض. وخلال الانتخابات تقدم الكثيرون من المواطنين في مناطقهم بالمدن والأرياف (المراكز القبلية) للترشح وفاز الكثير منهم بالتزكية أو بانسحاب بعض المنافسين.
وبناء على هذه التجربة لانتخابات المجالس التشريعية فقد أشارت على سبيل المثال مذكرة إيضاحية أرفقت بالتعديل الذي جرى على القانون الأساسي لولاية فزان في العاشر من مارس 1958 بأن: (القانون الأساسي لولاية فزان أخذ ببعض النظم المتبعة في تكوين الهيئات التشريعية ببعض البلاد العريقة في النظم البرلمانية ولكن دلت الظروف والتجارب على صدق الرأي القائل بأن الانتخاب وحده لا يعطي صورة حقيقية للرأي العام ولايكفل للمجالس التشريعية تمثيل مختلف الطوائف والهيئات وتوفير عناصر لابد منها للإفادة من خبرتها وتجاربها.
ذلك أن بعض ذوي المراكز الخاصة.. دينية كانت أم سياسية أم اجتماعية أم أدبية أم علمية كثيرا مايحجمون عن اقتحام المعارك الانتخابية لما يكتنفها من تبادل النقد والتجريح. هذا فضلا عن أن الدعايات الانتخابية المغرضة كثيرا ما تنحرف بالرأي العام عن جادة الصواب سيما في البلاد الناشئة التي لم يسم فيها الوعي القومي إلى الدرجة التي يفطن معها الجمهور لما تنطوي عليه تلك الدعايات من خداع وتغرير وتكون نتيجة ذلك في الغالب رسوب من هو أهل لتمثيل بلاده ونجاح من هو غير أهل لذلك لهذا بات من الضروري معالجة الأمر حتى يغدو المجلس التشريعي للولاية ممثلا الرأي العام وجامعا في ذات الوقت العناصر الطيبة التي لابد من الإفادة من آرائها ولا يتسنى ذلك إلا بجعل تكوين المجلس من أعضاء ينتخب بعضهم ويعين البعض الآخر بمرسوم ملكي مع الوالي إذ بتعيين هذا البعض يمكن تدارك ماعسى أن يكتنف الانتخابات من عيوب نتيجتها في الغالب حرمان الهيئة التشريعية من أشخاص تكون البلاد في مسيس الحاجة لخدماتهم والاستعانة بخبرتهم وتجاربهم..).
كانت مدة المجلس التشريعي في كل ولاية أربع سنوات ما لم يحل المجلس قبلها ويعقد المجلس خلال هذه المدة أربع دورات في كل سنة دورة ويجب أن لا تقل مدة كل دورة عن خمسة أشهر ولاتزيد على تسعة أشهر. واشترط في العضو وفقا لبعض القوانين الأساسية أن يكون ليبيا ذكرا وأن يبلغ عمره ثلاثين سنة ميلادية على الأقل وأن لا يكون من أعضاء الأسرة المالكة وأن يكون قادرا على الكتابة والقراءة باللغة العربية بطلاقة وأن تتوفر فيه أية شروط أخرى يتطلبها قانون الانتخابات أوغيره من قوانين البلاد وأن يكون نائبا لجميع الشعب في الولاية التي يقطنها ولا تخضع نيابته لأية قيود أو شروط.
وقد ظل الولاة يفتتحون كل دورة تشريعية ممثلين للملك ويستمعون إلى خطاب حكومة الولاية من قبل رئيس المجلس التنفيذي الذي يضمنه خطط ومشاريع حكومته الفرعية حاضرا ومستقبلا ويعرض إلى ماتم إنجازه سابقا.
كان المجلس التشريعي هو برلمان الولاية فيما ظل المجلس التنفيذي بنظاره هو مجلس الوزراء أو الحكومة الخاصة بالولاية. ومع تواصل التجربة البرلمانية التشريعية في الولايات ظلت الإذاعة المحلية في كل ولاية تنقل بعض الجلسات مسجلة للمستمعين ونشرت الصحف في أعدادها المتتابعة وقائع تلك الجلسات ومناقشاتها حول كل الأمور الخاصة بالولاية وسبل علاج المشاكل والشكاوى التي ينقلها الناس إلى تلك المجالس.
وخلال هذه الفترة من عمر المجالس التشريعية في الولايات التي امتدت من العام 1952إلى 1963 شهدت تواجد العديد من الأعضاء المنتخبين أو المعينين من قبل الملك. وعلى سبيل المثال لا الحصر الدقيق يمكن ذكر بعضهم مع ملاحظة أن هناك من تولى الرئاسة إلى جانب العضوية عدة مرات:
أولا: ولاية فزان
محمد بن حامد. أحمد العربي عبدالقادر. محمد المهدي بن صالح. عبدالكبير بن أبوبكر. خليل الشاعر. أبوغرارة برناوي. أبوالقاسم محمد أرحومة. علي خير الدين. مختار مازن الهوني. محمد هاشم الشريف. الهادي بشير شلايق. عبدالسلام مصباح الزائدي. نصر بن سالم المقرحي. الطاهر بريدح. محمد البدري. مولاي بن كوري. عبدالمطلب المهدي. عبدالله البوصيري، وغيرهم (شملت الترشيحات والتعيينات ممثلين عن غدامس وهون بالجفرة قبل تعديل الحدود بين ولايتي طرابلس وفزان).
ثانيا : ولاية برقة
محمود بوهدمة. محمد عيسى الكاديكي. لامين سلامة المنفي. أحمد عقيلة الكزة. خليفة بوشناف. سعيد جربوع العبيدي. عوض عبيدة. فرج الوحيشي. عبدالله السنكي.عبدالله سميو. إبراهيم الفرجاني. مصباح رقرق. منفور علي لامين. أبوالقاسم عمر حفتر. مفتاح مبارك الشريف. محمد بن عمران. سالم المختار. أحمد بوهدمة. عبدالله عبد الصمد. ميلود بوالخنه. محمد طاهر الخفيفي. نصر الصريمي. محمد عثمان سويل. عبدالنبي باوي. بوسيف البشاري. محجوب مطرود اللواطي. عبدالقادر آدم الرقعي. أحفيظة المبروك أحفيظة. يونس الشرداخ. محمد سالم الجطلاوي. عبدربه العبار. هارون إبراهيم المنفي. عبدالرحيم بوقرين. عوض أقدورة….. وغيرهم
ثالثا: ولاية طرابلس
علي محمد الديب. الطاهر العقبي. أبوالقاسم العيساوي. الطيب عمر عبدالملك. محمود علي فتح الله. سالم لطفي القاضي. الأمين الزقلعي. محمد مصطفى عراب. عبدالله شرف الدين. عجاج تامر. عبدالله الإدريسي. برشان عصيم. أحمد الزائدي. الهاشمي بوخلال…. وغيرهم.
وفي مراحل أخرى صار هؤلاء الأعضاء نوابا في مجلس النواب أو شيوخا في مجلس الشيوخ. ولعل تجربة عضويتهم في المجلس التشريعي أكسبتهم خبرة ودراية برلمانية في ذينك المجلسين.
وبرصد ومتابعة ودراسة ومقارنة هذه القوانين أو الدساتير المحلية في الولايات الثلاث يلاحظ وجود اختلافات في موادها ونصوصها ولكنها على وجه العموم اتفقت في كل التفاصيل المتعلقة بالشؤون والاختصاصات في نطاق كل ولاية (برقة – طرابلس – فزان).
جانب آخر يتوجب ذكره في هذه الوقفة التاريخية مع المجالس التشريعية وهو أن هذه القوانين الأساسية ربما كانت سببا في حدوث أزمات دستورية وقانونية نشبت أولا في نوفمبر 1953 في ولاية فزان سببها اتفاق بعض أعضاء المجلس التشريعي هناك عن منطقة الشاطيء على تعديل بعض مواد القانون الأساسي للولاية وكان غرضهم الحد من سلطات الوالي التي يخولها له ذلك القانون. ثم ثانيا في يناير 1954، الأزمة الكبرى بحل المجلس التشريعي في طرابلس بأمر من الملك وصدور حكم المحكمة العليا الاتحادية ببطلان الأمر.
فكيف حدث ما حدث تلك الأعوام في طريق التجربة البرلمانية الليبية؟.
____________