عضو بارز في “كتيبة الدم” (الدفعة الأولى) التابعة للحرس الثوري بمكتب الاتصال باللجان الثورية
ـ هذا المخلوق قادم من اللاوجود، من الصحراء الليبية (الحمادة الحمراء)، حيث ولد في منطقة “الشويرف” التي تقع بين فزان وغريان. ومن المعلوم أن صحراء الشويرف، لم تأخذ من الصحراء سوى العزلة والبؤس والفقر والتهجم والقسوة. فهي لا تنتمي إلى جبل غريان الغني بالزيتون والكروم، وفيه قسمات من الموروثات الحضارية المتنوعة، وهي لا تنتمي، من الناحية الأخرى، إلى واحات فزان، بنخيلها وتمورها المتنوعة، وانتاجها الوافر من القمح والشعير وكل أنواع الخضروات.
ـ في تلك البقعة (الشويرف)، ولد سعيد راشد خيشة، في كوخ، وكبر وهو ينتمي إلى عائلة صغيرة، تعيش وسط قبيلة كبيرة هي قبيلة المقارحة، وعائلته ليست من مكونات تلك القبيلة. وبعد ان أنهى دراسته الثانوية بغريان، توجه إلى طرابلس والتحق بكلية الهندسة في السبعينات، وفي سنوات المفصل في الجسم الليبي، سياسيا، واقتصاديا، بل وحتى نفسيا.
ـ كان دخول “خيشة” إلى طرابلس بمياهها وأضوائها ومبانيها وطرقها وحدائقها، وكانت الجامعة وجموع الطلاب الذين جاءوا من كل المناطق، وحالة “الجماعية” التي تربط هؤلاء الطلاب جميعا، بين كل ذلك حاول “خيشة” أن يجد صيغة من صيغ التآلف، أو حتى التفاهم مع هذا الوجود الغريب العجيب. لم يستطع “خيشة” أن يحقق ذلك، بل بقيت حالة العداء لهذا الوجود الجديد تكبر في داخله، فشيطانه يوسوس له بأنه ليس من هنا، وأنه يختلف عن هؤلاء جميعا، فإنك لست منهم وليسوا منك، إنهم كلهم أعداؤك.
ـ التقى سعيد خيشة بعدالله السنوسي المقرحي الآخر، الذي أصبح صهرا لمعمر القذافي، فاكتشف عبدالله السنوسي مركبات وعُقَد “خيشة” التي لا تحتاج الى جهد نحو الهدف، وأصبح “خيشة” مجرد عصا ومسدس في يد عبدالله السنوسي.
ـ سعيد راشد كان في أثناء دراسته الجامعة من أشد العناصر عنفا وتطرفا، فيتحدث عن الفروسية والشجاعة والصدام، ويقدم نفسه للمهام التي يتردد الآخرون في التصدي لها. ففي أحداث 7 ابريل في جامعة طرابلس كان هو الأكثر عنفا وفتكا بالطلاب الذين تقدموا صفوف الرفض والتمرد على الاجراءات التي اتخذها القذافي ضد الطلبة، وعندما عرف بالمداهمات والمحاكم الثورية، تنافس مع أحمد ابراهيم على مرتبة التشدد، ولا يزال الكثير من الليبيين يتذكرون صولات سعيد راشد على شاشات التلفزيون الليبي، وهو يوبخ ويشتم المتهمين بالفساد والبرجوازية من رجال الاعمال والموظفين، وكانت قولته لبعضهم وهو يصرخ: “هذه فلسفة، هذه فلسفة”.
ـ عندما وقع الخصام بين معمر القذافي وعبدالسلام جلود المقرحي، تطاول سعيد راشد خيشة على جلود طالبا منه أن يذهب ويطلب السماح من القذافي، غضب جلود غضبا شديدا، وضربه بعصا غليظة ضربا مبرحا وكُسرت ذراعه ونقل إلى المستشفى.
ـ في مايو 1984، كان هو خليفة احنيش وعبدالله السنوسي وحسن الكاسح قادة غرفة العمليات، بدء من الهجوم المسلح على العمارة إلى المحاكم الفورية، والتعذيب وعمليات الشنق، وملاحقة كل من اشتُبه بعلاقته بتنظيم الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا.
ـ بعد تخرجه من كلية الهندسة، تفرغ للجانب الأكثر عنقا مع الجناح الأكثر تشددا في حركة اللجان الثورية، وأصبح من المقربين جدا للقذافي، يقوم بحراسته ومرافقته إلى الأماكن والمناسبات التي تحتاج إلى استنفار أمني خاص، وفي اجتماع عقده القذافي مع صفوة الصفوة من الثوريين في عام 1980، طلب منهم ملاحقة المعارضين في الخارج، وقتلهم في وضح النهار.
ـ في ذلك الاجتماع مع القذافي أقسم سعيد راشد، وغيره من الثوريين “قسم الولاء الانتحاري للقائد” التالي: “يا سيدي القائد، أنا خنجرك وسيفك ومسدسك وبندقيتك، ولو أمرتني بإطلاق الرصاص على أولادي، بل على نفسي، سانفذ، قبل أن يرتد إليك طرفك”. بعد ذلك الاجتماع بفترة قام سعيد راشد خيشة بالسفر إلى ايطاليا وأطلق الرصاص على رجل الأعمال الليبي “عزالدين الحظيري” وارداه قتيلا، وصدر حكم قضائي ضده في أيطاليا، ولكنه غادر أيطاليا قبل أن يتم اعتقاله.
ـ عندما تم تسليم المغرب الرائد عمر المحيشي إلى ليبيا، استدعى القذافي خلية القتل في سرت، وكان على رأسهم عبدالله السنوسي ومحمد المجذوب وسعيد راشد وعزالدين الهنشيري، وسألهم ماذا نفعل بالخائن المحيشي، فقال سعيد راشد للقذافي: “أنا أريده يا سيدي، وأن سأعطيه الجزاء الذي يستحق”. تم تسليم عمر المحيشي بعد ذلك إلى سعيد راشد، الدي دعا صفوة القتل إلى وجبة خاصة، وكان خروف المأدبة هو الرائد المحيشي. وضع سعيد خيشة عمامة سوداء على رأسه وهو تقليد يتبعه رجال القبائل عندما يذهبون إلى الحرب، كان المحيشي مقيد اليدين والقدمين، طرحه الجنود أرضا، وظل المحيشي صامتا زائغا مرتجفا، تقدم سعيد خيشة نحوه رافعا سكينه، وأمسك برأسه وذبحه مثل ما يذبح جزار محترف ضحيته. وظل سعيد خيشة يتفاخر بهذا المشهد أمام سيده تأكيدا لولائه المطلق والدائم له.
ـ بعد الغارة الأمريكية أبريل 1986، أعلن سعيد راشد من المقبرة التي دفن فيها من قتل في الغارة، أعلن أن سيقتل عشرات من الأمريكيين مقابل كل ضحية في تلك الغارة، وهناك ما يشير إلى انه خطط لعملية تفجير مرقص لابيل ببرلين في ألمانيا، وقد عثر على تسجيل لمكالمة هاتفية بين سعيد راشد وأحد عملاء المخابرات الليبية في ألمانيا حول العملية، وليس مستغربا أن يكون متورطا في عملية تفجير طائرة الت يوتي إي فوق بلدة لوكربي، خاصة أن أحد المتورطين في العملية هو عبدالباسط المقرحي.
ـ في الثمانينيات تصعدت المواجهة بين القذافي والمعارضة الليبية، اختار القذافي مجموعة من بين ما يعرف بـ “كتيبة الدم” خلية وضعها على رأس “هيئة أمن الجماهيرية” برئاسة ابراهيم البشاري، وعضوية سعيد راشد خيشة، وعزالدين الهنشيري، وعبدالسلام الزادمة، وعبدالله السنوسي، وعبدالله منصور. ووضع تحت تصرفهم حساب مفتوحا بكل العملات الأجنبية، وأعطاهم صلاحيات مطلقة، وأخضع لهم كل مؤسسات الدولة، وكان بامكانهم اعتقال أي انسان أو قتله، أو القيام باي عملية في الخارج من دون الرجوع إليه.
ـ استمر سعيد راشد خيشة في لعب دور مهم في مكتب الاتصال باللجان الثورية الذي تقاسم مهام العنف في الداخل مع هيئة أمن الجماهيرية، وفي تلك السنوات، امتلأت السجون، وكانت تكفي اي وشاية او شبهة أن تضع أي مواطن في السجن لسنوات من دون أن يسأله احد عن اسمه.
ـ في الأيام الأولى لثورة 17 فبراير، توجه سعيد راشد بسيارته ومعه إبنه وابن أخيه إلى معسكر باب العزيزية، مخبأ القذافي، وعندما وصل إلى البوابة الخارجية للمعسكر، بدأ بإطلاق النار في الهواء تعبيرا حظوره واعلانه عن وجوده في خضم المعركة ضد الثوار، ولكن بسبب التوتر والرعب الذي ملأ الجنوج حول وفي معسكر باب العزيزية، أطلقوا النار على سيارته، وقتل هو وإبنه وابن أخيه.
كان ذلك تنفيذا لحكم الإعدام المضاعف من القاتل سعيد راشد خيشة ومن معه في السيارة، وكان ذلك الحدث تعبيرا عن أن يد القدر كانت تقاتل مع الثوار، بل سبقتهم إلى معسكر باب العزيزية، وكانت بشارة لهم بالخاتمة، “قتل القتلة”.
_____________
المصدر: تم اقتباس هذه الفقرات (بتصرف من المحرر) من كتاب “أشخاص حول القذافي” للكاتب عبدالرحمن شلقم (دار الفرجاني ـ 2012)