عبدالله السنوسي المقرحي .. أكبر وأخطر إنتاج لمصنع معمر القذافي
ـ بعد تمكن القذافي من السلطة عبر انقلاب عسكري في سبتمبر 1969، قام الانقلابيون بتسريح أعداد كبيرة من ضباط الجيش، ونُقل بعضهم إلى وظائف مدنية داخل البلاد، في حين أُرسل آخرون للعمل ببعض السفارات. مباشرة تم الشروع في تجنيد أعداد كبيرة من الطلاب والشباب وإرسالهم الى الكليات العسكرية في مصر إذ أغلقت الكلية العسكرية الملكية في بنغازي.
ـ كان المعيار الوحيد، هو الثقة التي أسست على عنصر القرابة، فاُدخل العشرات من شباب القذاذفة (أبناء عمومة معمرالقذافي) وشباب المقارحة (أبناء عمومة عبدالسلام جلود) الذين يدرسون بالمرحلة الثانوية، بالالتحاق بالكلية العسكرية، وتم ضم حتى أولئك الذين لم يحصلوا على الشهادة الثانوية، وكان عبدالله السنوسي المقرحي من بين هؤلاء، وهو لم يحصل على شهادة معهد المعلمين الخاص.
ـ اختار معمر القذافي عبدالله السنوسي ليكون عديلا له، زوجه شقيقة زوجته الثانية “صفية فركاش”، بعد أن خذله عديله العديلين، وهما:
الأول هو “سليمان شعيب”، وهو احد الضباط الانقلايين الذي ألحقه معمر بجهاز الأمن فرفض أن يكون عصا يستعملها القذافي، فتعرض لاكثر من محاولة اغتيال بسبب رفضه، واتهم فيما بعد بالاشتراك في محاولة عمر المحيشي التي استهدفت التخلص من معمر القذافي. وقد رشح للإعدام، غير أن رابطة المصاهرة أنقذته من رصاصة الرحمة التي عادة ما يطلقها عبدالله السنوسي، وبقى سليمان شعيب لسنوات تحت الإقامة الجبرية.
الثاني هو “عبدالسلام أبوقيلة” أحد الضباط الإنقالبيين، وقد زوجه القذافي من شقيقة زوجته الأولى “فتحية نوري خالد”، فرفض هو أيضا ما أراده القذافي، فتم تهميشه وكان يتندر عليه ويصفه بالمتخاذل والجبان.
ـ حاول القذافي استخدام الإثنين، كأيد تضرب المعارضين له، وأن يقوما بدور الحراس للنظام، ولكنه فشل، فجاء عبدالله السنوسي مخالفا لموقف العديلين السابقين.
ـ عبدالله السنوسي هو صناعة كاملة لسيده معمر القذافي، وقد اختير لاسباب قبلية بحثة، لكونه مقرحي، من دون خلفية سياسية أو أيديولوجية، كل ما كان مطلوب منه هو الحفاظ على أمن سيده، ولكن القذافي رأي أنه يمكن تصنيعه ليكون حارس العقيد، وعصا النظام وجنجره وبندقيته.
ـ بعد ما عرف بمحاولة عمر المحيشي في عام 1975، اختار خليفة إحنيش نخبة من الضباط والجنود من قبائل القذاذفة والمقارحة وورفلة، شكّل منهم ما عرف بـ “الكتيبة”. أوكلت لها وحدها الوجود في ما عرف الحلقة رقم 1 المكلفة بأمن القذافي الشخصي. ضمت الحلقة رقم 1 محمد المجذوب القذافي، سعد مسعود القذافي، وعبدالله السنوسي المقرحي، وغيرهم.
ـ تولى عبدالله السنوسي مهمة ملاحقة المشاركين في ما عرف بمؤامرة المحيشي، فقبض عليهم، ونفذ الاحكام التي أصدرتها محاكم عسكرية صورية سريعة. كان السنوسي منافسا شرسا لإرضاء سيده في تنفيذ تعليماته، وقد تفوق على منافسيه في التنفيذ وبالتالي الإرضاء.
ـ نقله معمر القذافي بين المواقع الأمنية والعسكرية، يأخذ تعليماته مباشرة منهن ولا يتبع اي جهة أخرى، تحدى أبوبكر يونس أحيانا، بل تحدى خليفة إحنيش أيضا، وكان أحيانا أقوى منه، رغم أنه آمر الكتائب الأمنية، الفيصل هو طبيعة التحديات، أو وجهة الشكوك الأمنية، فاذا كانت خيوط الشك تشير نحو واحد من قبيلة القذاذفة أو غيرها من القبائل، فيكون عبدالله السنوسي هو الأقوى من خليفة إحنيش ومن غيره.
ـ عندما بدأت الشكوك تحوم حول حسن إشكال القذافي، منذ منتصف الثمانينيات، وبعد أن تحولت الشكوك حول حسن إشكال إلى تهم، حاول خليفة إحنيش محاصرة الموضوع، وأن يصار إلى إعفائه من الجيش ويكلف بمهام مدنية، غضب منه القذافي، واعتبر موقف خليفة إحنيش نوعا من التواطؤ مع حسن اشكال. اختفى خليفة إحنيش فجأة، وعرف فيما بعد أنه لجأ إلى الجبل الغربي، وأقام في حماية إحدى قبائل الجبل، زاد غضب القذافي على أبناء قبيلته واتهمهم بالتآمر عليه، وأصبح عبدالله السنوسي هو وحده رئيس السدنة، الآمر الناهي في كل ما يتعلق بالأمن الشخصي لسيده القذافي. اجتمع الضباط من قبيلة القذاذفة وقرروا الخلاص من حسن إشكال، وهذا ما حدث فقد أطلقت النار على رأس حسن إشكال، وقيل أنه انتحر، فرفعت تلك الحادثة من مكانة عبدالله السنوسي، ووسعت دائرة الثقة فيه، وكذلك مساحة صلاحياته.
ـ في عام 1992، اكتشف ما عرف بمؤامرة ورفلة، التي ينحدر منها مئات الضباط العاملين في مواقع كثيرة في الجيش الليبي، ومن بينهم العشرات في صفوف الكتائب الأمنية، يتولى بعض أبناء قبيلة ورفلة قيادة بعض المعسكرات المجهزة جيدا بالأسلحة الثقيلة، وتتمركز في مواقع استراتيجية. قاد تلك المحاولة مفتاح قرّوم، وهو ضابط ورفلي كان يحظى بثقة القذافي ومن معه.تسربت أخبار المحاولة إلى عبدالله السنوسي، فأحبطت المحاولة، وأعدم قادتها، وصنفت روفلة على أنها العدو الأول للقذافي بعد أن كان يطلق عليها “خوت الجد”. تولى خليفة إحنيش قيادة هذه المعركة.
ـ هذه الأحداث أحدثت شق واسع في حلقات القرابة الأقرب “أبناء العمومة” والقرابة الأبعد “خوت الجد”، ولم يبق من أكوام صلة القرابة إلا “العديل” عبدالله السنوسي بعد أن قام بقتل كل متآمر على عديله، وهكذا جاءت مصائب القذاذفة وورفلة، فوائد لعبدالله السنوسي. فاستحوذ السنوسي على عقل معمر وأصبح يده الحديدية التي تضرب، كل شبح يتحرك نحو “القائد”.
ـ كانت حادثة “خشيبة” و “الغناي” وهما ضابطان من ابناء عم القذافي، ومن طاقم حراسته، ويحملان السلاح للدفاع الشخصي عنه، وذلك بأن القائد الإسلامي الأممي دخل خلسة إلى منزليهما “خلسة” برفقة فريق أمني، أي أنه وصل إلى مربط الشرف، وبالتالي قررا الانتقام منه قائدهما. كلف القذافي عبدالله السنوسي بالتعامل معهما، وأطلق يده في اتخاذ مايراه حيالهما. وقام باعدامهما بأبشع الصور وأمام أبناء القبيلة.
ـ لقد نفذ عبدالله السنوسي كل ما طلبه منه سيده:
- بعد غارات الطيران الأمريكي على بيت القذافي ومواقع اجهزتة العسكرية والأمني بأوامر من ريغان، خطط عبدالله السنوسي لعملية لوكربي، وحكمت المحكمة الإسكتلندية على عبدالباسط المقرحي إبن عم عبدالله السنوسي المقرحي.
- خطط عبدالله السنوسي لعملية تفجير طائرة اليو تي إي الفرنسية وكان من بين المحكوم عليهم العقيد عبدالسلام حمودة المقرحي إبن عم عبدالله السنوسي.
- خطط عبدالله السنوسي لعملية تفجير ملهى لابيل الألماني، وحكمت المحكمة الألمانية بإدانة سعيد راشد خيشة المقرحي، إبن عم عبدالله السنوسي.
- في أبريل 1984، أطلق أحد المجرمين من داخل السفارة الليبية النار على المتظاهرين الليبيين، فقُتلت الشرطية فليتشر، وجرى الحديث عن وقوف عبدالله السنوسي وراء صدور التعليمات بإطلاق النار.
ـ لقد اختار القذافي أسلوب العنف والمواجهة مع جميع المعارضين له في الداخ والخارج، أفرادا كانوا أو دولا، كان عبدالله السنوسي، دائما هو اليد الحديدية التي يضرب بها ويقتل.
في قمة شرم الشيخ العربي عام 2003، رد ولي العهد السعودي على ما قاله معمرالقذافي بعبارات شديدة القوة، مما أخرس لسان معمر تحت الصدمة. وبعدها شن القذافي حربا سياسية، وإعلامية، ودينية على السعوديين، جند لها الليبيين والعرب والأجانب، لكن عبدالله السنوسي اعتبر ما ان ما سيده قد أهين وبالتالي بادر بالعمل على الانتقام فارسل بعض العناصرلتصفية الأمير السعودي جسديا.
ـ ما ان بدأت الأحداث في تونس ومصر، سرت قشعريرة خوف عاتية في أركان نظام القذافي، ولكن عبدالله السنوسي ظل متحفزا، وجاهزا لاستعمال القوة، وما أن لمعت شرارة البداية في شرق ليبيا، حاول البغدادي المحمودي تهدئة الموقف، الأمور ببنغازي تصاعدت بسرعة، وخرجت الجموع الثائرة إلى الشوارع، تطالب بأعلى صوتها بسقوط النظام، فانفجر الرعب في جسد النظام، عاد عبدالله السنوسي الى بنغازي بنية القتل، فواجه الشباب المتظاهرين العزل بالرشاشات فوق جسر جليانة فحصد العشرات وربما المئات منهم، ثم توجه إلى كتيبة “الفضيل بوعمر” بوسط بنغازي، هاجمها المتظاهرون وهرب عبدالله السنوسي بأعجوبة وعاد إلى طرابلس، ومن هناك قاد مع أعضاء اللجنة الأمنية معارك الإبادة ضد الشباب الليبيين.
بعد تحرير طرابلس فرّ الى بني وليد ومنها إلى سرت فاستأذن من سيده أن يذهب إلى قريته “قيرة”، في منطقة الشاطئ بجنوب ليبيا، ومنها عبر الحدود إلى النيجر متخفيا حتى تم تسليمه إلى حكومة عبدالرحيم الكيب رحمه الله، وأودع المعتقل هو والعديد من قيادات نظام القذافي.
أصدر مجلس الأمن قرارا بإحالة معمرالقذافي وإبنه سيف وعبدالله السنوسي إلى محكمة الجنايات الدولية بتهمة الإبادة الجماعية وارتكاب جرائم حرب وأصدرت المحكمة مذكرات اعتقال بحقهم.
كان عبدالله السنوسي نهاية منذ البداية.
___________
المصدر: تم اقتباس هذه الفقرات (بتصرف من المحرر) من كتاب “أشخاص حول القذافي” للكاتب عبدالرحمن شلقم (دار الفرجاني ـ 2012)
***
المحرر: لم يتناول شلقم جريمة العصر في سجن بوسليم والتي ارتبطت أيما ارتباط بـ “المجرم عبدالله السنوسي” ولا ندري ما هي مبررات الكاتب في تجاهل هذه الجريمة بالذات.