المحرر

من السنن التي تستدعي ضرورة الفهم وحسن التبصّر وفاعلية التعامل استيعابا وتوظيفا، تعجيلا للتغيير المنشوذ، أن التغيير لا يتم “واقعا” وقد لا يبدأ “أصلا” إلا إذا نظجت الظروف الأمنية والسياسية والنفسية المحيطة بدائرة الصراع.

وحيث أن الظروف لا تثبت على شئ في تبدلها وتطورها المستمر والمتسارع، وأنها لا تبقى في صيغة واحدة وعلى استقرار حالها لفترة زمنية طويلة، فإن المهام التي تبدو ممكنة ومفيدة في مرحلة ما، تصبح غير ممكنة وربما بلا جدوى في غيرها.

بل أن الجهود الناجحة في ظرف ما قد تجلب تمام الإخفاق في ظرف مغاير .. فالزمن ليس واحدا .. وواقع الأمس ليس هو الأمر الواقع دائما، وما يمكن تنفيذه في منطقة ما قد لا يكون متاحة في غيرها، وقد لا يفيدها في إخرى.

إن الطبيعة الثابتة للظروف هي استمرارية تبدلها وتغيرها، وأكبر تحدي يواجه المناضل هو أنه لن يخوض جولة في معركة التغيير أكثر من مرة واحدة، ولن يجرب أحوالها إلى للمرة الأولى والأخيرة، فكل جولة وظروفها، ولها ما يناسبها من الخطط والاساليب والوسائل.

إن السباق المتسارع مع الزمن وتبدل ظروفه هو من قدر المناضل، والعدو كذلك.. وذلك يتطلب من الطرفين الإبتكار والإبداع في مراحل التخطيط والتنفيذ والتقييم.

من بين المراحل المتباينة .. تبرز من حين لآخر ما يعرف بـ “اللحظات الاستراتيجية” التي تظهر “فجأة” وفي فترة زمنية ضيقة ـ وغالبا ما تكون حرجة ـ وهي بالطبيعة لحظات فارقة في معركة التغيير وإقامة البديل. إذا استطاع المناضل توقع تلك اللحظات، وتفهمها، واستعد لها، وتعامل معها بالسرعة المطلوبة، فإنها كفيلة أن تحدث نقلة نوعية في جهوده وقد تقفز به لمستوى أعلى في مسيرة تحقيق أهدافه.

مما لا شك فيه أن السنن تستجيب لمن يستوعبها فهما وعملا.

إن أي تقاعس أو تردد من المناضل عند اللحظات الاستراتيجية، بسبب عدم قدرته على تطوير الأساليب وابتكار الخطط المناسبة، أوعدم تجوابه مع المستجدات بالسرعة والكفاءة المطلوبة، قد يجعل المناضل في حالة التولي عن أداء الواجب، أو في موقف المتفرج امام تسارع الأحداث، وبالتالي سيكون في موقع متأخر ومتراجع.

اللحظات الاستراتيجية بطبيعتها سريعة التبدل والتغير ولا تتكرر في شكلها أو مضمونها في أي أكثر من جولة واحدة.

في هذه اللحظات، يتم الفرز، فكل من يتوقف أو يتردد سيتأخر وقد ينحرف عن المسار الأقصر لتحقيق أهدافه، خاصة أن الآخرين، الذين يتعاملون مع تلك اللحظات بقوة وكفاءة، لا يتوقفون في مسيرهم نحو أهدافهم، عندها سيصبح المناضل متفرغا لردود الأفعال فقط، فبدلا من أن ينتقل في معركته إلى موقع متقدم في مواجهة العدو، وبدلا من أن يواجه العدو من جهات متعددة، وعلى عدة أصعدة، ويضيق الخناق على عدوه، يجد نفسه في حصار لن ينفك منه لفترة طويلة، وربما سيخسر معركته بالضربة القاضية في جولة سريعة.

_____________

مقالات

5 Commentsاترك تعليق

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *