سالم الكبتي
تمت اختيارات الجمعية الوطنية التأسيسية بالتوافق بين الأقاليم الثلاثة وطبقا للخطة التي رسمتها لجنة الواحد والعشرين. وبنفس الخطوات السابقة تولى الاختيار في برقة الأمير إدريس وفي طرابلس الشيخ محمد أبو الأسعاد العالم وفي فزان السيد حمد سيف النصر. عشرون عضوا من كل إقليم يتفرغون لإنجاز وتحقيق العمل المقبل والمهم في تاريخ ليبيا.
مشروع الدولة والدستور وشكل الحكم والانتخابات القادمة والبرلمان والحقوق والواجبات للمواطن الليبي، بدءا من تحقيق الاستقلال في موعد لا يتجاوز يناير 195. وبهذا يكون أمام الجمعية براح من الزمن قوامه عام واحد بالضبط.
كانت اختيارات أعضاء الجمعية في وقت مناسب وسريع في نفس اللحظة. وشملت الأعضاء وفقا للأسماء التالية:
أولا: فزان – الطاهر محمد العالم – سعد ميدون المقرحي – محمد عثمان الصيد- منصور بن محمد الحسناوي -علي عبد النبي المقطوف البوسيفي – أبوبكر أحمد بن حمد – محمد الأزهري الحطماني – المبروك بن علي عريبي – عبد الهادي رمضان الزائدي – أبوالقاسم أبوقيله – السنوسي حمادي محمد – علي عبدالله الهادي – علي بن محمد بديوي -أحمد محمد الطبولي – الفيتوري بن محمد زيدان – طاهر القذافي بريدح المقرحي – علي عبد النبي السعداوي – محمد العكرمي بن هوبي – محمد بن الأمير – علي بن محمد الشريف.
ثانيا: برقة -عمر فائق شنيب – محمود حسين بوهدمة – سليمان إبراهيم الجربي – بوبكر بالذان الدرسي – محمد أرحيم بوجازية – أحميدة المحجوب – عبدالكافي السمين – خليل القلال – حسين مفتاح غرور – رافع بوغيطاس – الكيلاني صالح لاطيوش – طاهر العسبلي – عبدالله عبدالجليل سويكر- الطائع صالح البيجو- محمد السيفاط بوفروه – عبد الحميد عبدالله دلاف – سالم الأطرش – مبروك سليم الجيباني – أحمد عقيلة الكزة – عبدالجواد الفريطيس.
ثالثا طرابلس: – أحمد عون سوف – سالم المريض – عبدالعزيز الزقلعي محمدالمنصوري – محمدالهنقاري – منير برشان – علي تامر – محمد أبو الأسعاد العالم – أحمدالصاري – علي الكالوش – مختار المنتصر – عبدالمجيد كعبار – عبدالله بن معتوق – أبوبكر بونعامة – محمد كامل الهمالي – محمود المنتصر – إبراهيم بن شعبان – طاهر القرمانلي – يحي مسعود بن علي – علي بن سليم.
ويلاحظ هنا أن الاختيارات ضمت شخصيات من عديد مناطق الأقاليم الثلاثة تنوعت اتجاهاتهم وتجاربهم ومواقفهم. فمنهم من عاصر نهايات العهد التركي في ليبيا ودخول الإيطاليين. ومنهم من عمل في كوادر الإدارة الإيطالية ثم البريطانية والفرنسية. ومنهم أعيان مدن ووجهاء قبائل. ومنهم من شارك في المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الإيطالي. ومنهم من كان مهاجرا خارج البلاد. ومنهم صحفيون ومثقفون ونشطاء ينتمون إلى بعض الجماعات السياسية. ومنهم من شارك في مجلس نواب برقة عام 1921ثم 1950.
ومنهم من كان عضوا في لجنة الواحد والعشرين. ومنهم من الأمازيغ والطوارق. ومنهم مجموعات تمثل أهل الرأي والخبرة والإدارة في البلاد.
وفي كل هذا اجتمعت ليبيا بثقلها من خلال أقاليمها الثلاثة عبر هذا المكون الذي غدا يعرف باسم الجمعية الوطنية الليبية. والواقع أنني هنا أعتبر أن هذه الجمعية الوطنية في مجملها كانت بمثابة برلمان أو مجلس وطني يمثل الشعب الليبي في مناطقه كافة بلا إستثناء.
عقب هذه الاختيارات التوافقية التي أرضت كل الأطراف ولم تنشأ عنها أية أزمات أو حساسيات أو تقليب في صفحات الماضي عقدت الجمعية أولى اجتماعاتها وفقا لأحكام قرار لجنة الواحد والعشرين في مدينة طرابلس يوم الخامس والعشرين من نوفمبر 1950 وترأس هذا الاجتماع الشيخ أبو الأسعاد العالم الذي كان مفتيا لطرابلس في الوقت نفسه بصفته أكبر الأعضاء سنا.
تم هذا الاجتماع الأول في احتفال رسمي حضرته وشاركت فيه جميع السلطات والهيئات السياسية الأجنبية الموجودة في ليبيا وأغلب أعضاء مجلس الأمم المتحدة الخاص بليبيا. وفي جلستها الثانية المنعقدة يوم السابع والعشرين من نوفمبر 1950 قررت الجمعية تأليف لجنة فرعية لوضع لائحة نظامها الداخلي.
نفس الخطوات التي قطعتها لجنة الواحد والعشرين. تكونت هذه اللجنة الفرعية من أثني عشر عضوا بواقع أربعة من فزان وهم: أبوبكر أحمد وأحمد الطبولي ومحمد عثمان الصيد والسنوسي حمادي.
ومثلهم من طرابلس وهم: محمد الهنقاري ومنير برشان ومختار المنتصر ويحي بن مسعود. ومثلهم أيضا من برقة وهم: عمر فائق شنيب وخليل القلال وعبد الجواد الفريطيس وسليمان الجربي.
بلغت جلسات الجمعية منذ بدايتها وإلى نهايتها ثلاث وأربعين جلسة وكان مقار انعقادها في طرابلس في أماكن مختلفة: مدرسة الفنون والصنائع الإسلامية وقاعة جراند هوتيل إضافة إلى مقر الحاكم العام (قصر الخلد لاحقا) إضافة إلى بعض جلساتها في بنغازي في مقر مجلس نواب برقة.
وكانت الجلسات في الغالب مفتوحة لحضور الجمهور دون فرق لمتابعة مايقرر لمصير ليبيا ومستقبلها من أبنائها بأنفسهم وعبر هذه التجربة البرلمانية الصحيحة في كل الأحوال. وافقت الجمعية على لائحة الإجراءات المتضمنة لنظام عملها الداخلي تكون من ثلاث وأربعين مادة وحددت اختصاصها بالتفصيل. فمثلا في المادة الثانية تعين أن تختص بإعداد دستور الدولة الليبية بما فيه نوع الحكومة وفقا للفقرة الثالثة من قرار الأمم المتحدة في 21 نوفمبر 1949 وفي المادة الثانية عشرة نصت على أن اجتماع الجمعية يكون قانونيا متى حضره ثلاثا الأعضاء وفي المادة العشرين من اللائحة أكدت على أن جلسات الجمعية تعقد علانية إلا إذا قررت غير ذلك ويصدر بلاغ صحفي على أثر انتهاء جلسة خاصة كما نظمت اللائحة عمل سكرتارية الجمعية التي تقوم بإعداد محاضر الجلسات العلنية الخاصة وأكدت أيضا أن المحاضر التي لم يطلب أحد تصحيحها أو التي تكون قد صححت فإنها تعتبر المحاضر الرسمية للجمعية كما جوزت تشكيل لجان فرعية من أعضائها على أن تنتخب كل لجنة من بين أعضائها رئيسا وسكرتيرا.
وبنفس الكيفية السابقة في أعمال لجنة الواحد والعشرين اختارت الجمعية بعد الموافقة على اللائحة الداخلية الشيخ أبو الأسعاد العالم رئيسا لها والسيدين عمر شنيب من برقة ومحمد عثمان الصيد من فزان نائبين له وفي فترة لاحقة سيصبح السيد أبوبكر أحمد نائبا للرئيس بدلا من السيد الصيد. وفي اجتماعها الثالث الموافق لليوم الثاني من ديسمبر 1950 ناقشت الجمعية في جلسة (ساخنة بعض الشيء) مايتصل بتقرير نوع الحكم وملك الدولة القادم وتعيين لجنة أو هيئة لوضع الدستور المرتقب على هذين الأساسين .
وكان أول المتكلمين السيد محمد عثمان الصيد الذي أكد على أن يكون نوع الحكم وشكله اتحاديا فيدراليا (وحين تولى السيد الصيد رئاسة الوزراء حدث في فترة تلك الرئاسة أن شرع في تعديل بعض أحكام ومواد الدستور في 7 ديسمبر 1962 الذي انتهى بالغاء النظام الفيدرالي في 26 إبريل 1963 في عهد خلفه الدكتور محي الدين فكيني).
واقترح العضو عبدالعزيز الزقلعي أن تكون الدولة الليبية مستقلة موحدة بحدودها الطبيعية مصر شرقا وتونس غربا والسودان جنوبا فيما أشار السيد محمود المنتصر إلى أن القصد من وضع الدستور أن يكون تمهيدا للوحدة الكاملة. ومع تنوع الآراء والنقاش الثري في كل الجوانب قررت الجمعية بعد هذه المداولات الطويلة أن تكون:
1. ليبيا دولة مستقلة ذات سيادة وأن يكون شكل الحكم فيها اتحاديا فيدراليا عادلا
2. وأن تكون الحكومة ملكية دستورية ديمقراطية نيابية تحت تاج الملك إدريس السنوسي
3. وأن ترفع الجمعية للملك قرارها التاريخي وتعتبره ملكا شرعيا على ليبيا منذ الآن.
في اجتماعها المنعقد في الرابع من ديسمبر وافقت الجمعية بعد مناقشة شكل علم البلاد المقترح من السيد عمر شنيب على اعتماده الذي يتكون من ثلاثة ألوان: الأحمر والأسود والأخضر بشكل أفقي ويحتوي القسم الأسود في المنتصف الذي يوازي اللونين السابقين على هلال وكوكب أبيض (نجمة).
.. ثم في نفس الاجتماع اختارت لجنة الدستور من ثمانية عشر عضوا من أعضائها للشروع في وضع الدستور وبنوده بالتفصيل وعرضه أولا بأول على الجمعية لإقراره فصلا فصلا.
وتوالت الخطوات البرلمانية الليبية نحو البعيد بكثير من التوافق وقليل من الاختلاف وكانت الغاية مصلحة ليبيا دون غيرها.

___________________

مقالات

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *